مشروع قانون ينظم نشاط الجمعيات وتمويلها يثير الجدل بتونس

جمعية "شانتي" الناشطة في مجال الحرف والصناعات التقليدية تتخوف من فصول القانون باعتبار أن غالبية موازنتها تعتمد على تمويلات خارجية.
الاثنين 2024/03/04
تحذيرات من تضييق القانون على نشاط الجمعيات

تونس – يثير مشروع قانون ينظم إنشاء الجمعيات وتمويلها الجدل في تونس المتعثرة اقتصاديا حيث تدعم الكثير من هذه المنظمات أنشطة مهمة على غرار الصناعات التقليدية والتدريب المهني ومساعدة النساء المعنفات.

ويفترض أن يحل المقترح الجديد مكان قانون 88 الذي أقر في سبتمبر 2011 وسمح بإنشاء حوالي 25 ألف منظمة وجمعية إثر سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، لكن نشاط العديد منها أثار الريبة، حيث ترددت كثيرا في السنوات التي تلت ثورة 2011 اتهامات لبعضها بتمويل الإرهاب والقيام بأنشطة دعوية تحت غطاء العمل الجمعياتي، خاصة أن تلك الفترة شهدت عدة عمليات تسفير للشباب التونسي إلى بؤر التوتر على غرار سوريا والعراق، فيما تنشط العديد من الجماعات الإرهابية في الجبال التونسية.

وينص مشروع القانون الذي يناقشه البرلمان على أن تمنح وزارة الشؤون الخارجية التراخيص للمنظمات الأجنبية وتراقب تمويلاتها.

وتقدم بمشروع القانون عشرة نواب من الداعمين للرئيس قيس سعيّد الذي هاجم في مناسبات عدة نشاط بعض الجمعيات "المشبوه" واعتبرها امتداد "لأطراف خارجية" في تونس خصوصا في ما يتعلق بالتمويل.

فقد تعرّض الرئيس سعيّد خلال لقاء جمعه بوزيرة العدل ليلى جفّال، في ديسمبر الماضي، إلى شبهات تمويل عدد من الجمعيات، قائلاً إنه "ليس تضييقاً على الجمعيات أو المجتمع المدني، لكنها (الجمعيات) كانت امتداداً للأحزاب وللمخابرات الأجنبية"، مضيفاً أن "هؤلاء استباحوا الدولة ولا بد من وضع حد لهذا الوضع، ولا بد للقضاء أن يلعب دوره في البلاد".

وقال إنه "لا يمكن أن نطهّر البلاد بمثل هذه المؤسسات ونترك هؤلاء المجرمين يعبثون بمقدرات الشعب التونسي"، في إشارة إلى بعض الجمعيات المدعومة من الخارج.

من جهتها اعتبرت النائبة فاطمة المسدي في تصريح صحافي في ديسمبر الماضي، أن "هذا المشروع على عكس ما يحاول البعض ترويجه عنه من مغالطات، فهو ينظم العمل الجمعياتي بتونس، ويهدف إلى إرساء دولة القانون". وأضافت أن "الدولة التي انتظرناها بعد الـ25 من يوليو 2021 تحارب الإرهاب وتبييض الأموال".

ورأت المسدي أن "مشروع القانون يمكّن من التحكم في "حنفية الأموال المشبوهة التي تدخل من طريق بعض الجمعيات التي تكونت بعد يناير 2011"، مضيفة أن "التجربة أثبتت أن بعض الجمعيات تسعى إلى ضرب قيم الدولة التونسية في الأعماق وحان الوقت لمراقبة طرق تمويلها".

وفي المقابل، هناك أوساط جمعياتية وسياسية تحذر من أن تخلق محاولات ضبط المشهد الجمعياتي "المنفلت" في تونس نوعا من التضييق على مكونات المجتمع المدني، حيث أثار النص حفيظة منظمات حقوقية تونسية ودولية على حد سواء.

وتشكل جمعية "شانتي" التي تنشط في مجال الحرف والصناعات التقليدية، واحدة من المنظمات التي تعبر عن مخاوف من بعض فصول مشروع القانون الجديد.

يقول مهدي البكوش مدير "شانتي" التي تعتمد غالبية موازنتها على تمويلات خارجية، "نحن حذرون بشأن ما سيحدث"، لا سيما مع إدراج القانون الجديد لمسألة التراخيص المسبقة التي يجب طلبها من السلطات للحصول على أموال من الخارج.

وبالإضافة إلى متجر الصناعات التقليدية حيث تباع منتجات 60 حرفيًا (من السجاد والفخار والأثاث)، توظف جمعية "شانتي" نحو "22 عاملا بدوام كامل" و"ندعم حوالي مئة مشروع" في جميع أنحاء البلاد وفي قطاعات مختلفة منها السياحة والزراعة.

ويوضح البكوش لوكالة الصحافة الفرنسية "من المهم الحفاظ على مكسب الحريات التي حققتها الجمعيات ومواصلة التطوير للحصول على التمويل الوطني أو الدولي"، مؤكدا أنه منفتح على تنظيم القطاع ولكن في إطار "حوار متواصل" مع السلطات.

ويرى أن تطوير قطاع الجمعيات "يوفر آلاف فرص العمل، ويؤثر أكثر من ذلك في آلاف الأشخاص بشكل مباشر" في حياتهم اليومية.

وتعمل زهرة الزيمومي البالغة 38 عاما وأمّ لطفلتين، في نسج السجاد بمنطقة نفطة (جنوب) وتبيعها في تونس العاصمة، ما يتيح لها "الحصول على راتب شهري منتظم" تستخدمه "لدفع إيجار منزلها وضمان حياة كريمة".

ويعتبر رئيس "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" باسم الطريفي أن "تونس قد تفقد مجتمعها المدني وكل العمل الذي قامت به" إذا تم تعديل قانون 88 بشكل جذري.

ويؤكد لوكالة الصحافة الفرنسية "بحسب دراسة قمنا بها، فإننا من خلال الحد من الموارد المالية للمجتمع المدني، قد نخسر حوالي 30 ألف فرصة عمل بشكل مباشر" ومئة ألف فرصة عمل غير مباشرة.

لكن تونس دخلت في ركود اقتصادي نهاية 2023 ونسبة البطالة تتجاوز 16 بالمئة وحتى 40 بالمئة بين الشباب.

والموازنة العامة للدولة التونسية مثقلة بالديون (80 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي) وتوجه أساسا لدفع رواتب موظفي القطاع الحكومي والعام ولا تملك التمويلات الكافية لدعم الجمعيات.

ويكشف الطريفي أن "النية تتجه اليوم من خلال هذا القانون إلى التضييق على المجتمع المدني وعلى تمويله ونشاطه وحصر نشاطه في مواضيع معينة تكون مقترحة من قبل السلطة السياسية".

ويشاركه هذه المخاوف والتوجس، مقرّر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي، كليمان نياليتسوسي فول الذي زار تونس في الفترة الأخيرة.

ودعا المسؤول الأممي إلى اعتبار "مرسوم 2011 من مكتسبات الثورة التي يجب الحفاظ عليها"، مؤكدا في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية من تونس أن نظام "التراخيص المسبقة الجديد (لإنشاء الجمعيات) يعطي صلاحيات مفرطة للسلطة التي يمكنها، وفق أجندتها رفض الترخيص لإنشاء جمعية".

وقانون تشكيل الجمعيات الحالي والذي يقوم على أساس اخطار السلطات، يتيح للسلطات مراقبة "أجندة المنظمة وما إذا كان هناك خطر أمني داهم" من خلال نشاطها، بحسب المسؤول.

وكان لانتشار المنظمات والجمعيات دور لافت في تونس إثر ثورة 2011 وخصوصا خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي ومختلف المراحل السياسية العصيبة التي مرت بها البلاد.

ودعا مقرّر الأمم المتحدة إلى "أن تفتح السلطات نقاشا مع المجتمع المدني" مشيرا إلى "مشكلة عدم التشاور" بشأن مراجعة المرسوم 88.