مشروع قانون موريتاني لإنهاء فوضى المنصات الرقمية

تصدّر أصحاب الخبرة للمشهد الإعلامي أولوية لدى الصحافيين.
السبت 2021/09/11
إقرار القانون يستوجب توافق الصحافيين

يناقش الصحافيون في موريتانيا مسودة مشروع لتنظيم الإعلام الإلكتروني لوضع حد لما يسمى بـ”المتسولين باسم الصحافة”، بعد انتشار منصات رقمية تفتقر للكوادر الصحافية المؤهلة على حساب المنصات المهنية التي تفتقر للدعم.

نواكشوط - تستعد الحكومة الموريتانية لإقرار قانون لتنظيم الإعلام الإلكتروني في البلاد، بعد توافق الوسط الإعلامي على بنوده، حيث تجري النقاشات لإصلاح القطاع الذي يشهد فوضى واسعة وخروجا عن المعايير المهنية.

وقدم الإعلاميون مقترحاتهم وملاحظاتهم خلال اجتماع خصص لنقاش مسودة مرسوم مقدم من وزارة الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان الخميس، وجاءت المسودة في 16 مادة، تم إعدادها من قبل خبير مستقل لصالح الوزارة.

وتشهد ساحة الإعلام الرقمي في موريتانيا مؤخرا فوضى، ويقول صحافيون إن شبكات التواصل الاجتماعي تتيح لأي مستخدم إمكانية إنشاء منصة رقمية، دون أن تكون لديه خبرة بمبادئ وأخلاقيات العمل الصحافي، وأغلب هذه المنصات تفتقر إلى المهنية ولا تمتلك أطقم فنية وتحريرية تمكّنها من نقل المعلومات والأخبار وفق معايير الجودة والمصداقية، وفي بعض الأحيان يدير هذه المنصات شخص واحد بلا خلفية إعلامية، لنشر أي شيء غريب ومثير، أو يرى أنه قد يجلب التفاعل دون مراعاة للمعايير المهنية.

وأكد وزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان المختار ولد داهي التزام قطاعه بتنفيذ كل ما تتفق عليه الأسرة الإعلامية من إصلاحات للحقل الصحافي.

وأضاف ولد داهي أن توصيات لجنة إصلاح قطاع الصحافة تمت ترجمتها إلى قوانين ومراسيم، سترى النور قريبا، مما سينعكس إيجابا على المشهد عموما عبر زيادة الدعم العمومي له وتمهينه.

المختار ولد داهي: نلتزم بتنفيذ كل ما تتفق عليه الأسرة الإعلامية من إصلاحات

وتقدمت اللجنة الوطنية لإصلاح الصحافة في فبراير الماضي بـ64 مقترحا لحل الأزمة التي يتخبط فيها القطاع الإعلامي في البلاد، وغطت هذه المقترحات محاور متعددة، أولها اعتماد سياسة وطنية للإعلام، إضافة إلى إعادة هيكلة جهة الإشراف على القطاع بالعودة لوزارة الاتصال، وإنشاء مجلس أعلى للصحافة.

ورأت اللجنة في تقريرها أن وضع الإعلام في البلاد “بالغ الخطورة، وأن تأثيرها السلبي على الدولة والمجتمع لم يعد خافيا”، وتابعت أن “كل ما نعاينه اليوم من الفوضى والتسيب والفساد، عائد كليا أو جزئيا إلى فشل الإعلام”.

وشخصت واقع الإعلام اليوم بأنه يبتعد عن تناول الملفات والقضايا التي ترتبط بحياة الناس، ولا يمارس النقد البناء ويغطي على الإخفاقات، ولا يستخدم البحث والاستقصاء في قضايا الرشوة والكذب والغش والدجل والكسل، ومظاهر الفوضى في الشارع والسوق والمدرسة والمسجد والنقل.

ورغم تعدد قنواته العمومية والخصوصية، وكثرة محطاته ومراسليه في الداخل، فهو بلا تأثير جوهري على المواطن، وبعيد عن التنوير والتحديث، وعن الإسهام في معركة نشر العلم والتنمية، بحسب اللجنة.

وتحظى المنصات الرقمية بأهمية كبيرة في موريتانيا، لكن تصدّر أصحاب الخبرة للمشهد الإعلامي يعد في مقدمة أولوية أهل القطاع والقائمين عليه، خصوصا مع حاجة المواطن إلى وجود مؤسسات صحافية قادرة على مراقبة أداء الحكومة، وكشف أي شبهة فساد، ومواجهة المتطفلين على المهنة، مع انتشار شبكات رقمية تعتمد في تمويلها على رجال أعمال وجهات خارجية. ويمكن اعتبارها أذرع إعلامية لمصادر تمويلها.

وأوضح الوزير ولد داهي أن مسودة المرسوم ستحدد الخدمة الصحافية الإلكترونية، وترسم الحدود بينها مع الخدمات الإلكترونية الأخرى، التي لا علاقة لها بالمجال الصحافي، كما أنها سترسخ شرط التصريح فقط لدى النيابة العامة عند إنشاء منصة صحافية إلكترونية، تبسيطا للإجراءات وتشجيعا للحرية الإعلامية، مع اعتماد معايير من شأنها أن تساهم في إضفاء المهنية على المشهد والتقليل من تمييعه.

ومن المشاكل التي تواجه العاملين في ميدان الصحافة الرقمية في موريتانيا، غياب قوانين تحكم الممارسة المهنية، فهو مجال مفتوح أمام الجميع، وقد نتج عن ذلك ظهور ما يمكن وصفه بـ”المتسولين باسم الصحافة” حيث يمارس هؤلاء أنماطا من الابتزاز، فهم على استعداد لتشويه صورة أي مسؤول أو موظف أو رجل أعمال لا يدفع لهم.. أما من يقدم المال فهو أساسا غير صالح لمنصبه بحسب تعبير أحد الصحافيين.

اللجنة الوطنية لإصلاح الصحافة تقدمت بـ64 مقترحا لحل الأزمة التي يتخبط فيها القطاع الإعلامي في البلاد، وغطت هذه المقترحات محاور متعددة

وتصدرت مقترحات لجنة إصلاح الإعلام توصية بـ”وضع استراتيجية موريتانية للإعلام والاتصال تستأنس بالتوصيات، وبالقوانين المتعلقة بالحقل بجمعها في وثيقة واحدة متكاملة”، كما أوصت باعتماد “هيكلة منسجمة ومتكاملة للقطاع يعهد لها باقتراح السياسات الإصلاحية، والإشراف على تنفيذها، ومراقبة البنية التحتية، ومخاطبة أهل الحقل في كل المجالات”.

ومن المقترحات إنشاء مجلس وطني للإعلام، ومنحه صلاحية الإشراف على الصحافة المكتوبة والإلكترونية والتكوين وتحسين الخبرة، إضافة إلى تنظيم البطاقة الصحافية وإنفاذ ميثاق الأخلاقيات والتعاون مع النقابات والروابط وحماية المهنة والحماية منها.

ويدخل ضمن اختصاص المجلس “التعامل مع الإعلام الإلكتروني والنظر في مضامينه، والإشراف على تسيير دار الصحافة، ودار النشر، وغيرهما من المنشآت المشتركة التي تخدم الحقل”.

ويشرف المجلس المقترح على تنظيم الوصول إلى المصادر، وتأهيل الصحافة للمشاركة في الأنشطة الصحافية، واقتراح الإصلاحات الضرورية بشكل مستمر، وتشجيع قيام مؤسسات صغيرة ومتوسطة في المجال الرقمي، ودعمها، وتشكيل سلك للمدونين الموريتانيين.

واقترحت اللجنة إنشاء وكالة وطنية للإشهار (الإعلان)، لتحل محل سلطة الإشهار، وتكليفها بتحصيل إيرادات الإشهار وتحديد أوجه الاستفادة منه، وكذلك إنشاء معهد للصحافة وتقنيات الإعلام ليوفر تدريبا مهنيا وتقنيا حقيقيا للصحافيين، ويحل محل قسم الصحافة في المدرسة الوطنية للإدارة.

وساهم غياب الدعم وضَعف الأجور والعمل دون عقود تحمي حقوق الصحافيين، في ترسيخ الفوضى في الإعلام الإلكتروني ودفع العديد من أصحاب الخبرة والأسماء الوازنة إلى البحث عن مصادر دخل خارج مهنة الصحافة، وأتاح غيابهم الفرصة لظهور دخلاء على المهنة يبحثون عن الترند وعدد الزيارات بأي طريقة.

وعبر ولد داهي عن أمله في أن يخرج المشاركون في الورشة بمقترح يطور الحقل الإعلامي، من خلال نص ينحاز للمهنية والمعيارية ويستوعب كل انفتاح وتسامح، ويضع بكل صرامة الحواجز أمام التمييع وانعدام الضوابط ويمنع كل ما من شأنه النيل من شرف المهنة الصحافية.

18