مشروع قانون المطبوعات صار جزءا من الصراع السياسي الليبي

غياب الهياكل التنظيمية الخاصة بالصحافيين عطل تطوير المهنة.
الجمعة 2021/07/16
التشريعات القانونية المناسبة تخدم جودة الصحافة

عاد الحديث عن تطوير الإعلام في ليبيا وتنظيم القطاع مع استئناف لجنة مراجعة قانون المطبوعات أعمالها بعد توقف لمدة عامين، ومناقشة مقترحات الصحافيين المتعلقة بشروط العمل الصحافي وحماية الإعلام بما يتوافق مع الإعلان الدستوري المؤقت والمواثيق الدولية.

طرابلس - استأنفت لجنة مراجعة قانون المطبوعات الليبي أعمالها بعد توقفها لأكثر من عامين بانضمام أعضاء جدد من مختلف أنحاء البلاد، للوصول إلى صيغة مقترح قانون يلبي تطلعات الوسط الصحافي بحماية حقوق الصحافيين، وضمان قيامهم بالعمل دون تضييق.

وناقشت اللجنة خلال اجتماع عقد هذا الأسبوع، مقترح القانون الذي سينظم الصحافة بجميع أشكالها، والاستماع إلى ملاحظات الأعضاء مثل المتعلقة بشروط العمل الصحافي وتعريفه وغيرها من المواد، بحيث تتم صياغتها بما يتوافق مع الإعلان الدستوري المؤقت والمواثيق الدولية.

ويواجه الصحافيون الكثير من الصعوبات والتحديات القانونية التي تحول دون ممارسة أعمالهم الصحافية بالصورة الصحيحة، بسبب غياب التشريعات الحديثة التي تضمن حقوق الصحافيين، وتوفر لهم الحماية، وتمنحهم الحق في ممارسة أعمالهم بحرية والوصول إلى مصادر المعلومات، فآخر تشريع صدر في ليبيا بخصوص الصحافة يعود إلى عام 1972.

ويسعى الصحافيون إلى تطوير أداء وسائل الإعلام العامة، والدفع باتجاه تنظيم العمل الإعلامي بمختلف وسائله، وتوظيف الخطاب الإعلامي لخدمة عملية التحول الديمقراطي، إذ أن قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972، الذي يتم العمل به حتى الآن غير قادر على تنظيم العمل الإعلامي في ظل تكنولوجيا الاتصال والإعلام المستحدثة. وهو تشريع عفا عليه الزمن ويحتاج إلى تطوير بما يواكب المستجدات في طبيعة العمل الصحافي، كما أن هذا القانون يتضمن العديد من المواد التي تقيد حرية الصحافة، وتحدّ من حرية الصحافيين.

وهناك صعوبات تنظيمية تتمثل في غياب الهياكل التنظيمية التي ينضوي تحتها الصحافيون، وتُشكّل درع حماية لهم، حيث لا وجود لنقابة أو اتحاد للصحافيين، يدافع عن حقوقهم، ويدفع في اتجاه تطوير المهنة وينظمها.

ويقول البعض إنه في غياب نقابة للصحافيين صارت المهنة مجالا خصبا لكل المتطفلين على الصحافة، دون أي معايير منطقية وقانونية، وهو ما أفقد المهنة خصوصيتها واحترامها وأهميتها أيضا بعد أن صارت مسرحا مفتوحا للهواة وكُتاب الخواطر من كل التخصصات.

إصدار تشريع ينظم العمل الصحافي تأخر بسبب تلكؤ الجهات التشريعية التي لم تبادر إلى إطلاق أي مشروع بهذا الخصوص

وشدد المحامي وائل بن إسماعيل خلال الاجتماع على تضمين نقابة الصحافيين ضمن مقترح مشروع قانون الصحافة، قائلا “النقابة هي الفيصل في إدارة المشهد الإعلامي في البلاد وهي ستعمل على دعم وحماية جميع من يعمل في مجال الصحافة والدفاع عنهم”.

وتأخر إصدار تشريع ينظم العمل الصحافي بسبب تلكؤ الجهات التشريعية، التي لم تبادر إلى إطلاق أي مشروع بهذا الخصوص. وبالنتيجة لم يتحرر الإعلام الرسمي من سلطة الدولة بعد، فالدولة ما زالت تدير الصحافة والقنوات الإذاعية التي تملكها بنفس العقلية السابقة تقريبا، والإعلام الرسمي الذي يتمثل في الإعلام العام ما زال يخضع في مضمونه وتمويله وتوجهاته لما تمليه عليه السلطات، حيث ما زالت أخبار المسؤولين ونشاطاتهم مركز الاهتمام والتفضيل في الإعلام، مع غياب النقد الحقيقي لممارسات وتجاوزات المسؤولين، حيث يلاحظ ندرة المواد الإعلامية التي تكشف الفساد ورموزه، مع سيادة لغة التهليل والتصفيق أيضا لتصريحات ولقاءات وزيارات كبار مسؤولي الدولة.

وأدّى الصراع من أجل السيطرة على الإعلام الرسمي، إلى وضع هذا القطاع في حالة من الاضطراب. فقد اعتُبِرَت التدابير الصارمة التي اتّخذتها الهيئات الانتقالية، بمثابة عقاب لهذا القطاع.

وظل الإعلام الرسمي غير قادر على ممارسة دوره في كشف ممارسات الفساد في الدولة، التي تدير بطريقتها ورغبتها وسائل الإعلام.

وخلص المشاركون في لجنة المراجعة إلى إضافة بعض الأبواب على القانون مثل باب الإعلام الحكومي وإعادة توزيع أبواب القانون لتتم مراجعته من قبل الأعضاء، حتى يتمكنوا من إجراء المقاربات والمقارنات مع قوانين الصحافة في الدول الديمقراطية وتقديم الاقتراحات في الاجتماع القادم.

وقال حسام الطير مقرر اللجنة “نعمل ضمن الزملاء في اللجنة على تجهيز مقترح لقانون يتماشى مع الحقوق والحريات العامة ينهي عقودا من القيود التعسفية على حرية الرأي والتعبير”.

ويرى متابعون للإعلام الليبي أن الحكومة الجديدة عليها أن تقوم بتحمل المسؤولية في مجال العمل الإعلامي، من خلال تطوير أداء وسائل الإعلام العامة، وجعلها وسيلة تعبير للمجتمع بأكمله، مع توفير ممارسة إعلامية حرة دون ممارسة أي ضغوط، وعدم تسخير تلك الوسائل لخدمة أغراض تتعلق بالسلطة، بل تحويلها إلى قنوات تقدم خدمة إعلامية عامة ومحايدة ومتكاملة، وتوفر مساحة تعبير للجميع دون إقصاء.

ويطالب الصحافيون الحكومة الجديدة بضبط حالة الانفلات الإعلامي، والعمل على جعل وسائل الإعلام الليبية تلتقي حول ميثاق شرف أخلاقي تلتزم فيه بنبذ خطاب الكراهية، وإشاعة ثقافة الحوار والتسامح والمصالحة الوطنية وقبول الآخر.

إصلاح الإعلام في ليبيا يتطلب حلولا خاصة به تعالج الاحتياجات المحلية، وهناك حاجة ماسّة لإنشاء هيئة متخصّصة يتم منحها سلطة تنفيذية

ويؤكد هؤلاء على توفير الظروف الملائمة التي من شأنها أن تجعل القنوات الليبية العاملة في الخارج تنتقل للعمل في الداخل، والاتفاق على استراتيجية إعلامية عُليا، مع توفير المناخ المناسب لممارسة إعلامية حرة ومسؤولة، تحمي حرية التعبير من ناحية، وتحفظ هيبة وسيادة الدولة من ناحية أخرى.

ومن شأن الدفع باتجاه تنظيم العمل الإعلامي بمختلف وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية، من خلال وضع التشريعات المناسبة، أن تضبط وتقنن الممارسة الإعلامية وتحدد معالمها وشروطها وأدواتها وسياساتها ومصادر تمويلها، بما يكفل استقلاليتها ويوفر لها مصادر تمويل لا تتدخل في تحديد توجهاتها.

ويتطلّب إصلاح الإعلام في ليبيا حلولا خاصة به تعالج الاحتياجات المحلية. وهناك حاجة ماسّة لإنشاء هيئة متخصّصة يتم منحها سلطة تنفيذية، بحيث تتولّى المسؤولية عن إعادة تنظيم الإعلام الرسمي السابق وصياغة قوانين للقطاع الخاص. خصوصا في ظل النقص الحادّ في المهارات والقيادة داخل الإعلام الوطني.

غير أن قرار الحكومة الليبية الأخير المتعلّق بحل وإلغاء المؤسسة الليبية للإعلام، ونقل سلطة إشراف وسائل الإعلام العامة لست جهات حكومية، واجه انتقادات واسعة داخل ليبيا وخارجها حيث اعتبرته منظمات دولية يفتقر لحسن حوكمة الإعلام العام.

وأوصت المنظمات والهيئات الدولية بإصلاح الوضعية القانونية والهيكلية للمؤسسة الليبية للإعلام وتعزيز دورها كمؤسسة مستقلة تشرف على قطاع الإعلام العام، منوط بها منح التراخيص وتنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني ورصد المخالفات المهنية، بما يضمن استقلالية المؤسسات الإعلامية التي تشرف عليها من ناحية، ويساهم في تحسين أدائها لضمان حق الليبيين في إعلام نزيه ومحايد من  ناحية أخرى.

18