مشروع سياحي ضخم يهدد محمية سانت كاترين جنوب سيناء

القاهرة- تمضي حكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قدما في إقامة مركز سياحي ضخم في مدينة سانت كاترين بجنوب سيناء ويشمل فنادق خمس نجوم ومطاعم ومركز تسوّق. لكن هذا المركز بات يهدد محمية سانت كاترين، وهي حديقة وطنية مصرية بمحاذاة جبل سيناء، حيث يقال إن النبي موسى تلقى الوصايا العشر هناك.
وبينما تفاخرت الحكومة بمثل هذه المشاريع التنموية في جميع أنحاء البلاد أثار السكان المحليون والجماعات الحقوقية مخاوف جدية من إمكانية أن تهدد عيش البدو المحليين وتدمر التراث القديم في المنطقة وبيئتها الطبيعية. كما أنها قد تستهدف دير سانت كاترين الذي يبلغ عمره 1400 عام، والذي صنفته اليونسكو ضمن التراث العالمي في 2002، ويقع عند سفح الجبل، وهو أقدم دير مسيحي يعمل باستمرار في العالم.
وتُثار علامات استفهام حول الكيفية التي سيفيد بها هذا المركز السياحي -الذي تبلغ كلفته عدة ملايين من الجنيهات- السكان المحليين، ولاسيما القبائل البدوية المحلية؛ الجبالية وأولاد سعيد. وتتخوّف النساء على وجه الخصوص من إمكانية ألا يصل إليهن إلا القليل. ويرى السكان المحليون أن شبه جزيرة سيناء في حاجة ماسة إلى الاستثمار في المدارس والمستشفيات والبنية التحتية، لكن الحكومة والمستثمرين الجدد لن يهتموا بالمنطقة وسيبحثون عن فرص إنشاء مشاريع مربحة لهم.
ولن يسهم تدفق السياح في زيادة النفايات فحسب، وإنما سيؤدي أيضا إلى التوسّع في عملية توزيع موارد المياه بشكل خطير وعلى حساب السكان المحليين في سانت كاترين الذين يعتمدون على مياه الأمطار في عمليات الري والغسْل والشرب.
وقال أحد السكان “نحصل على المياه الحكومية. لكن بشكل عام، ما يحدث هو أن الأشخاص في مشروع التنمية أو الجيش أو الشرطة يحصلون على المياه أوّلا. إذا كان هناك أي فائض، فسيجلبونه إلى البدو”.
وتعد سانت كاترين موطنا لنمر مهدد بالانقراض، ولإحدى أصغر الفراشات في العالم والوعل النوبي والعصفور الوردي، وكلها مهددة الآن بمستويات التلوث الصناعية التي سيحدثها المشروع.
وقال ساكن آخر “جاء الجيش ذات يوم وأعاد بناء المسار المؤدي إلى الدير. سألت أشخاصا مقربين من الرهبان عما إذا كانوا قد أعلموهم بشيء من هذا مسبقا؟ فأخبروني بأنهم قدموا إليهم يوما ما وقالوا: هذا ما سنفعله. هذه أرض التراث العالمي لليونسكو ولم يُبلغ الدير ولا اليونسكو بكل هذا إبلاغا صحيحا”.
وساعدت شركات الطيران، التي تنقل رواد العطلات إلى شرم الشيخ بأسعار منخفضة، في تحويل منتجع البحر الأحمر إلى مركز سياحي متطور، حيث أدت النوادي الليلية والمنتجعات الفاخرة والمطاعم إلى إتلاف الشعاب المرجانية وملء البحر بالبلاستيك. ويخشى الكثيرون أن تبتلع مستويات مماثلة من التنمية وإعادة الإعمار سانت كاترين التي يعرفونها.
وقال أحد السكان المحليين “شرم الشيخ هي قلعة محاطة بأسوار بأربع بوابات حيث يُراقب كل شيء. ويفصل السور الذي يحيط بالمدينة الآن والذي شُيّد في 2019 لحماية السياح في شرم الشيخ هؤلاء السياح عن بلدة الرويسات البدوية ويسيطر على من سيدخل المدينة بسلسلة من نقاط التفتيش”.
ولاقى السكان البدو المحليون الذين عاشوا في سيناء لقرون التجاهل فيما يتعلق بالحصول على وظائف في السياحة بشرم الشيخ، وهي الوظائف التي منحت لصالح غيرهم من المصريين الذين تشجعوا على الانتقال إلى شبه الجزيرة.
وقطعت الحكومة بالفعل الأشجار ودمرت الحدائق والمنازل حول سانت كاترين لإفساح المجال للمشروع الكبير في سانت كاترين. ومما يثير القلق بشكل خاص هو الطريق السريع الجاري بناؤه لربط المحمية بالطور، وهي عاصمة محافظة جنوب سيناء.
وقد وقف السكان المحليون أمام شواهد القبور عندما سمعوا عن خطط تدمير مقبرة محلية كجزء من خطط تحقيق المشروع، لكن جاءت جرافة وأنهت مهمتها. وبدلا من نقل الرفات بعناية جابت الكلاب المقبرة بعظام في أفواهها. وتساءل أحد السكان “إذا كانوا يفعلون هذا بأمواتنا، فماذا سيفعلون بالأحياء؟”.
ونقلت أميليا سميث، الصحافية المتخصصة في ملفات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عن أحد السكان المحليين قوله إن المشروع شوّه القرية ودمر جمالها الطبيعي. ولئن اعتُمدت الصخور المحلية لتشييد المباني تقليديا، فإن الصخور المستخدمة الآن تُجلب من أجزاء أخرى من البلاد ولا تتطابق مع لون سلسلة الجبال التي يشتهر بها جنوب سيناء.
وقال أحد السكان “نحن نضيف صناديق خرسانية إلى الجبال معتقدين أننا سنبدو أكثر تحضرا للعالم من خلال ذلك. نحن نشعر بالخجل إلى حد ما من المشروع”.
ويعمل الكثير من السكان البدو المحليين مرشدين جبليين ويقدمون إلى الزوار تجربة بيت الضيافة التقليدي، ويبحثون عن السياح الأثرياء في أماكن الإقامة من فئة خمس نجوم، وهو مشروع سيهدد أسلوب حياتهم بشكل خطير.