مشروع ساويرس "مونيفاي" يفشل في تثبيت أقدامه بسوق الإمبراطوريات الإعلامية

دخل رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس في تحد كبير بإطلاق منصة "مونيّفاي" في بيئة إعلامية شديدة المنافسة، تحتاج أن توازن بين الابتكار وتلبية رغبات الجمهور، إلا أنه فشل في تحقيق هذه المهمة وتكبد خسائر كبيرة مع عجز القيادات عن وضع إستراتيجية ناجعة.
القاهرة - لم تستطع منصة “مونيّفاي” التي أسسها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، أن تكون بمثابة قناة “سي.أن.بي.سي” لجيل تيك توك، المنافسة في واحد من أصعب أسواق العالم في الترفيه بوجود إمبراطوريات إعلامية ضخمة، رغم إنفاقه العشرات من الملايين في أشهر قليلة.
وكشفت وكالة بلومبيرغ أن المنصة التي أسسها ساويرس في عام 2024، والتي كان يُفترض أن تكون مشروعه الإعلامي الأخير، باتت الآن في وضع غير مستقر بعد خسائر مالية فادحة. إذ قرر ساويرس فجأة خفض الإنفاق بشكل جذري بعد أن أنفق عشرات الملايين من الدولارات، دون أن تحقق المنصة عائدا ملموسا، ما أدى إلى توقف أغلب أنشطتها.
انطلقت من دبي المزدهرة، وكان يُنظر إليها كمنصة إعلامية جديدة تهدف إلى نقل أسرار بناء الثروة لجمهور شاب وطموح في الأسواق الناشئة الرئيسية، وكل ذلك بدعم من رجل أثبت نجاحه بنفسه وأمضى قرابة خمسة عقود في عقد الصفقات وحاول النجاح في مجال الإعلام.
وانطلقت الشركة في موجة توظيف قبل الإطلاق في نوفمبر، واستقطبت موظفين من نيويورك إلى الشرق الأوسط، مقدّمة رواتب مغرية، وتم تعيين مايكل بيترز، الرئيس التنفيذي السابق لـ”يورو نيوز”، كرئيس تنفيذي للشركة، كما انضم ياسر بشر، الذي أسّس القسم الرقمي لقناة الجزيرة، كمستشار رئيسي لساويرس، وكان هناك انطباع بأن “مونيّفاي” لن تحقق أرباحا في البداية، لكنها تملك موارد مالية تكفي لعدة سنوات، ما طمأن الموظفين بشأن إمكانيات مالكها الجديد.
وأضفى الحفل الفاخر الذي أقيم في “متحف المستقبل” بدبي بمناسبة الإطلاق الرسمي المزيد من التفاؤل والاحتفاء.
واستعانت الشركة بثنائي الخدع البصرية الأوروبي “لي فْرَنش توينز” لتقديم عرض، كما ظهر ساويرس بدور دي.جي على غرار ديفيد سولومون، وتحدث عن المشروع الجديد بلهجة خيرية أمام جمهور أنيق، وضحك بأسى على ما أنفقه عليه حتى الآن.
وقال ساويرس، البالغ من العمر 70 عاما، في تسجيل صوتي “في سني هذا، يبدأ الإنسان في التفكير: يجب أن أترك إرثا، شيئا للمجتمع. لذلك فإن كل الأموال التي أنفقناها على مونيّفاي، تُسجّل تحت هذا البند.”
ثم وبدون سابق إنذار، بدا أن هناك تغييرا مفاجئا في الموقف، حيث جرى تقليص الميزانيات وخطط الترويج، ما أدى إلى إلغاء بعض المحتوى، وبدأت الشركة موجة تسريحات واسعة في يناير، وغادر الرئيس التنفيذي بيترز منصبه، وكل ذلك من دون توضيحات تُذكر للموظفين، بحسب مصادر مطلعة.
تجربة "مونيفاي" تثبت مدى صعوبة التميز وتحقيق الأرباح من المحتوى في عالم إعلامي مزدحم يتنافس على الإعلانات
وحاليا خفضت الشركة، التي تقودها ابنة ساويرس، لانا، من طموحاتها الأصلية من عدة جوانب.
ويروي المطلعون الذين جرى التواصل معهم وطلبوا عدم ذكر أسمائهم حفاظا على فرصهم المهنية مستقبلا، كيف أن ساويرس بدا بعيدا عن التفاصيل حتى لحظة الإطلاق، ثم فوجئ بوتيرة حرق الأموال، التي قُدّرت بعشرات الملايين من الدولارات.
كما أن تعدّد المسؤولين قبل بدء البث أحدث ارتباكا بين الموظفين، وربما الأهم من ذلك، أن أحدا داخل الشركة لم يكن يعرف بدقة كيف ستحقق “مونيّفاي” الأرباح.
وقال ساويرس لموظفي “مونيّفاي” إن هذه ستكون مغامرته الأخيرة، وذلك بحسب ما صرّح به آنذاك. واستعرض معدل فشله المنخفض في الأعمال التجارية بعد مسيرة طويلة في قطاعي الاتصالات والتعدين، حيث أجرى أعمالا في دول مثل كوريا الشمالية وباكستان، وطلب منهم أن يساعدوه في إنجاح هذا المشروع.
وليس ساويرس أول رجل ثري يواجه تحديات قطاع الإعلام، إذ إن العديد من المليارديرات، مدفوعين بثرواتهم الكبيرة وأفكارهم الطموحة، اشتروا صحفا ومحطات تلفزيونية بل ومواقع تواصل اجتماعي أحيانا، لكنهم واجهوا صعوبات في وقف الخسائر أو اصطدموا بالخلافات بشأن الاستقلالية التحريرية.
وتظهر تجربة دخول “مونيّفاي” إلى هذا المجال مدى صعوبة التميّز وتحقيق الأرباح من المحتوى في عالم إعلامي مزدحم يتنافس على نيل إعلانات المعلنين، في وقت يتقلص فيه تركيز الجمهور.
وقال عمر الغزّي، أستاذ الإعلام والاتصالات المساعد في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، “رغم وجود فجوة في السوق لجذب الشباب، خصوصا المهتمين بعالم الأعمال، إلا أن الاستثمار في هذا المجال ينطوي على مخاطر. من الصعب على المنصات الإعلامية الجديدة أن توازن بين الابتكار وتجنب الظهور بمظهر السذاجة أو السخافة.”
وبدأت بعض علامات التحذير تظهر عندما جاء ساويرس إلى دبي مطلع العام الجديد، وفاجأ الحضور في اجتماع داخلي عندما طلب من الصحافيين وغيرهم مساعدته في ابتكار إستراتيجية لتحقيق الإيرادات لشركة “مونيّفاي”، بحسب أشخاص حضروا الاجتماع.
وقد أعطى ذلك الانطباع للبعض بأنه غير مطّلع على تفاصيل المشروع، أو أنه يواجه مشكلة في خطة العمل كان من المفترض أن يعالجها معاونوه منذ وقت مبكر، على حدّ قولهم.
ووضع ساويرس على رأس مشروع “مونيّفاي” منذ البداية، رجلين يُنظر إليهما على أنهما يمتلكان شخصيتين ونهجين مختلفين. فقد تولى مايكل بيترز الإدارة بعدما كان على رأس “يورو نيوز” التي كانت تُوصف يوما ما بأنها النسخة الأوروبية من “سي.أن.أن”، وذلك خلال فترة امتلاك ساويرس للقناة، وكان الملياردير قد انتهى به المطاف إلى بيع حصته الكبرى في القناة بعد معاناة طويلة مع الخسائر.
وكان يُنظر إلى مايكل بيترز في “مونيّفاي” على أنه يلعب دورا خلفيا ولم يتحرك بالسرعة المطلوبة خلال مرحلة التأسيس، وفقا لأشخاص مطّلعين على الأمر.
ومع اقتراب موعد الإطلاق، بدا أن ياسر بشر بات يمسك بزمام الأمور أكثر، وكان يُنظر إليه داخليا على أنه المدير الأكثر نشاطا، وقد أعطى ذلك انطباعا لدى بعض العاملين في الشركة بوجود تيارات متنافسة تتصارع على السيطرة في قلب المشروع.
ومع ذلك، كانت المعنويات مرتفعة نسبيا في فترة الإطلاق، وكان هناك شعور داخلي بوجود شيء جديد، ورغم إدراك الكثيرين لمخاطر المشروع في بيئة إعلامية صعبة، إلا أنه كان مدعوما من ملياردير يُعرف بعلاقته القوية مع الجمهور المستهدف من الشباب.
وانتهى عقد الاستشارة الخاص ببشر مع الشركة في وقت متزامن تقريبا مع موعد الإطلاق، ليبقى بيترز في المسؤولية.
وبدا أن ساويرس بدأ يُبدي قلقا متزايدا بشأن كيفية تطور المشروع، وفوجئ عدد من العاملين داخليا بما اعتبروه افتقارا لإستراتيجية واضحة لتحقيق الإيرادات من محتوى “مونيّفاي”.
كما بدأت التساؤلات تدور داخليا بشأن عدد الموظفين الزائد عن الحاجة وسرعة استنزاف السيولة، بحسب نفس المصادر.
ساويرس بدا بعيدا عن التفاصيل حتى لحظة الإطلاق، ثم فوجئ بوتيرة حرق الأموال، التي قُدّرت بعشرات الملايين من الدولارات
وكانت “مونيّفاي” قد أطلقت في البداية برامج مختلفة عدة، لكل منها رئيس خاص به، وقد قُدّرت ميزانية عام 2025 بحوالي 50 مليون دولار، وفقا لشخصين مطلعين على الأمر، جاء ذلك بعد أن كان ساويرس قد ضخ بالفعل عشرات الملايين من الدولارات كمصاريف أولية.
وبعد أسابيع قليلة على الإطلاق، تم تقليص حجم المشروع وبدأت عمليات التسريح. وقد كانت هذه التخفيضات شديدة التأثير على الموظفين الذين انتقلوا إلى الإمارات من خارج البلاد. وواجه العديد منهم خطر الطرد من الدولة في حال لم يعثروا على وظيفة جديدة بسرعة بسبب قيود التأشيرات الصارمة.
وانتقلت كارلي رايلي، البالغة من العمر 31 عاما، من نيويورك إلى دبي في بداية نوفمبر 2024 لتقديم برنامج “مونيّفاي ديلي” البرنامج الرئيسي في مجالي التقنية والمال، وقد عملت هناك لمدة ثلاثة أشهر فقط قبل أن يتم الاستغناء عنها في مطلع فبراير. وقالت في مقابلة “كان واضحا جدا لأي شخص تحدث إلى أي فرد من القيادة أن أمامنا فترة تمتد من ثلاث إلى خمس سنوات من التمويل”، وأضافت “كانوا يعلمون أن الأمور تحتاج إلى وقت.”
وغادر بيترز في وقت مبكر من العام الجديد، تزامنا تقريبا مع بث مقابلة أجراها مع ماي ماسك، والدة إيلون ماسك، ضمن سلسلة “آي آيكونز” التي تنتجها “مونيّفاي”، وتم تعيين ابنة ساويرس لانا، خلفا له، وكانت لانا قد عملت سابقا كمديرة للتواصل الرقمي لدى “كريستيان لوبوتان”، ثم مديرة فنية في “كيث”.
وقد جاء هذا التغيير ليضع شخصا في القيادة يتمتع بملف شخصي أقرب إلى الفئة التي تستهدفها العلامة التجارية القائمة في دبي، وكان ساويرس قد أطلق “مونيّفاي” بناءً على فكرة بسيطة: الشباب كانوا يسألونه دائما كيف يمكنهم أن يصبحوا أثرياء مثله.
وقال ساويرس في فيديو نُشر على قناة “مونيّفاي” على يوتيوب “فقلت في نفسي: لماذا لا أقدّم لهم أداة، منصة، تقدم كل شيء في حزمة واحدة تساعد هؤلاء الشباب على تحقيق أحلامهم؟ أنا أحب أن أُسهم دائما في خدمة المجتمع، ومن الأفضل أن يكون العطاء موجها للشباب، لجيل الألفية. هذا كان الدافع.”
وتعتمد “مونيّفاي” اليوم، على مقاطع إعلامية قصيرة ومحتوى مكتوب محدود بشكل رئيسي، حيث تقودها لانا ساويرس نحو مواضيع مالية شخصية، مثل متى ينبغي جني الأرباح في سوق صاعدة، والفخاخ المالية التي تُبقيك مفلسا، وشراء الأحذية الرياضية كاستثمار. وقالت في فيديو حديث “يجب أن تكون مسائل مثل التمويل، والأعمال، وريادة الأعمال ممتعة أيضا.”