مشروع رائد للترجمة

أغلب الترجمات العربية للأدب والفكر العالمي كانت تتم عن طريق لغتين وسيطتين، هما اللغة الإنكليزية والفرنسية، ما كان يفقد ترجمة هذه الأعمال بعض قيمتها الجمالية والفكرية، وعلى الرغم من أن بعض الترجمات مازالت تتم عن لغة وسيطة إلا أن انتشار الكثير من اللغات العالمية، وإتقان المترجمين العرب لها ساهما في نقل هذه الأعمال عن لغتها الأصلية.
لكن حالة الفوضى والاستسهال التي شهدتها عمليات الترجمة في العقود الماضية استدعت تضافر جهود مجموعة من المترجمة لبلورة مشروع المنظمة االعربية للترجمة، التي اتخذت من بيروت مقرا لها. حاولت هذه المنظمة من خلال إنشائها تحقيق أكثر من هدف، لتقديم ترجمات رصينة لأهم كتب الفكر والعلوم الإنسانية، وتحقيق التواصل والتفاعل مع الفكر والعلوم الإنسانية الحديثة، إضافة إلى احترام حقوق المؤلف.
إن من يقرأ عناوين الكتب التي صدرت عنها حتى الآن يدرك حجم الجهد المبذول في هذا الاتجاه، لكن اقتصار مشروع الترجمة على هذه الأعمال أوقعه في مطب النخبوية أو نخبوية النخبة نظرا للطبيعة التخصصية والمستوى العالي للأعمال المترجمة، ما تطلب بذل جهد كبير من قبل المترجمين في نقلها إلى العربية.
لقد ظهرت نتائج هذا التوجه في حجم مبيعات هذه الكتب وإقبال القراء العرب على شرائها، إذ ظلت في إطار نخبة محدودة من الأكاديميين وأصحاب الفكر والجامعات. إن مشروعا رائدا بهذه الأعمال يعتمد على جهود المشاركين فيه، يحتاج إلى مراعاة للجانب التجاري كأي مشروع آخر، حتى يستطيع الاستمرار وتمويل ذاته على الأقل، لذلك كان يجدر بالمنظمة أن تعمل على ترجمة أهم ألأعمال الروائية الحديثة، نظرا للإقبال الواضح من قبل القارئ العربي على قراءتها.
صحيح أن المنظمة عملت على سد النقص في عمل المترجمين العرب ودور النشر العربية، من خلال ترجمة أهم كتب الفكر والفلسفة والعلوم الإنسانية، إلا أن المشروع يحتاج إلى روافد مادية تعينه على تمويل نفسه واستمرار دوره الذي تحول إلى حاجة ماسة في ظل حالة فوضى الترجمة واستسهالها من قبل البعض من المترجمين ودور النشر.
لقد تميزت كتب المنظمة بسعرها العالي نسبيا بسبب دفعها حقوق المؤلف، على خلاف العديد من دور النشر العربية. وفي محاولة منها لخفض كلفة طباعة الكتاب لجأت إلى الاقتصاد الفني في إخراج كتبها بغية توفير الحصول عليها بسعر معقول، لكن سوية هذه الكتب المتخصصة، وسعرها الذي بقي مرتفعا نسبيا انعكسا سلبا على عملية تسويقها، كما يمكن ملاحظة ذلك في حجم مبيعات كتبها في معارض الكتب العربية.