مشروع تونسي واعد لتعزيز جاذبية السياحة الصحراوية

عززت تونس زخم انتعاش السياحة، وخاصة الصحراوية، بإقرار مشروع واعد في جنوب البلاد طال انتظاره لثلاثة عقود، في تحرك يرى خبراء أنه سينعكس على المنطقة عبر تدفق الوافدين المحبين للمغامرة، لتنشيط القطاع وتوليد المزيد من فرص العمل للشباب.
تطاوين (تونس) - يحشد المسؤولون التونسيون جهودهم لتعزيز آفاق السياحة في السنوات القليلة المقبلة، وذلك في سياق مخطط لدفع عجلات القطاع من بوابة التنويع وإضفاء الجاذبية على هذه الصناعة عبر استقطاب المزيد من الزوار الأجانب، بما يحقق إيرادات مالية أعلى.
وتمت المصادقة على أول منطقة سياحية في ولاية (محافظة) تطاوين جنوب البلاد التي تبعد عن العاصمة تونس بنحو 520 كيلومترا بعد سنوات من إطلاقه كفكرة.
وكانت السلطات قد أعدت في العام 1994 مختلف الدراسات والأهداف لتطوير منطقة بياش الواقعة على الطريق المؤدية إلى قرية شنني على بعد 4 كيلومترات عن وسط المدينة، لكنه ظل حبيس الأدراج دون أن تتحرك أي حكومة من ذلك الحين للشروع فيه رسميا
ورغم التراث التاريخي الكبير الذي ورثته تونس من الحضارات القديمة والقبائل البربرية والتاريخ الإسلامي، تركز السياحة في الغالب على المنتجعات الشاطئية والسفن السياحية المتجولة.
وأوضح المدير الجهوي لوكالة تهيئة المناطق السياحية بالجنوب عبدالرؤوف سلومة أنه رغم الفترة الطويلة التي تطلبها الإعداد للتفاوض مع مالكي الأراضي، لم تتمكن الأطراف المعنية من الحصول سوى على 8 هكتارات من 30 هكتارا تم تحديدها.
وفي حين لم يكشف سلومة عن قيمة المشروع المقرر، لكنه أشار في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية الرسمية أنه تم إصدار مقرر التدخل العقاري للوكالة في شأنه سنة 2007.
وقال إنه “انطلاقا من واقع هذا المشروع، لم تعد الدراسات الفنية والتوزيع الوظيفي السابق قابلا للإنجاز، بعد بناء فندقين في المنطقة، وتبعا لذلك، أصبح من الضروري إعادة كافة الدراسات الفنية للمنطقة.”
وبحسب المسؤول فقد أغلق أحد الفندقين أبوابه منذ أواخر العشرية الماضية بسبب الأزمات، التي تعرض لها الاقتصاد التونسي، فيما تواصل الوحدة الثانية نشاطها حتى الآن وهي فندق قصر حدادة.
وأفاد سلومة بأن المقترح الجديد لهذه المنطقة، يتضمن تشييد وحدة فندقية ومقسمين تنشيطيين ومقسما متعدد الوظائف والأنشطة، علما وأن الفندقين الموجودين يمسحان حوالي هكتارين ونصف من المساحة المتبقية من هذه المنطقة غير المسبوقة في الجهة.
وينتشر في مختلف المدن والمناطق أكثر من 840 فندقا و220 ألف سرير و1100 وكالة سفر، إلى جانب 357 مطعما مصنفا على أنه سياحي.
وبين سلومة أن الجدوى الاقتصادية لهذه المنطقة محدودة المساحة، وغير مغرية ولا يمكن أن تفي بتطلعات الجهة التي تحتاج إلى ما لا يقل عن 10 آلاف سرير سياحي حتى تستغل ما تتميز به من منتوج وفضاءات سياحية جاذبة.
وأشار إلى أن المقترحات المقدمة إلى حد الآن تتمثل في منطقة سياحية بعين كردي في جهة رمادة، حيث تمسح المنطقة حوالي 130 هكتارا، وأخرى بوادي دكوك في تطاوين الجنوبية تمسح في جزئها الأول حوالي 10 هكتارات.
وشهدت السياحة في تطاوين انتعاشا نسبيا في عام 2023 مقارنة بالسنوات السابقة مع زيادة عدد القادمين من دول أوروبية مثل إيطاليا وفرنسا، حيث بلغ عددهم 72 ألف سائح.
وفي أواخر 2019 دشنت وزارة السياحة التونسية مشروع أنانتارا، أكبر منتجع صحراوي على الإطلاق بالبلاد، والذي كلف 47.2 مليون دولار، والواقع في منطقة مراح لحوار التابعة لولاية (محافظة) توزر بعد خمس سنوات من عمليات التشييد.
وأقيم المنتجع على مساحة 40 هكتارا ويضم 10 فنادق من الطراز الرفيع، و60 جناحا فاخرا ومرافق صحية وملعب تنس ومطاعم ومحلات تجارية ومرافق للمؤتمرات ومسرحا رومانيا وخيمة كبيرة على الطراز العربي ومركزا للاستشفاء.
ويصل نشاط السياحة الصحراوية إلى ذروته في الفترة بين شهري أكتوبر وأبريل من كل عام قبل أن تشتدّ درجات الحرارة، إذ تتجاوز أحيانا 50 درجة مئوية.
ويؤكد الكثيرون أن هذا النوع من السياحة ظل منذ 2011 مجالا مهمشا نتيجة الفوضى، التي مرت بها تونس واقتصر دورها على أن تكون دولابا احتياطيا لسياحة الشواطئ في المدن الساحلية مثل سوسة وبنزرت والحمامات وطبرقة وجربة.
◙ المشروع الذي ستعاد كافة دراساته الفنية سيشد في منطقة بياش المؤدية إلى قرية شنني في ولاية (محافظة) تطاوين
لكن ومنذ 2016 شرعت السلطات في تنفيذ خطة تقوم على التنويع السياحي لتشمل السياحة الصحراوية والثقافية والبيئية والمؤتمرات، وغيرها.
وأمام ضعف طاقة الإيواء السياحية في تطاوين، فإن التسريع بإطلاق منطقة سياحية جاذبة لكبار المستثمرين في القطاع أو مالكي سلاسل الفنادق في مختلف بلدان العالم يعد أمرا مهما لتنشيط السياحة الصحراوية بشكل أكبر وزيادة الحوافز التنافسية.
ويرى الخبراء أن ذلك سيتطلب الاعتماد على جودة منتجات مناطق الجنوب التونسي، بما يتمتع به من تاريخ وطبيعة التضاريس وصحرائه مترامية الأطراف برمالها وسلسلة جبال بمسالكها الوعرة ومراعي شاسعة لمختلف أنواع المواشي والحيوانات البرية.
وقال سلومة "كلها منتجات سياحية تجذب هواة الرياضات الخطرة والراليات لكل أصناف الدراجات والسيارات والطائرات الشراعية والمخيمات وسط الرمال ورواد السياحة الراقية وسياحة المؤتمرات وغيرها.”
ومن بين أبرز الصعوبات، التي من شأنها أن تعيق تطوير جذب السياح والاستثمارات الخارجية، المشاكل الإدارية وإطلاق رحلات طيران مباشرة وتسهيل إجراءات السفر والحصول على التأشيرات السياحية.
وتشكل صناعة السياحة الحيوية في الظروف الطبيعية نحو 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وكانت قبل 2011 تسهم بنحو 14 في المئة من الاقتصاد، وفق البيانات الرسمية، لكنها تضررت بسبب تتالي الأزمات قبل أن تبدأ في التعافي منذ العام الماضي.
ويوفر القطاع نحو 400 ألف فرصة عمل بصفة مباشرة وغير مباشرة، ويعيش منه ما يقارب 2.8 مليون شخص، وكان في السابق يعدّ ثاني مصدر للعملة الصعبة بعـد قطاع النسيج الذي تراجع بشكل ملحوظ.