مشروع تعديل للدستور العراقي يقلص عدد نواب البرلمان ويبقي على نظام المحاصصة

تغيير طبيعة النظام يشكل لكبار الفاعلين فيه مقامرة بامتيازاتهم.
الخميس 2021/01/21
لا اعتراف بالبرلمان.. إذن لا قبول بالنظام

كمّ المصالح والمكاسب السياسية والمادية التي يوفّرها نظام المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية القائم في العراق لكبار الفاعلين فيه والمستفيدين منه، يوفّر له حصانة ضدّ التغيير ذاتيا وبأيدي هؤلاء الفاعلين أنفسهم. وهو الأمر الذي تجسّد في ضحالة ما توصّلت إليه لجنة مكلّفة بإعداد مشروع لتعديل الدستور، تمّ تشكيلها مسايرة لغضب الشارع ومطالبته بالتغيير.

بغداد – أسقطت لجنة عراقية كُلّفت بإعداد تعديل لمواد الدستور، إمكانية تغيير نظام الحكم، واكتفت بمقترحات أقلّ تأثيرا بينها ما يتعلّق بتقليص عدد أعضاء البرلمان، وتدقيق المادّة التي تحكم تحديد الكتلة البرلمانية التي يُسند إليها حقّ تشكيل الحكومة بعد كل انتخابات نيابية.

وأعلنت لجنة التعديلات الدستورية، الأربعاء، الانتهاء من إجراء تعديل في مواد الدستور، أبرز ما جاء فيه تخفيض عدد أعضاء البرلمان من 329 إلى 180 عضوا، وتغيير المادة التي تنص على تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل الحكومة، إلى الكتلة التي تحصل على أعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات من دون تشكيل تحالفات داخل البرلمان.

ومع فشل تجربة الحكم التي قامت بعد سنة 2003 وما سبّبته من تراجع شديد للدولة العراقية على مختلف المستويات، برزت خلال السنوات الأخيرة أصوات تعيد أسباب الفشل إلى النظام البرلماني المطبّق في البلاد وما رافقته من ظواهر سلبية متمثّلة خصوصا في المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية، وتدعو إلى تغييره إلى نظام رئاسي يحدّ من تشتّت سلطة القرار ويساعد في حسم القضايا والملفات بسرعة ومرونة بتقليص عدد المتدخّلين فيها، والذين عادة ما يتّخذون من التنافس السياسي واختلاف الرؤى ستارا لصراع حقيقي على المكانة السياسية والمكاسب الماديّة.

غير أنّ البعض لا يتردّد في وصف تلك المطالبة بالطوباوية والسطحية، محذّرا من أنّ هيمنة الأحزاب الشيعية على الحياة السياسية في العراق ستحوّل أي نظام رئاسي يقوم في البلد إلى نظام استبدادي على شاكلة نظام الولي الفقيه في إيران، ويضاعف من حجم الفساد الذي يعدّ السبب الرئيسي في نقمة العراقيين على النظام البرلماني القائم في بلدهم.

ورغم انخراط مسؤولين سياسيين عراقيين في الدعوة إلى تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي، تقول مصادر سياسية مطّلعة إنّ ذلك كان مجرّد مسايرة للاحتجاجات العارمة التي شهدها العراق انطلاقا من أكتوبر 2019، والتي من بين ما رفع فيها من شعارات تغيير نظام الحكم، مؤكّدة وجود حالة من الإجماع بين ممثّلي المكونات المشاركة في العملية السياسية على الحفاظ على النظام البرلماني، وعلى عرف المحاصصة المعمول به والذي يكفل لأغلب المكونات حصّة في المناصب العليا، بأن يتولّى شيعي رئاسة الحكومة، وعربي سنّي رئاسة البرلمان، وكردي رئاسة الجمهورية.

محسن السعدون: لا تغيير للنظام البرلماني والاكتفاء بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية
محسن السعدون: لا تغيير للنظام البرلماني والاكتفاء بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية

كما أنّ بقاء النظام على حاله يكفل لطيف واسع من الفاعلين في المشهد العراقي على مختلف درجاتهم وانتماءاتهم سواء إلى الأحزاب أو الميليشيات المسلّحة، قدرا كبيرا من المصالح التي لا يريدون المقامرة بها عبر الموافقة على تغيير النظام.

وقال محسن السعدون رئيس اللجنة التابعة لرئاسة الجمهورية العراقية إنّه تمّ الانتهاء من مهام اللجنة بإجراء تعديلات على بعض مواد الدستور، مشيرا إلى أنّ اللجنة ارتأت التوسع في صلاحيات رئيس الجمهورية، بدلا من تحويل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي “لأن ذلك يقتضي تعديلات كثيرة”.

وعلى مدى عام أجرت اللجنة تعديلا على عدة مواد خلافية في الدستور الذي أقر عام 2005، أثناء الاحتلال الأميركي للبلاد.

ووفق الدستور العراقي، من المقرر إرسال التعديلات إلى البرلمان، لمناقشتها والتصويت عليها، ثم إجراء استفتاء شعبي، وفي حال اعتراض أغلبية المصوتين في ثلاث محافظات من إجمالي 18 محافظة يتم رفضها.

وفي أكتوبر 2019، قررت الرئاسة العراقية تشكيل لجنة لتعديل الدستور على خلفية تصاعد الاحتجاجات الشعبية في مناطق وسط وجنوب البلاد.

وأدت الموجات الاحتجاجية المناهضة للطبقة الحاكمة التي اعتبرها الآلاف من المتظاهرين فاسدة، إلى استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، ليحل مكانه في مايو الماضي مصطفى الكاظمي، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات.

وأوضح السعدون في حديثة لصحيفة الصباح العراقية أنّ اللجنة التي رأسها كبير مستشاري رئاسة الجمهورية علي الشكري، وبعضوية 25 أستاذا ومختصا بالقانون الدستوري، “بذلت جهودا كبيرة وأجرت نقاشات مسجلة ومدونة، لإكمال تعديل جميع المواد، ولم يتبق سوى مراجعتها التي تأجلت بسبب جائحة كورونا”، معتبرا أنّ “التعديل يتفق مع ما تتطلبه النواقص الموجودة بالدستور”.

وأضاف أنّ من المواد الدستورية المهمّة التي أجري عليها تعديل، المادة 76 التي عدلت بشكل جذري عما هو موجود، والتي تنص إحدى فقراتها على “تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا، بتشكيل مجلس الوزراء”.

ومثّلت تلك المادّة مثار جدل حادّ منذ انتخابات سنة 2010 عندما استثمر نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامية ورئيس كتلة دولة القانون النيابية الغموض الذي ينطوي عليه نصّها، ليتشبّث بتفسير لها يذهب إلى أنّ الأحقّ بتشكيل الحكومة هو الطرف السياسي الذي يستطيع تشكيل أكبر تحالف نيابي، وليس الطرف الذي يحصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، وليتمكّن بذلك من إزاحة إياد علاوي الذي حصد ائتلافه آنذاك عددا من المقاعد يفوق ما حصل عليه ائتلاف المالكي الذي عاد رئيسا للحكومة لولاية ثانية استمرت حتّى سنة 2014، وتعمّق خلالها الفساد وطال مختلف مفاصل الدولة، وانتهت بكارثة احتلال تنظيم داعش لما يقارب ثلث مساحة العراق.

وعن حظوظ إقرار التعديلات التي توصّلت إليها اللجنة، أشار السعدون إلى ضرورة “وجود إرادة سياسية مشتركة يمكنها تمرير هذه التعديلات بالتصويت عليها داخل مجلس النواب” قبل الانتخابات النيابية التي تمّ الثلاثاء تغيير موعدها من يونيو القادم إلى شهر أكتوبر.

3