مشروع أوروبي لمنافسة نظام ستارلينك الأميركي

بروكسل - يراهن الاتحاد الأوروبي بدرجة كبيرة على مشروع طموح لمنافسة نظام ستارلينك الأميركي، لتأمين مستقبله الرقمي وأيضا للمشاركة في السباق الفضائي الجديد، الذي تحتد فيه المنافسة لنشر أكبر عدد ممكن من الأقمار الاصطناعية والهيمنة على هذه السوق.
وتخلّف الأوروبيون منذ فترة طويلة مقارنة بالقوى الكبرى في مجال الفضاء، مثل شركة سبيس إكس التابعة للملياردير إيلون ماسك، وكذاك وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ولكن الاتحاد الآن يتخذ خطوات لسد هذه الفجوة.
ومن أجل تعويض هذا التأخر واللحاق بالجهات التي تقدمت في هذا المضار، وقّعت المفوضية الأوروبية عقدا لبناء البنية التحتية للمرونة والاتصال البيني والأمن عن طريق الأقمار الاصطناعية.
وهذه البنية هي عبارة عن نظام أطلق عليه الاسم المختصر "إيريس 2"، ويشكل شبكة من الأقمار الاصطناعية مصممة لتعزيز السيادة التكنولوجية لأوروبا.
وبكلفة تبلغ نحو 11 مليار يورو يمثل هذا النظام استثمارا كبيرا في صناعة الفضاء الأوروبية، ويغطي الاتحاد الجزء الأكبر من الكلفة، أي قرابة 6 مليارات يورو، ويحظى بتمويل إضافي من وكالة الفضاء الأوروبية ومستثمرين من القطاع الخاص.
ويوضح مفوض الاتحاد أندريوس كوبيليوس في تصريح له مؤخرا، بأنه “في أوقات الأزمات لا يمكننا أن نعتمد بدرجة كبيرة، على دول أو شركات من خارج الاتحاد الأوروبي.”
11
مليار يورو قيمة مشروع نظام إيريس 2 والذي يتوقع أن يتم إطلاقه في عام 2030
وقال كوبيليوس الذي يشغل منصب مفوض شؤون الفضاء والدفاع بالاتحاد، إن “برنامج الفضاء الأوروبي سيسهم بشكل واضح في تأمين الاحتياجات الدفاعية لدول الاتحاد،” وأكد أن نظام “إيريس 2” سيمثل أهمية حيوية لتحقيق أمننا “وتدعيم دفاعاتنا.”
والخميس انطلق الصاروخ أريان 6 من غويانا الفرنسية في أول رحلة تجارية له، ووضع في المدار قمرا اصطناعيا عسكريا لمراقبة الأرض، حاملا معه آمالا كبيرة لقطاع الفضاء الأوروبي الراغب في تعزيز استقلاليته.
وهذا القمر هو الثالث والأخير ضمن برنامج مشترك بين دول أوروبية تقودها فرنسا، بهدف وضع كوكبة من الأقمار الاصطناعية لمراقبة الأرض لأغراض الدفاع والأمن.
وترى أنتي نتزولد الباحثة والمحاضرة في السياسات الدولية بجامعة التكنولوجيا بمدينة كيمنتس الألمانية، أنه على العكس من ستارلينك فإن إيريس 2 ستسيطر عليه دول الاتحاد بشكل جماعي، بينما “أيّ مستخدم لنظام ستارلينك سيعتمد في النهاية على شخص واحد وهو ماسك.”
وقالت نتزولد لوكالة الأنباء الألمانية “إننا رأينا هذا الوضع في أوكرانيا، عندما لم يقم ماسك بتنشيط شبكته الرقمية في مناطق معينة.”
وحذّرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد كايا كالاس من أن الصراعات أخذت تندلع بالفعل في الفضاء، ووصفت الهجمات السيبرانية وانقطاعات الاتصالات التي تتم عن طريق الأقمار الاصطناعية، بأنها تهديدات آخذة في الظهور.
ومن المنتظر أن يتم أول إطلاق لنظام إيريس 2 بحلول عام 2030، ويتمثل الهدف من النظام في إتاحة شبكة إنترنت تتميز بالسرعة، لكل من الحكومات والمستخدمين المدنيين.
ومع ذلك لا يزال من غير الواضح مدى استفادة الأفراد، من هذا النظام خاصة في المراحل المبكرة من إطلاقه. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيكون لدى دول الاتحاد الأوروبي شبكة إنترنت أكثر أمانا في غضون خمسة أعوام؟
ويرى ماتياس واشتر من اتحاد الصناعات الألماني أنه “يمكن تحقيق ذلك الهدف من الناحية الفنية، لكن لم يتم بعد تحديد المواصفات الفنية المطلوبة بدقة إلى حد كبير.”
ويهدف هذا المشروع الفضائي إلى ضمان أن تكون لدى أوروبا بنية تحتية مستقلة في مجال الفضاء تحسبا لأيّ حالة طوارئ.
وتشير نوتزولد وهي أيضا خبيرة في مجال الأمن، إلى أنه مع ذلك لن تكون ثمة أولوية للفوائد التي ستعود على المستخدمين المدنيين، من هذا المشروع في حالة نشوب صراع.
◙ المشروع الفضائي يهدف إلى ضمان أن تكون لدى أوروبا بنية تحتية مستقلة في مجال الفضاء تحسبا لأيّ حالة طوارئ
وتقول “إذا كانت هناك بدائل تمت إقامتها بالفعل، فإنه يتعين على نظام إيريس 2 أن يؤكد فاعليته أمام مزودي خدمة الإنترنت الآخرين بشكل تجاري وأن يكسب الزبائن.”
ومن المقرر أن يتيح النظام مزايا أمنية على درجة كبيرة من الأهمية، وهو ما لا يتيحه مزودو خدمة الإنترنت بشكل تجاري مثل نظام ستارلينك، وذلك وفقا لما تقوله وكالة الفضاء الأوروبية.
ويوضح واشتر أن هذه الضمانات تهدف إلى الحماية من الهجمات السيبرانية، والتهديدات المادية سواء على الأرض أو في المدار الفضائي، ويقول إن ذلك “يمثل اختلافا كبيرا عن ستارلينك من ناحية المفهوم.”
وبالإضافة إلى المجال الأمني يتم النظر إلى المشروع أيضا كوسيلة لتعزيز اقتصاد الفضاء الأوروبي، ومن المعروف أن الشركات العالمية تتسابق لتضع لها موطئ قدم في المدار الفضائي.
وبينما تبرز طموحات ماسك في الوصول إلى المريخ، يلاحظ اتساع نشاط سياحة الفضاء وازدهار سوق الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية.
وبينما تهيمن شركات القطاع الخاص على قطاع أقمار الاتصالات الاصطناعية، تؤكد بروكسل إصرارها على ضمان أن تحصل أوروبا على حصتها من اقتصاد الفضاء المستقبلي. ومع ذلك فإن تنامي شبكات الأقمار الاصطناعية يجلب معه تحديات جديدة، فالفضاء أصبح مكدسا بها.
وتشير تقديرات وكالة الفضاء الأوروبية، إلى أن ما يزيد على 13 ألف قمر اصطناعي تجوب حاليا المدار المحيط بكوكب الأرض، وترجع ملكية سبعة آلاف منها لنظام ستارلينك وحده.
ويحذر الخبراء من أنه مع إطلاق أقمار جديدة، تزداد مخاطر الاصطدام فيما بينها، مما قد يؤدي في النهاية إلى سلسلة من ردود الأفعال الكارثية.
ودعا جوزيف أسباشر المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية إلى وضع لوائح لتنظيم حركة المرور العالمية للأقمار الاصطناعية لتجنب مثل هذه الكوارث المحتملة. ولا يزال الخبراء يراقبون ما إذا كانت الاتفاقيات الدولية في هذا الصدد، ستتماشى مع المعدلات المتسارعة لصناعة الفضاء.