مشاهير المعلومات المزيفة حول اللقاحات يحتفظون بشعبيتهم بعد الجائحة

روبرت كينيدي جونيور كان يدير أحد أسرع الحسابات المناهضة للقاحات نموا، وهو مرشح لتولي وزارة الصحة الأميركية.
الأربعاء 2025/01/22
سلسلة واسعة من التصريحات الكاذبة وجدت آذانا صاغية

باريس – ترافقت جائحة كورونا مع تفشٍّ لـ”وباء معلومات”، وشكّلت الأزمة الصحية منبرا لا مثيل له لشبكات التضليل، إذ أتاحت للمشككين في اللقاحات فرصة للبروز واكتساب شعبية لا تزال بعض الشخصيات تعيش عليها إلى اليوم، رغم مرور خمس سنوات.

بدءا من الحديث عن آثار جانبية “خطرة” وصولا إلى ادعاء عدم خضوع اللقاحات إلى أي اختبار مطلقا، لم ينتظر مناهضو التطعيم حتى عام 2020 لنشر معلومات كاذبة حول اللقاحات. لكن ظهور جائحة كورونا كان بمثابة عامل مسرّع “ساعد على تحويل حركة كانت محصورة بفئات معينة إلى قوة أكثر نفوذا،” وفق دراسة نشرت نتائجها مجلة “ذي لانست” في عام 2023.

وقد أعطت الجائحة للمشككين في اللقاحات فرصة لتغيير إستراتيجيتهم؛ إذ كانت مواقفهم في السابق تستهدف الأهل، نظرا إلى أن الأطفال يتلقون أكبر عدد من الحقن، لكنهم باتوا اليوم يعتمدون خطابا أكثر تشعبا يستهدفون فيه جمهورا أوسع بكثير.

♦ إلى جانب نظرية المؤامرة المعتادة نشر معتنقو مبادئ الطب البديل وشخصيات سياسية سلسلة واسعة من التصريحات الكاذبة أو التي لا أساس لها من الصحة حول اللقاحات أو الفايروس نفسه

وتوضح رومي سوفير، المحاضرة في علم الاجتماع والمتخصصة في المعتقدات الطبية، أنه “خلال هذه الفترة لاحظنا مجموعات عادة ما كانت مغلقة بشكل جيد تتجه نحو معارضة التطعيم.”

وإلى جانب نظرية المؤامرة المعتادة نشر معتنقو مبادئ الطب البديل وشخصيات سياسية وحتى عاملون في المجال الطبي سلسلة واسعة من التصريحات الكاذبة أو التي لا أساس لها من الصحة حول اللقاحات أو الفايروس نفسه.

وقد أثارت المناقشات الدائرة حول فاعلية الهيدروكسي كلوروكين كعلاج لكورونا -والتي روج لها ديدييه راؤول، الذي جرى إبطال دراسته التأسيسية مؤخرا- قلق عدد من السكان. ومثله برزت شخصيات أخرى لها رصيد علمي أو طبي من خلال معارضة الإجماع العلمي.

ويشير جيريمي ورد، الباحث في المعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية والمؤلف المشارك لتقرير واسع النطاق عن التطعيم في فرنسا منذ عام 2020، إلى أنه “وراء هؤلاء الأطباء المنتشرين إعلاميا والمتطرفين في بعض الأحيان، هناك قضايا أوسع تتعلق بالثقة في السلطات الصحية.”

كما يؤكد الباحث في علم النفس الصحي جوسلان رود أنه إلى جانب المخاوف الصحية “تتمحور هذه الحركة بشكل أساسي حول الدفاع عن الحريات الفردية.” ويتجلى ذلك من خلال المظاهرات الكثيرة التي حدثت في مختلف أنحاء العالم ضد القيود المتخذة لمكافحة الجائحة والتطعيم الإجباري.

وسمحت الجائحة للحركة المناهضة للقاحات بمواصلة تقاربها مع اليمين المحافظ، ما حمل نشطاءها في بعض الأحيان إلى أعلى مستويات السلطة السياسية، ويظل روبرت كينيدي جونيور أفضل مثال على ذلك.

فقد رُشح هذا المحامي البيئي السابق، وابن شقيق الرئيس الأميركي جون كينيدي الذي قضى اغتيالا، من جانب دونالد ترامب لتولي وزارة الصحة الأميركية.

ويشكل ذلك انتصارا واعترافا بمعارضي التطعيم الذين كان روبرت كينيدي جونيور يسير بجانبهم خلال المظاهرات، كما كان يؤكد على سبيل المثال أن كوفيد – 19 هو فايروس “مستهدف عرقيا”.

♦ اليوم فقدت الحركة بعض زخمها مع تراجع الاهتمام بكورونا، لكن أولئك الذين اكتسبوا شهرة من خلال نشر المعلومات المضللة أثناء الجائحة تعلموا كيفية تجديد أنفسهم

وبحسب مركز مكافحة الكراهية الرقمية، وهو منظمة غير حكومية تحارب التضليل عبر الإنترنت، كانت منظمة كينيدي المناهضة للقاحات، “تشيلدرنز هلث ديفنس” التي انسحب منها مؤقتا، من بين أكبر اثني عشر ناشرا للأخبار المزيفة أثناء الجائحة.

ويوضح رئيس قسم الأبحاث في المركز كالوم هود أن روبرت كينيدي جونيور كان يدير “أحد أسرع الحسابات المناهضة للقاحات نموا خلال الجائحة. نحن نتحدث عن جمهور من مئات الآلاف أو الملايين من الأشخاص. هذا موقف قوي جدا لبناء قاعدة من المتابعين لدعم طموحاته السياسية.”

وخلال الجائحة كانت وسائل التواصل الاجتماعي بالفعل “رأس الحربة لمحاولات نشر معلومات مضللة حول اللقاحات،” حسب ما لاحظه نويل تي بروير، الأستاذ في كلية الصحة العامة بجامعة نورث كارولينا وأحد معدي الدراسة التي نشرت نتائجها مجلة “ذي لانست”.

لكن من الصعب تحليل العواقب والتداعيات على الصحة العامة. ويقول جوسلان رود “يعتقد بعض الباحثين أن التعرض المتكرر للمعلومات المضللة قد يدفع الناس إلى الامتناع عن تلقي التطعيم، في حين يعتقد آخرون أن آثار هذا التعرض محدودة نسبيا لأنه يسمح لهم فقط بتبرير التردد القائم أصلا لديهم قبل التطعيم.”

اليوم فقدت الحركة بعض زخمها مع تراجع الاهتمام بكورونا، لكن أولئك الذين اكتسبوا شهرة من خلال نشر المعلومات المضللة أثناء الجائحة تعلموا كيفية تجديد أنفسهم.

ويوضح لوران كوردونييه، عالم الاجتماع ومدير الأبحاث في مؤسسة ديكارت، أن “هذه هي الحسابات نفسها التي تشارك الآن محتوى يؤيد روسيا أو يشكك في تغير المناخ.”

ويضيف الباحث “هناك جانب إستراتيجي، ولكنْ هناك أيضا تماسك حقيقي في التعامل مع هذه الموضوعات المختلفة التي لا يبدو أن هناك أي رابط بينها. وقوة الدفع هنا هي النظام المضاد.”

5