مشاكل التعليم في مصر تحظى باهتمام الدراما وتمنحها جاذبية فنية جديدة

القاهرة - ظلت الفنانة المصرية ريم مصطفى حبيسة فترة طويلة لأدوار ثانوية في الكثير من الأعمال الدرامية التي شاركت فيها في الفترة الماضية، إلى أن جاءتها الفرصة لتلعب دور البطولة المطلقة في مسلسل “طير بينا (بنا) يا قلبي” الذي يناقش في إطار كوميدي – اجتماعي جانبا من مشاكل التعليم المزمنة في مصر، والمعروض حاليا على قناة “أون”، ويتكون من ثلاثين حلقة، ولا يزال طاقم العمل يواصل تصوير ما تبقى مشاهد، على الرغم من عرض نصف حلقاته حتى مساء الأحد.
وتلعب ريم مصطفى دور الفتاة “الدلوعة” الساذجة أحيانا، والتي تريد أن تثبت ذاتها أمام أسرتها وأقاربها فتقرر إنشاء مدرسة دولية بعد أن دخلت تجارب عديدة لم تتمكن من تحقيق نجاح في أي منها، وفي مشروعها الجديد تتوالى المواقف الدرامية بمسحة كوميدية اجتماعية تلامس مجموعة من القضايا التي تخص العملية التعليمية في مصر.
يشارك في البطولة، محسن محيي الدين وهالة فاخر وبسمة ودنيا ماهر وحازم سمير ونور محمود، وتشكيلة كبيرة من الوجوه الفنية من أجيال مختلفة، مع ضيف الشرف الفنان أحمد فهمي، والعمل من تأليف الثلاثي باسم علي الخطيب وإسلام شتا وأحمد رجب حسن، وإخراج عصام نصار، في تجربة حاولوا فيها طرق قضية جادة في قالب كوميدي.
رواج بعد الدعاية

المنتجون في مصر يميلون إلى تجديد البطولات النسائية في الأعمال الدرامية وعدم حصرها في أسماء معينة
يحظى العمل بمتابعة على منصات التواصل الاجتماعي، مستفيدا من الترويج المنظم لحلقاته ويقوم به فريق عمل محترف في هذا المجال تمكن من جذب شريحة كبيرة من الجمهور، حيث تعتمد المنصات على اللقطات السريعة واختيار المشاهد ذات الإثارة الفنية التي تعجب الجمهور ويطرب لها، ونجحت شبكة “أون” على صفحاتها الخاصة في اختيار جمل حوارية وصناعة “كوميكس” يلفت النظر إلى المسلسل.
تلعب الدعاية التي تتوافر لأي عمل درامي أو سينمائي دورا مهما في حجم انتشاره، وكم من أعمال جيدة فشلت جماهيريا، وأخرى أقل فنيا حققت رواجا كبيرا، ويستفيد مسلسل “طير بينا يا قلبي” من المزاوجة بين معادلة ما حواه من إبداعات فنية ودعاية ليصل إلى شريحة كبيرة من الجمهور النشط على المنصات.
حصدت الأغنية التي تعرض في مقدمة العمل بعنوان “أستاذ في الشقاوة” ويؤديها أبطاله، كلمات أحمد بريء، الكثير من المتابعات على مواقع التواصل، وأسهم ملحنها محمد الصاوي في إضفاء طابع موسيقي جديد جعلها تتصدر مواقع البحث في مصر.
حاولت الفنانة المصرية ريم مصطفى الخروج من حصرها في دور البنت الجميلة والفتاة الشقراء، لكنها لم تتمكن من ذلك بصورة كبيرة، ورغم شقاوتها في دور “دلال” حيث لا يخلو الاسم من رمزية لطبيعة الشخصية التي تقوم بها، غير أن المشاهد يشعر أحيانا بقدر من الافتعال في الأداء أو التمثيل المصطنع عندما تتعمد أن تبدو ساذجة أكثر من اللازم وتتعامل بطريقة تعبر عن عدم دراية بالمجتمع الذي تعيش وسطه.
ربما تكون البيئة التي نشأت فيها أسهمت في تكوين هذه الشخصية المتخبطة، وأن المخرج عصام نصار كان قاصدا تقديم الدور بهذه الطبيعة المرتبكة ليؤكد أن الدلع في الصغر يؤدي إلى مشاكل في الكبر، فوالدها القبطان بحري سابقا “عز” ولعب دوره محسن محيي الدين بدى مرنا في تربية بنتيه، “دلال”، و”رجاء” ولعبت دورها الفنانة بسمة بعد فترة طويلة من الغياب، وهي فتاة مستهترة ومطلقة ولديها طفل، ومن هنا ظهرت التناقضات الطاغية على شخصية “دلال” وشقيقتها “رجاء”.
كوميديا منقوصة

مُنحت ريم مصطفى فرصة كبيرة في القيام بدور البطولة في مسلسل “طير بينا يا قلبي” وحاولت استثماره بما أتيح لها من مساحة كبيرة، لكن تنقصها الكوميديا الفطرية، وهي التي جعلت الكثير من المواقف التي من المفترض تثير الضحك لا تحقق الهدف منها، لأن هذا العنصر في جزء كبير منه فطري ويقوم على الموهبة قبل أن يكون دراسة علمية، واجتهدت في حدود إمكانياتها، وأجادت قليلا في البعد الكوميدي دون أن تصل إلى المستوى الذي يؤهلها للاعتماد عليها مرة أخرى.
يميل المنتجون في مصر إلى تجديد البطولات النسائية في الأعمال الدرامية وعدم حصرها في أسماء معينة، وقد يكون دخولها من هذا الباب فرصة إذا وظفت جمالها وخفة دمها في الأدوار التي تعكس قدراتها والملكات التي تختزنها من دون أن تحصرها في الجمال الأنثوي النمطي، وهي إشارة تدق ناقوس الخطر، حيث يمكن أن تقود إلى ندرة الأدوار التي تسند إليها لاحقا ما لم تنتبه إلى الخطر الذي يحويه التكرار.
يجد منتجو الدراما في مشاكل التعليم بمصر قماشة فنية جيدة لنسج قصص إنسانية وطرح قضايا اجتماعية متعددة، وهو ما حاول مسلسل “طير بينا يا قلبي” العزف عليه، فالمشاكل التقليدية بين رواد المدارس الدولية ذات المصروفات الباهظة والمعيشة المليئة بالرفاهية التي يحياها أفراد الأسر التي تتجه إلى هذا النوع من التعليم، مليئة بالمواقف الدرامية التي تظهر مواهب الفنانين والفنانات، وكفيلة بأن تقدم دراما حافلة بالموضوعات الشيقة التي تغوص في عمق المجتمع المصري.
الفيلسوفة فهلاو

برعت هالة فاخر في دور “هناء” الخبيرة في مجال التعليم كعادتها في تجسيد شخصية السيدة مدعية الخبرة والمعرفة و”الفهلوة” وكانت زاوية مضيئة في الكوميديا التي أراد العمل الاعتماد عليها لتوصيل فكرته حول المشاكل التي يواجهها التعليم، وأبرزها البيروقراطية والمحسوبية، وما يصاحبانهما من فساد إدراي.
جاء دور الفنانة دنيا ماهر في تجسيد شخصية “فيروز” ابنة “هناء” امتدادا لها في مسألة “الفهلوة”، أو الفيلسوف “فهلاو” حسب وصف عالم السياسة المصري الراحل حامد ربيع عندما كان يتهكم على محاولات طلابه الاعتماد على ذكائهم الفطري من دون دراسة ويقدمون اجتهادات غير واقعية، هكذا بدت شخصيتها، فكلما خرجت من موقف صعب تدخل آخر أكثر صعوبة منه بسبب “الفهلوة” الزائدة عن الحد.
وظهرت “فيزوز” في بعض المشاهد مغلوبة على أمرها، وكأن المؤلف والمخرج أرادا أن يؤكدا للجمهور أن الفيلسوفة “فهلاو” شخصية بسيطة ومتواضعة وصنعتها ظروف اجتماعية قاسية، فهي أرملة ولديها طفلة وتعيش مأساة مع أسرة زوجها الراحل بسبب الميراث واعتراضها على زواجها مرة أخرى.
وسط كوكتيل فني متشابك اجتمع محسن محيي الدين مع أحمد صيام وإسماعيل فرغلي مع كل من ريم مصطفى وهالة فاخر ودنيا ماهر، ليسهموا في نجاح مشروع المدرسة الدولية على أمل أن يوقفوا نزيف الاستغلال والمبالغة في المصروفات المالية، وكل منهم أظهر موهبته وعبر عن قدراته بطريقة تتناسب مع خبراته وتجاربه السابقة.
وكشف محيي الدين عن الجانب الكوميدي في مسيرته وربما لا يعلم عنها شيئا الكثير من المشاهدين، فقد كانت هذه الملكة شبه مختفية في أدواره الأولى مع المخرج يوسف شاهين، ومال بعد عودته من اعتزال الفن إلى دور الطيب تارة والشرير تارة أخرى.