مشاكل الأردن أكبر من تخفيض أسعار المحروقات

مراجعة الأسعار إجراء اجتماعي يتناقض مع موارد الدولة.
السبت 2022/12/31
للصبر حدود

يعتزم الأردن التخفيض في أسعار المحروقات إثر موجة من الاحتجاجات الشعبية، في مخالفة لشروط صندوق النقد الدولي الذي يرافقه في الإصلاحات الاقتصادية. ويقول مراقبون إن الإجراء قد يخفف الاحتقان الاجتماعي، لكنه لن يخفف الأعباء على الأردنيين.

عمان - يترقب الأردنيون بلا حماسة قرار لجنة تسعير المحروقات تخفيض أسعار المشتقات النفطية، التي أدى الترفيع فيها إلى احتجاجات اجتماعية عارمة كادت تخرج عن طابعها السلمي، في خطوة يقول المراقبون إنها إجراء اجتماعي لا يراعي موارد الدولة المأزومة ماليا والمكبلة بتوصيات صندوق النقد الدولي.

ورجح الخبير في الشأن النفطي هاشم عقل تخفيض أسعار المحروقات محليا بنسب تتراوح بين 2.1 في المئة و7.8 في المئة. ورجح عقل أن يكون للديزل النصيب الأكبر من التخفيض بنسبة 7.8 في المئة أي بمقدار 70 فلسا. كما رجح تخفيض سعر مادة الكاز بنسبة 5.8 في المئة أي بمقدار 50 فلسا للتر الواحد.

وتوقع عقل تخفيض سعر مادة البنزين أوكتان 90 بنسبة 2.7 في المئة أي بمقدار 25 فلسا، ومادة البنزين أوكتان 95، بنسبة 2.1 في المئة أي بمقدار 25 فلسا للتر.

وارتفعت قيمة مستوردات الأردن من النفط الخام ومشتقاته بنسبة 61 في المئة خلال الشهور العشرة الأولى من العام الحالي إلى 2.99 مليار دينار، أي ما يعادل 4.2 مليار دولار، مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2021، بحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية.

وكانت فاتورة المملكة من النفط ومشتقاته قد بلغت في نهاية أكتوبر 2021 نحو 1.85 مليار دينار. ويستورد الأردن أكثر من 95 في المئة من احتياجاته من الطاقة.

وشهد الأردن رفعا لأسعار المحروقات 16 مرة منذ عام 2020، وارتفعت الأسعار بنسبة وصلت إلى 50 في المئة، ما دفع فئات واسعة من الشعب إلى التظاهر والاحتجاج على السياسة الاقتصادية.

هاشم عقل: تخفيض أسعار المحروقات سيكون بنسب تتراوح بين 2.1 في المئة و7.8 في المئة
هاشم عقل: تخفيض أسعار المحروقات سيكون بنسب تتراوح بين 2.1 في المئة و7.8 في المئة

ويرى المراقبون أن مشاكل الأردنيين ليست محصورة في تخفيض أسعار المحروقات، وإنما في أزمة اقتصادية مستفحلة ضربت جميع مرافق الحياة، في ظل فشل الحكومات المتعاقبة في تخفيف أعباء الأزمة على المواطنين. ويشير هؤلاء إلى أن مشاكل الأردن الاقتصادية والاجتماعية مشاكل هيكلية، في ظل غياب رؤية تنموية شاملة.

وورثت حكومة بشر الخصاونة تركة ثقيلة من الحكومات السابقة قوامها الفقر والبطالة في المجتمع وانخفاض في معدلات النمو ومعدلات التصدير وارتفاع الدين العام والعجز التجاري، وذلك ما يفسر عدم استجابة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لمطالب إقالة حكومة الخصاونة، وعيا منه بأن الأزمة أزمة خيارات وليست أزمة أشخاص.

ويؤكد المراقبون أن خيارات الإصلاح الاقتصادي ضيقة أمام المملكة الهاشمية، ما دفعها إلى التوجه لصندوق النقد الدولي الذي وضع شروطا لا اجتماعية لمرافقة عمان في مساعيها الإصلاحية.

واشترط صندوق النقد الدولي 38 شرطا ليساعد الأردن، من أبرزها رفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات الأساسية وإعادة النظر في الضرائب والرسوم، حيث ركزت الشروط على زيادة إيرادات خزينة الدولة من الضرائب، من خلال إعادة النظر في قانون ضريبة الدخل وتخفيض الشرائح المشمولة بالإعفاءات الضريبية والتقدم باتجاه فرض الضريبة التصاعدية، ورفع الأعباء التي تتحملها الحكومة في دعم أسعار السلع والخدمات الرئيسية كالمياه والكهرباء، حيث اشترط الصندوق رفع الدعم عنها بالكامل.

وأشرف برنامج صندوق النقد الدولي على برنامج في الأردن لتحفيز النمو خلال السنوات الثلاث الماضية، ومع ذلك لم يتجاوز النمو حاجز 2.5 في المئة. ومن شروط الصندوق خفض الدين العام المقدر حاليا بنسبة 92 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ليصل عند نهاية البرنامج إلى 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وخفض العجز في الموازنة.

ويشير محللون إلى أن توصيات صندوق النقد الدولي الذي التزم بها الأردن مقابل حصوله على قرض، لها تأثير سلبي على الاستقرار الاجتماعي في المملكة، وما احتجاجات رفع أسعار المحروقات سوى بروفة لما سيأتي.

وواجه الاقتصاد الأردني ظروفا صعبة خلال العام الحالي بصورة أشد من التي عانى منها خلال العامين الماضيين لعدة أسباب، أهمها ارتفاع قيمة الفاتورة النفطية وأسعار الأغذية ومدخلات الإنتاج، وما ينتج عن ذلك من زيادة في الأعباء المعيشية وتفاقم التضخم والفقر.

وقال رئيس جمعية حماية المستثمر أكرم كرمول إن “تحسين الوضع الاقتصادي ومواجهة التحديات يتطلبان تحفيز بيئة الاستثمار واستقطاب المشاريع الكبرى في مختلف القطاعات، والعمل على معالجة المشكلات التي يعاني منها المستثمرون".

◙ الصعوبات الاقتصادية ستبقى ماثلة كون الأردن يرتبط بشكل كبير بالأسواق العالمية من حيث استيراده لاحتياجاته

وأضاف أن الصعوبات الاقتصادية ستبقى ماثلة، كون الأردن يرتبط بشكل كبير بالأسواق العالمية من حيث استيراده كامل احتياجاته النفطية من الخارج، وما نستبه 85 في المئة من الأغذية والسلع الأخرى.

ويؤكد اقتصاديون أن الوصول إلى مرحلة التعافي الاقتصادي يتطلب خططا قصيرة وطويلة المدى تتجاوز الحكومات لمعالجة الأزمات واستعادة نسق النمو، وذلك يمر أساسا عبر تنفيذ إصلاحات ضريبية وجمركية وتغيير التشريعات والقوانين لتسهيل التعافي.

ويجمع هؤلاء على ضرورة تشكيل لجنة قطاعية مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص لوضع خطط عاجلة بقرارات جريئة واستثنائية كإنشاء صندوق لتعويض القطاعات المتضررة، ولاسيما السياحة والخدمات، وضخّ سيولة في السوق المحلية موزعة بين المواطنين والقطاع الخاص بفائدة قريبة من الصفر وشروط بسيطة.

ويرى عضو حملة “محلي” المجتمعية في عمّان محمد عميرة أن الحكومة الأردنية مطالبة بإيجاد حلول جذرية بعيدا عن الحلول المرحلية.

واعتبر محمد عميرة أن الحلول التي تصدر عن الحكومة حلول مؤقتة وذات تأثير مرحلي، أكثر مما هي حلول دائمة، مشيرا إلى أن الوضع المتردي في الأردن يحتاج إلى حلول تتطلب وقتا طويلا من العمل وبمشاركة كافة المكونات.

2