مشاريع حكومية وخاصة تدعم التراث الثقافي السوري المتضرر من الحرب

"دمر الثقافية التراثية" حاضنة لشيوخ الحرف المهددة بالاندثار.
الثلاثاء 2024/07/02
وفاء حسان السورية الوحيدة التي تعمل في الفسيفساء الحجري

ضاعفت الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة من التحديات التي يواجهها الحرفيون السوريون، فهاجر بعضهم بحثا عن فرصة لعيش أفضل بالخارج بينما اختار آخرون أن يصمدوا ويجربوا البقاء ومواصلة الإنتاج مستفيدين من بعض المشاريع التي توفرها الدولة والمجتمع المدني من أجل الحفاظ على الحرف والمهن التراثية ودعم توزيعها داخل سوريا وخارجها.

دمشق - تتراجع الحرف اليدوية الدمشقيّة العريقة سنويا بفعل الحرب والأزمة الاقتصادية، ويسير أغلبها باتجاه الاندثار، حيث يتناقص عدد الحرفيين على الرغم من أنّ لدمشق تاريخ عريق جدا بهذه الحرف التي يعود بعضها إلى نحو أربعة ألاف سنة قبل الميلاد.

وتحاول الحكومة السورية وجمعيات المجتمع المدني المحافظة على مهن تراثية سورية، دمرت الحرب مشاغلها وشتتت أصحابها، من خلال إقامة مجمعات للحفاظ على عشرات المهن داخل العاصمة دمشق وأطرافها عبر تقديم الدعم لهم.

فقد أدت الحرب إلى تهجير وتشتيت آلاف الحرفيين الذين يعملون في ورش ومحال صناعية على أطراف مدينة دمشق وبلداتها الشرقيةِ، التي شهدتْ أعنفَ المعارك بين القوات الحكومية السورية وفصائل المعارضة، والتي استمرت عدة سنوات.

الحرب أدت إلى تهجير وتشتيت آلاف الحرفيين الذين يعملون في ورش ومحال على أطراف دمشق وبلداتها الشرقية

فقد دمرت الحرب مئات الورش والمحال، أسفرت عن حرفيين بلا مأوى ولا عمل، الأمر الذي دفع الحكومة ومنظمات مجتمع المدني لتقديم الدعم لهم من أجل الحفاظ على مهن مهددة بالاندثار، وإيجاد أماكن لهم والمساعدة في تصريف منتجاتهم.

وأبرز تلك الجهود تحويل معمل زجاج دمر، شمال غرب العاصمة دمشق والمتوقف عن العمل منذ سنوات، إلى حاضنة تراثية تضم عشرات الورش التراثية والمهدد بعضُها بالاندثار بعد إعادة تأهيله عمرانيا.

وقال مدير حاضنة “دمر الثقافية التراثية” لؤي شكو: “حاضنةُ دمر التراثية استقطبت 86 حرفيا من شيوخ كار مهن تراثية لمنع اندثارها، قَدِموا من مناطق محيط العاصمة دمشق بعد تدمير الكثير من منشآتهم، وبعض الحرفيين الذين تم نقلهم من التكية السليمانية في دمشقَ والتي يتم ترميمها حاليا.

وأضاف شكو “أمنت الحاضنة للحرفيين المكان المريح والمزود بالكهرباء وكل وسائل الإنتاج، ولدينا حرف مهمة أبرزها البروكار، والأغباني، والموزاييك، والحفر على النحاس والصدف وغيرها من عشرات الحرف. ومهمة الحاضنة إلى جانب الحفاظِ على تلك المهن، تعليم وتدريب حرفيين وصقل مواهبِ الشباب السوري ونقوم بتنظيم الدورات بشكل دوري وهي فرصة للشباب للاستفادة من خبرة شيوخ الكار لضمان استمرار وصون الموروث الثقافي السوري للأجيال القادمة وتحقيق التكامل للصناعات الصغيرة والتي هي أساس تطوير الصناعات المحلية”.

وأضاف مدير حاضنة دمر: “لدينا تعاون مع وزارة التربية من أجل استقطاب الطلاب لتعليم الحرف والتعرف على تاريخ الحضارات السورية، إضافة إلى تعاون مع وزارات وهيئات سورية وغيرها، لتقديم الدعم للحاضنة التراثية ونأمل أن يتم تعميم التجربة على المحافظات الأخرى التي تعرضت للحرب وخاصة محافظة حلب”.

وفي حي الميدان الدمشقي يقع “بيت الشرق” الذي هو عبارة عن بيت دمشقي يضم عدة غرف تحولت إلى ورش لصناعات تراثية.

y

وبيّن الحرفي ماهر بوظو أن “بيت الشرق” وبدعم من مؤسسة الوفاء التنموية يضم سبع حرف، كان أصحابها يمتلكون ورشا في مناطق غوطة دمشق شرق العاصمة حيث تعرضت تلك الورش للتدمير، وإيمانا من مؤسسة الوفاء للحفاظ على تلك المهن تم تأمين هذا البيت وتأمين الكهرباء لأغلب ساعات اليوم ما يساعد الحرفيين على إنجاز أعمالهم.

وقال بوظو الذي يعمل في البيت العربي إلى جانب مهنة الدهان الدمشقي إن “أغلب أصحاب الورش الذين يوجدون في بيت الشرق يعرفون بعضهم سابقاً قبل سنوات الأزمة، وعندما تواصلنا مع إدارة جمعية الوفاء تمت الموافقة على إعطائنا البيت لإعالة أسرنا والحفاظ على تراثنا الثقافي”.

ويضيف بوظو “كنت أملك ورشة للدهان الدمشقي شرق العاصمة دمشق، ولكن بسبب الحرب وسيطرة المسلحين على المنطقة غادرتها ودمرت الورشة بالكامل، وأعمل حاليا في حرفة الدهان الدمشقي وإلى جانبي عدد من العمال لأجل تلبية حاجة السوق والحفاظ على هذه المهنة”.

وتعتبر وفاء حسان السيدة الوحيدة التي تعمل في مهنة الفسيفساء الحجري في سوريا حاليا، وفي غرفة من غرف بيت الشرق تضع العديد من الآلات البسيطة على طاولة وتقطع أقلام الحجارة إلى قطع ومربعات صغيرة لصناعات لوحات، هي عبارة عن وجوه لشخصيات أو أشكال هندسية ونباتية وحيوانية.

معمل زجاج دمر المتوقف عن العمل منذ سنوات تحول إلى حاضنة تراثية تضم عشرات الورش المهدد بعضُها بالاندثار

وتقول وفاء حسان: “كنت أملك ورشة في بيت سحم جنوب شرق العاصمة ولدي عدد من العمال وكان الطلب كبيراً على إنتاجنا، إن كان داخل سوريا أو خارجها، وبسبب الحرب والمعارك التي جرت في منطقة بيت سحم نزحت منها ودُمرت الورشة التي كنت أعمل بها وغادر جميع العمال الذين كانوا يعملون معي المنطقة، ومنهم من سافر خارج البلاد”.

وتضيف: “مهنة الفسيفساء الحجري في طريقها للاندثار، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وقلة الطلب على المنتج، ونحاول قدر المستطاع المحافظة عليها من خلال استمرارنا في هذه المهنة وتعليم الراغبين بتعلمها، وأقمت دورات تدريبة بالتعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونيسيف. وكان الإقبال جيدا ولمست رغبة لدى بعض المتدربين للعمل في هذه المهنة، لكن أوضاع البلاد وسفر أغلب الشباب يحد من تلك الأمور”.

المهندس جهاد الدهان الذي يعمل في النجارة والخط العربي قال: “أحمل إجازة في هندسة الديكور وأعمل حاليا في مهنة الخط العربي وهذه المهنة عليها طلب كبير وخاصة خارج سوريا نظرا لما تتمتع به من جمال وإبداع”.

وأضاف “وجودنا في بيت الشرق أعاد مهنا كانت مهددة بالاندثار، بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية ومواد الطاقة ولاسيما الكهرباء، إضافة إلى استيراد المواد الأولية التي تضاعفت أسعارها عشرات المرات عن سعرها قبل اندلاع الأزمة”. وفي حاضنة دمر الثقافية يزين جدران محله بلوحات جميلة بعضها آيات من القرآن الكريم أو أبيات من الشعر وأشكال هندسية ونباتية.

ويقول عرفات أوطاباشي الذي توارث مهنة العجمي الدمشقي عن أجداده: “هذه المهنة هي أحد رموز مدينة دمشق في العالم، والعديد من الصالات والقصور العالمية تزينت بلوحات من العجمي الدمشقي، هذه المهنة هوية دمشق، حيث كانت عشرات الورش تعمل في هذه الحرفة نظرا للإقبال عليها داخليا وخارجيا، أما حاليا فإن عددا محدودا من الورش لا تزال تعمل”.

ويضيف أوطاباشي: “وجود العدد الكبير من الحرفيين من حرف ومهن مختلفة في مكان واحد والجلسات والحوارات اليومية أوجد ناتجا جديدا يجمع عدة حرف في منتج واحد، أنا أقوم برسم اللوحة بالعجمي وثم تدخل عليها مهنة النجارة ثم تصدّف ويدخل الموزاييك عليها، إذ أصبح لدينا إنتاج جديد لم يكن موجوداً سابقاً، نتمنى أن تُعمم هذه التجربة ويُعمل على تشكيل مجمعات صناعية تساهم في جمع الحرف لخلق جوّ من الإبداع والابتكار”.

14