مشاركة "الأفافاس" ترفع عن السلطة حرج مقاطعة القبائل للانتخابات

الحزب يبحث عن فرص التقارب مع السلطة ومراجعة عقيدته السياسية التي أدت به إلى حالة من الجمود والعزلة.
الاثنين 2024/06/10
ليونة في التعاطي مع السلطة

الجزائر – قررت جبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس)، التي تأسست في سنوات الاستقلال الأولى والمحسوبة على منطقة القبائل البربرية، المشاركة في انتخابات الرئاسة الجزائرية المقررة في شهر سبتمبر القادم، بعد ترشيح أمينها العام الأول يوسف أوشيش، لتضع بذلك حدا لقطيعة دامت 25 عاما وهو ما سيوفر على السلطة جهد استمالة منطقة القبائل للمشاركة في الاستحقاقات الرئاسية ويرفع عنها حرج مقاطعتها للانتخابات.

ومن غير المعروف ما إذا كانت الخطوة مؤشرا على تحسن فعلي للعلاقات بين السلطة ومنطقة القبائل أم أنها مرتبطة بتسويات تمت بين الفصيل المهيمن في الجبهة والسلطة.

وأعلن المؤتمر الاستثنائي الذي عقدته جبهة القوى الاشتراكية عن ترشيح يوسف أوشيش للانتخابات الرئاسية، لتسجل بذلك تحولا مفاجئا يضع أعرق أحزاب المعارضة على سكة جديدة قد تنهي مرحلة الموقف الراديكالي من السلطة.

القيادة الجديدة في الجبهة أبدت ليونة في خطابها ولم تعد تستعمل المفردات المتشددة المعروفة في أدبيات الحزب

ويعد يوسف أوشيش من الجيل الجديد الذي أبان عن ليونة في التعاطي مع السلطة، عكس من يوصفون بـ”الحرس القديم”، الذين ظلوا متمسكين طيلة العقدين الماضيين بأفكار القيادي والمؤسس الراحل حسين آيت أحمد، لكن ذلك لا يمنع من إمكانية تفجر الصراع الصامت داخل الحزب، أو انسحاب القواعد مما وصف بـ”المغامرة” التي أقرها المؤتمر الاستثنائي الأخير.

وتعود آخر مشاركة لجبهة القوى الاشتراكية في الاستحقاقات الرئاسية إلى عام 1999، لمّا قدمت المناضل المؤسس حسين آيت أحمد لمنافسة عدد من المرشحين، غير أن التجربة انتهت بالإجهاض بعد قرار ستة مرشحين الانسحاب من السباق عشية عملية الاقتراع، بسبب ما أسموه آنذاك بـ”انحياز الإدارة والجيش لصالح مرشح السلطة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة”.

وأبدت القيادة الجديدة في جبهة القوى الاشتراكية ليونة في خطابها تجاه السلطة، ولم تعد تستعمل المفردات المعروفة في أدبيات الحزب، على غرار العودة إلى المجلس التأسيسي، الذي رافعت لأجله منذ تأسيسها عام 1963 إلى غاية السنوات الأخيرة، وتقصد به الهيئة السياسية الأولى لبناء مؤسسات الدولة وفق أبجديات الديمقراطية والشرعية الشعبية، وهو ما ظلت السلطة ترفضه بدعوى أنه من غير الممكن مسح المؤسسات والتقاليد السياسية التي رسمت منذ الاستقلال.

وأوحى ذلك بأن الحزب، الذي يتخذ من منطقة القبائل قاعدة خلفية له، يبحث عن فرص التقارب مع السلطة ومراجعة عقيدته السياسية التي أدت به إلى حالة من الجمود والعزلة، لكن الإجماع على التحول لم يتحقق، حيث اضطرت رموز وشخصيات وقواعد نضالية إلى الانسحاب من الحزب، في ظل تفرد النخبة الجديدة بمؤسساته وهيئاته وقطع الطريق على الجيل القديم.

ويعتبر الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي غير المرخص له من طرف وزارة الداخلية، وقائده الناشط الراديكالي كريم طابو، نموذجا للنزيف الذي يضرب الجبهة في السنوات الأخيرة، فالحياد عن الخطاب التأسيسي دفع الكثير من الكوادر والقواعد النضالية إلى مغادرة الحزب.

وتسمح الخطوة باستقطاب ولو نسبي لمنطقة القبائل في الاستحقاق الرئاسي، وهو ما تريده السلطة لإنهاء القطيعة بينها وبين المنطقة، لاسيما وأن المسألة ظلت توظف من طرف الانفصاليين لصالح طروحاتهم، معتبرين أن الشارع القبائلي يدعم خطابهم.

وفي خطابات سابقة دافع المرشح الجديد بشدة عن “الوحدة الترابية والسياسية للبلاد، وعن ضرورة وقوف سكان المنطقة سدا منيعا في وجه المخطط والأفكار الانفصالية التي تغذت من الخصوصيات الثقافية واللغوية للمنطقة”.

كما لم يتوان في انتقاد الخطاب الراديكالي الذي تتبناه بعض فواعل الحراك الشعبي، خاصة ما تعلق منه بـ”رحيل النظام والتغيير الجذري”، ودعا السلطة إلى إطلاق حوار وطني شامل، غير أن المبادرة التي أطلقها لم تتعد عتبة المكتب الذي أعلنت فيه، فالمشاورات المحدودة التي أجراها مع بعض الناشطين والقادة الحزبيين لم تفض إلى أي نتيجة.

مشاركة جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات الرئاسية ستقدم خدمة كبيرة للسلطة، لأنها ستغنيها عن استقطاب القبائل وإقناع الشارع المحلي بالانخراط في الشأن السياسي

ويرى متابعون للشأن المحلي أن مشاركة جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات الرئاسية ستقدم خدمة كبيرة للسلطة، لأنها ستغنيها عن استقطاب القبائل وإقناع الشارع المحلي بالانخراط في الشأن السياسي بإمكانياتها الذاتية، خاصة وأنها تبقى مرفوضة من هؤلاء، لاسيما أن القطيعة كرست مطالب الانفصال التي تحرج السلطة.

وأكد يوسف أوشيش، من مدينة برج بوعريريج في شرق البلاد، على أن حزبه قد اختار “المشاركة في الاستحقاق الرئاسي المزمع في السابع من سبتمبر المقبل لتشجيع الجزائريين والجزائريات على الانخراط في العمل السياسي وإنجاح المسار الانتخابي”.

وأوضح أن كل مجهودات حزبه منصبة على تشجيع الجزائريين والجزائريات على المشاركة القوية في الرئاسيات المقبلة والانخراط في العمل السياسي وإنجاح المسار الانتخابي، لاسيما في ظل الظروف الإقليمية، “ونحن كحزب سياسي من واجبنا تلبية النداء عندما يتعلق الأمر بالوحدة الوطنية”.

وصرح بأن “المشاركة القوية في الاستحقاق المقبل ضرورية لبعث الأمل في الأوساط الشعبية وإعادة بناء أواصر الثقة بين الشعب ومؤسسات الجمهورية من جهة، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي من جهة أخرى من طرف الطبقة السياسية، وذلك من خلال النقاشات في الفضاء العام للأفكار والبرامج بين الأطياف السياسية على اختلاف توجهاتها”.

وتابع “بعد نقاش كبير ومسؤول مع هياكل الحزب تم الاستقرار على قرار المشاركة في الاستحقاق، وأن برنامجه السياسي سيستند على مقترحات القواعد من خلال إطلاق أرضية رقمية لجمع المقترحات البناءة التي تحمل حلولا واقعية لمختلف المشاكل التي يعيشها المواطن في جميع المجالات، ومنه تكون الكلمة للشعب”.

1