مسيرة المكونات الصغرى في 2016.. عام اغتيال ثقافة التعايش

مثل عام 2016 سنة التحولات الكبرى في وجود المكونات الصغرى في العالم العربي التي تعيش أوضاعا استثنائية بسبب الاستقطاب الطائفي الذي قسّم المنطقة، وبسبب تغيرات العولمة وما عرف بثورات الربيع العربي المتسارعة التي ظهر أثرها عليها جليّا باعتبارها الحلقة الأضعف.
الجمعة 2016/12/16
البرلمان الأوروبي يمنح الإيزيديتين الناجيتين من تنظيم الدولة الإسلامية نادية مراد ولمياء عجي بشار جائزة سخاروف لحقوق الإنسان، في محاولة لتخفيف ما صار عليه حال المكون الإيزيدي في العراق وسوريا

بون (ألمانيا) - الأيام الأخيرة من نهاية العام 2016 وضعت مسيرة المكونات الصغرى التي تطلق عليها التسمية المهيمنة “أقليات” في العالم العربي كأبرز عنوان للعام، حيث شهدت مصر الأسبوع الماضي هجوما انتحاريا داخل الكنيسة البطرسية القبطية أسفر عن مصرع العشرات.

ولكن الحدث الأبرز ما عرفته مسيرة الأقليات في العالم العربي في سنة 2016 نتيجة ما تعرضت له الإيزيديات على يد تنظيم الدولة الإسلامية داعش من معاناة جسدتها قصة نادية مراد ولمياء عجي بشار. وقد منح البرلمان الأوروبي في الـ27 من أكتوبر الماضي الإيزيديتين الناجيتين من تنظيم الدولة الإسلامية جائزة سخاروف لحقوق الإنسان، في محاولة لتخفيف ما صار عليه حال المكون الإيزيدي في العراق وسوريا، والذي تصرّ التنظيمات الإسلامية المتشددة على اعتباره مكونا كافرا لا بد من استئصاله والقضاء عليه.

تفاصيل السبي الداعشي للإيزيدية روتها لمياء عجي بشار في حديثها أمام أعضاء البرلمان الأوروبي قائلةً “هذه الجائزة هي جائزة لكل امرأة وفتاة تعرضت للاسترقاق الجنسي من قبل داعش، ولكل شخص في جميع أنحاء العالم وقع ضحية للإرهاب”.

وقالت نادية مراد، الناجية من السبي والتي أمست سفيرة للنوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة هذا العام، بمرارة في مقر البرلمان الأوروبي بمدينة ستراسبورغ شرق فرنسا، “اليوم نعيش حالة من التفكّك المجتمعي تحت وطأة الإبادة الجماعية، وأصبح نصف مليون شخص لا يعرفون وجهتهم في المستقبل”.

وتساءلت “هل نعود إلى أرضنا، هل سنهاجر؟”. المكوّن الإيزيدي هجّره تنظيم الدولة الإسلامية بشكل شبه كامل عن مناطق سنجار والشيخان ومجمع شارية في سهل نينوى.

وجود مسيحي متقلص

شاركت وحدات من الإيزيديين تحت قيادة القوات الكردية في استعادة مناطق سهل نينوى وسنجار من قبضة تنظيم داعش الإرهابي. لكن المهجّرين لم يعودوا بعد إلى مناطقهم. ونجح الناشطون الإيزيديون في ألمانيا وهولندا وفرنسا خاصة في تسليط الضوء على أوضاع هذا المكون لدرجة انعكست على حجم الاهتمام الدولي به.

ومقابل ذلك، لم يهتم الإعلام الدولي إلا لماما بوضع المسيحيين في المنطقة، حيث يشكو أغلبهم في العراق وسوريا (ومثلهم في تركيا وإيران) وفي مصر وليبيا والسودان من عمليات استهداف على أسس متعصّبة أسفرت عن مجازر ارتكبتها المجموعات المتشددة بحق كنائس وأدْيرة منتشرة في هذه البلدان.

وأوضحُ عمليات الاستهداف جرت في العراق، حيث احتل أو هاجم تنظيم داعش قرى ومدنا مسيحية في الموصل وسهل نينوى وكركوك، ما أدى إلى عمليات نزوح جماعي كبرى باتجاه بغداد ومنها إلى أوروبا.

وتشير أرقام تصدرها الكنائس والمنظمات المسيحية العراقية إلى أنّ نحو 50 ألف مسيحي غادروا العراق خلال العام 2016 إلى سوريا والأردن وتركيا ومنها إلى أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية.

ويشكو بعض قساوسة الكنائس العراقية من تسهيلات تقدمها أوروبا للمسيحيين تشجعهم على ترك مناطقهم التاريخية في العراق والهجرة نهائيا إلى الغرب، ما يهدد بشكل خطير وجود هذا المكون في العراق.

بعض قساوسة الكنائس العراقية يشكون من تسهيلات تقدمها أوروبا للمسيحيين تشجعهم على ترك مناطقهم التاريخية في العراق والهجرة نهائيا إلى الغرب، ما يهدد بشكل خطير وجود هذا المكون في العراق

وفي أبريل من العام 2016 زار ممثل بابا الفاتيكان محافظة دهوك. وافتتح مركزا صحيّا في أحد مخيمات النازحين هناك. وزار الموفد قرية أنشكي التي يسكنها المسيحيون، والواقعة في قضاء العمادية لأداء مراسم دينية فيها. وزار أيضا قضاء العمادية الذي شهد عدة نشاطات دينية ومنها مراسم دينية للإيزيديين.

وفي سوريا، استمر الأكراد وجيرانهم من السريان الكلدان الآشوريين ومعهم العديد من الإيزيديين في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والتنظيمات الإسلامية الأخرى. أما أقباط مصر فقد تحدث عنهم لـ”العرب” الناشط القبطي إدوارد بيباوي، أمين عام الرابطة القبطية في لبنان، مشيرا إلى أنّ “علاقة الأقباط بالرئيس عبدالفتاح السيسي جيدة للغاية بعد أن ساهموا بفاعلية في انتخابه، ثم بدأت التوترات الطائفية في تعكير هذه العلاقة عبر اتهام أربعة أطفال بازدراء الدين الإسلامي والحكم عليهم دون أن يتدخل السيسي لإنقاذ مستقبلهم”.

وبمرارة تحدث الناشط القبطي، مشيرا إلى أنّ “الأحداث توالت وهي تتنقل من المنيا إلى بني سويف والإسكندرية وهناك أحداث أخرى متفرقة داخل القاهرة”. وأخطر تهديد للوجود القبطي في مصر جاء إثر تفجير انتحاري داخل الكنيسة البطرسية المجاورة للمقر الرئيسي للبابا تواضروس رأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ما أسفر عن مصرع نحو 40 قبطيا أغلبهم من النساء والأطفال الذين كانوا يقيمون قداسا في الكنيسة.

واعتبر بيباوي أنّ الأقباط في مصر حتى اليوم يعانون من عدم نفاذ القانون على المجرمين وإفلاتهم من العقاب بعد انتشار بدعة المجالس العرفية وبيت العائلة التي ساهمت في تهرّب المجرمين من قبضة العدالة والتي هي مخترقة أصلا.

وذهب إلى أنّ العدالة المصرية حكمت على بعض المثقفين والباحثين أمثال البحيري وناعوت والقمني والمبدع أحمد ناجي بالسجن بتهمة ازدراء الإسلام رغم أنّ الرئيس عبدالفتاح السيسي كان قد طالب شيخ الأزهر مرارا بتجديد الخطاب الديني ولكن دون جدوى.المكونات الصغرى، ومنها الإسماعيلية والدرزية في سوريا، عاشت خلال هذا العام مخاوف تسلط المعارضة الإسلامية وهجرت مناطقها متجهة إلى الساحل. أما في لبنان وباقي مناطق الشام والعراق، فلم يواجه البهائيون والكاكائيون والدروز والموارنة تغيرات تذكر، فيما غادر أغلب الصابئة المندائيين (ويمتهن معظمهم حرفة صياغة الفضة والذهب) العراق على مدى نحو ربع قرن (منذ غزا صدام حسين دولة الكويت عام 1990)، ولم يبق منهم بحسب إعلانات المجلس المندائي الأعلى سوى خمسة آلاف يتوزعون بين العمارة والناصرية في جنوب العراق وبين بغداد، وغادر المئات منهم العراق خلال العام 2016، ليمسي المكوّن المندائي مهددا أكثر من غيره بالانقراض من أرض الرافدين.

الأكراد في مرمى النيران

ربما يمكن اعتبار الأكراد في العراق وسوريا من أكبر المكونات الصغرى التي عايشت العرب في المنطقة. ويحاول الأكراد في سوريا توطيد إدارتهم الذاتية والدفاع عنها ضد هجمات تركيا والائتلاف الوطني السوري وحلفائهم الأكراد والنظام في دمشق.

ومن المهام الأساسية للأكراد في سوريا ربط شرق الفرات بغربه، أي عفرين مع كوباني والجزيرة.

الإيزيديات سبايا لدى داعش والمكون المسيحي يتآكل في الشرق الأوسط

ووسط استمرار الخلافات بين الأحزاب التي تدعم الإدارة الذاتية والتي ترفضها، كما تحدث إلى “العرب” كمال سيدو، الناشط في جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة، مؤكدا أن “تركيا قد صعّدت من العمليات العسكرية ضد الأكراد، حيث تم تهجير نصف مليون كردي من موطنهم الأصلي بعد تدمير منازلهم وقراهم ومدنهم. وبذلك عادت المسألة الكردية لتحتل المربع الأول، حيث ازدادت وتيرة العنف والعنف المضاد بين الدولة التركية والأكراد”.

ويتهم الأكراد حكومة حزب العدالة والتنمية التركية بمحاولة نشر الأفكار الإسلامية المتطرفة بين الأكراد المسلمين. الأمر الذي يشكل خطرا كبيرا على مجموعات صغيرة من المسيحيين من السريان الآشوريين والإيزيديين، بالإضافة إلى الأكراد العلويين.

وفي إيران، حيث يعيش حوالي 10 ملايين كردي في المناطق الغربية والشمالية الغربية، فإن الاعتقالات الجماعية مستمرة من قبل سلطات الجمهورية الإسلامية الإيرانية كما يشير سيدو.

ويؤكد سيدو أن “الأكراد في إيران يطالبون بالديمقراطية والفيدرالية لكردستان إيران، بالإضافة إلى حرية العقيدة لأنّ القسم الأكبر من الأكراد هناك ليس من الشيعة بل من السنة المسلمين إلى جانب اعتناق جانب كبير منهم الديانة اليارسانية (أهل الحق)”.

النوبيون.. مكون مهمل

يبدو أن النوبيين في مصر لا يجدون علاقة تربطهم بالنوبيين في السودان رغم أنهم جميعا متحدّرون من مناطق النوبة حول نهر النيل ويتكلمون لغتين متقاربتين. الناشط النوبي المصري عبدالدايم عزالدين تحدث لـ”العرب” عن أوضاع النوبيين في مصر، مبيّنا أنها “لم تتغير كثيرا بعد آمال عريضة كان النوبيون متعلقين بها بعد وضع المادة 236 من الدستور، إلا أنّ الكارثة أتت بإصدار القرار الجمهوري 444 لسنة 2014 الذي جعل حوالي 17 قرية نوبية على ضفاف البحيرة مناطق عسكرية”.

ويضيف عزالدين “كنا نطالب الدولة بالعودة إلى أراضينا على ضفاف البحيرة. لكن الأوضاع تغيرت للأسوأ والعودة أصبحت مرفوضة وأراضي النوبة تباع للمستثمرين، والحكومة تقول شيئا وتفعل شيئا آخر”، في إشارة إلى تداعيات مشكلة السد العالي المستمرة منذ نصف قرن والتي أدت إلى تهجير أغلب النوبيين من مناطقهم الأصلية.

الأمازيغ في الشمال الأفريقي

يعيش الأمازيغ في شمال أفريقيا وتحديدا في المنطقة الممتدة من غرب مصر وصولا إلى جزر الكناري، أي أنّهم ينتشرون على عرض شمال القارة السمراء برمته، لكنهم يتركزون بدرجة أكبر في المغرب ثم الجزائر وليبيا.

الأمازيغ يعيشون في شمال أفريقيا وتحديدا في المنطقة الممتدة من غرب مصر وصولا إلى جزر الكناري، أي أنّهم ينتشرون على عرض شمال القارة السمراء برمته، لكنهم يتركزون بدرجة أكبر في المغرب ثم الجزائر وليبيا

وفي يناير 2016 صدر المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور الجزائري، معتمدا لأول مرة الأمازيغية لغة رسمية شأنها شأن العربية، ومؤكدا على ضرورة إصدار قانون ينظم كيفية العمل بهذه اللغة.

واعتبرت هذه الخطوة إنجازا للحركة الأمازيغية في الجزائر التي نادت منذ سنوات بترسيم الأمازيغية وعدم الاكتفاء بجعلها لغة وطنية كما هو واقع في الدستور الحالي.

ويبدو أنّ هذا التطور أرضى الحراك الأمازيغي في منطقة القبائل الجزائرية عام 1980، حيث ما برح أمازيغ الجزائر يطالبون باعتراف أكبر بهم وبثقافتهم، وقد استجابت الدولة لجزء من مطالبهم عام 2002 عندما اعترفت بالأمازيغية لغة وطنية وخصصت لهذه اللغة حيّزا من الإعلام العمومي.

أما في المغرب، فقد ترأس العاهل المغربي الملك محمد السادس اجتماعا لمجلس الوزراء الاثنين 26 سبتمبر عام 2016 وتمت المصادقة خلاله على مشروع لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.

وتضمن هذا المشروع أيضا آليات لإدماج اللغة الأمازيغية في التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية. وتضمن، بحسب بيان مجلس الوزراء، “تحديد مراحل وآليات تتبع هذا التفعيل. كما وافق المجلس الوزاري على مشروع قانون تنظيمي يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية”.

كاتب عراقي

12