مسيحيّو الشرق الأوسط في محنة لا مؤشر لنهايتها

برلين- تعرض المسيحيون في الشرق الأوسط خلال العشرية الجارية للقتل على أيدي التنظيمات الإرهابية، وتعرضوا للتهجير بسبب الحروب الأهلية وتفكك الدول، وعانوا التعصب الاجتماعي الذي تؤججه الحركات الإسلامية والتمييز المؤسساتي المتجذر في القوانين والممارسات الرسمية في الكثير من دول المنطقة، ما يؤسس، حسب منظمات دولية، لاختفائهم من الأوطان التي ولدوا فيها وتجذر فيها دينهم.
وحذرت المنظمة الألمانية المعنية بالشعوب المهددة، من إقصاء المسيحيين في الشرق الأوسط، وقال مديرها، أولريش ديليوس، الثلاثاء “مهد المسيحية سوف يخلو قريبا من المسيحيات والمسيحيين، إذا لم يتم إيقاف التهجير الخطير للأقلية الدينية من المنطقة”. وأضاف ديليوس أنه قديما تم “دفع السكان المسيحين المحليين في الشرق الأوسط إلى اعتناق الإسلام بشكل جماعي، واليوم يتم إجبارهم في المقابل على الهجرة”.
وبحسب بيانات المنظمة، تراجع عدد المسيحيين في سوريا منذ عام 2010 بنسبة 50 في المئة وانخفض إلى نحو 600 ألف شخص، فيما انخفضت نسبة المسيحيين في العراق خلال 30 عاما من 5 في المئة من إجمالي عدد المواطنين إلى 0.4 في المئة فقط. وكان العراق ذو الغالبية المسلمة الشيعية، يضم مليونا ونصف مليون مسيحي. وقد تراجع عددهم اليوم إلى 300 أو 400 ألف.
ودفع الاقتتال الطائفي عقب الغزو الأميركي عام 2003 العديد من المسيحيين إلى مغادرة البلاد، ثم تفاقمت هجرتهم بصفة عامة مع بدء هجمات تنظيم الدولة الإسلامية.
وكان تنظيم الدولة الإسلامية احتل سهل نينوى بين العامين 2014 و2017. ولم يعد المسيحيون في هذه المنطقة الواقعة في شمال العراق بأعداد كبيرة إلى ديارهم منذ ذلك الحين، لأن التوترات بين الجماعات المسلحة تبقى كثيرة، فيما البنى التحتية لا تزال مدمرة بشكل واسع. وأشارت المنظمة إلى أن وضع المسيحيين صعب أيضا في تركيا ولبنان، لافتة إلى أن هناك “أعدادا مخجلة” توضح أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي التصرف في النهاية والعمل من أجل تحقيق المزيد من حرية العقيدة.
وذكرت تقارير إعلامية غربية أن نسبة المسيحيين من سكان الشرق الأوسط انخفضت من 14 في المئة في 1910 إلى أربعة في المئة في الوقت الحالي، ما دفع بقادة الكنائس والمتابعين السياسيين إلى طرح تساؤلات حول إمكانية اختفاء الديانة المسيحية تماما من المنطقة التي ظهرت فيها قبل ألفي سنة.
ويثير اختفاء المجتمعات المسيحية القديمة من منطقة الشرق الأوسط قلق الكنيسة وخوفها، حيث يقول الأب بول كرم، رئيس منظمة كاريتاس الخيرية الكاثوليكية في لبنان، إن “المسيحيين هم الأبناء الأصليون لهذه الأرض، ولكن لا أحد من الذين يرحلون نحو أوروبا يفكر في العودة إلى دياره، رغم أنه لا ينتمي إلى هناك”. ودافع البابا فرنسيس، الذي يتوجه إلى العراق في مارس القادم في زيارة تاريخية، عن مزايا “الوجود المسيحي” في سوريا والعراق، داعيا المجتمع الدولي إلى تشجيع عودة السكان الذين فروا جراء الحرب.
وقال الحبر الأعظم في رسالة عبر مقطع فيديو بمناسبة لقاء عبر الإنترنت نظّمه الفاتيكان مع أكثر من خمسين منظمة غير حكومية كاثوليكية تعمل في المنطقة في وقت سابق من هذا الشهر، “أفكاري تتجه خصوصاً إلى الأشخاص الذين أُرغموا على مغادرة منازلهم للهروب من ويلات الحرب، بحثاً عن ظروف حياة أفضل”. ورحّب البابا، الذي يحرص على تشجيع المنظمات الكاثوليكية العاملة على الأرض، باللقاء الافتراضي “للتفكير بالمشاكل الخطرة التي لا تزال تعاني منها الشعوب العزيزة في سوريا والعراق والدول المجاورة”.
ويرى متابعون أنه إذا استمرت عملية “اقتلاع” إحدى أهم الفئات الدينية في العالم من الشرق الأوسط، فإنه ستكون لذلك عواقب سلبية على مفاهيم التعددية والتسامح وعلى قدرة شعوب المنطقة على العيش المشترك والتفاعل مع بقية العالم. ويبرر هؤلاء الاهتمام بالمسيحيين في المنطقة “بكونهم يمثلون فئة مهمة لها جذور عميقة في المنطقة، ويعتبر وضعهم بمثابة باروميتر عن قدرة الذين ينتمون إلى الأديان الأخرى أو غير المؤمنين على التعايش والتقدم في المستقبل في الشرق الأوسط”.
ويقول صامويل تادرس، زميل مركز الحرية الدينية التابع لـمعهد هدسون، إن “الوجود المسيحي في الشرق الأوسط يواجه خطر الزوال… ليس في الأمر مبالغة”. ويضيف تادرس “بالتأكيد، لن يرحّل أو يقتل الجميع، ليس هذا ما نتحدث عنه. سيبقى هناك مسيحيون في المشرق. ما يزال هناك بضعة آلاف من المسيحيين في تركيا، لكن المسيحية نفسها انتهت هناك. ما نتحدث عنه إذا هو انتهاء الوجود المسيحي كوجود فعال ومؤثر، انتهاء تراث ممتد منذ ألفي عام، انتهاء هوية برزت وتشكلت في الشرق الأوسط”.