مسيحيو سوريا للشرع: التعازي في قتلى مار الياس لا تكفي

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يحمل الحكومة السورية المسؤولية عن عدم حماية الأقليات في سوريا.
الثلاثاء 2025/06/24
الهجوم الدموي على كنيسة مار الياس يحيي المخاوف من استهداف الأقليات في سوريا

دمشق – قال بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، وهو أكبر رجل دين مسيحي في سوريا الثلاثاء خلال تشييع ضحايا التفجير الدامي الذي استهدف كنيسة في دمشق، إن حكومة الرئيس أحمد الشرع تتحمل مسؤولية عدم حماية الأقليات وإن تعازي الرئيس ليست كافية.

وقُتل ما لا يقل عن 25 مصليا يوم الأحد عندما فجر انتحاري نفسه داخل كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق، وهو أول هجوم من نوعه منذ سيطرة حكومة الشرع التي يقودها إسلاميون على السلطة في ديسمبر من العام الماضي بعد الإطاحة بحكم عائلة الأسد.

وحملت الحكومة السورية تنظيم الدولة الإسلامية مسؤولية هذا الهجوم الذي زاد من الشكوك بين الأقليات حول ما إذا كان بوسعهم الاعتماد على ضمانات الحكومة بالحماية.

وخلال مراسم الجنازة، قال يازجي "وبكل محبة، وبكل احترام وتقدير سيادة الرئيس، تكلمتم البارحة هاتفيا... لتنقلوا لنا عزاءكم. لا يكفينا هذا"، وسط تصفيق من الحضور، مضيفا أن المسيحيين ممتنون لاتصال الرئيس الهاتفي لكن الجريمة التي وقعت أكبر من ذلك.

وكان المسيحيون يشكلون نحو 10 بالمئة من سكان سوريا الذين كان يبلغ عددهم 22 مليون نسمة قبل الحرب، لكن أعدادهم تقلصت بشكل كبير خلال الصراع الذي استمر 14 عاما، وذلك لأسباب أهمها الهجرة. ويقدر عدد المسيحيين الذين يعيشون الآن في سوريا ببضع مئات الآلاف فقط.

وقال يازجي إن الحكومة يجب أن تعطي الأولوية لحماية الجميع. وفي إشارة إلى الهجوم على الكنيسة، أضاف "ما يهمني، وسأقوله، هو أن الحكومة تتحمل كامل المسؤولية".

وشارك المئات في المراسم الجنائزية التي أقيمت داخل كنيسة الصليب المقدس القريبة قبل دفن تسعة من القتلى الذين سقطوا في الهجوم. ووضعت الجثامين في توابيت بيضاء بسيطة مزينة بالورود البيضاء.

وحضرت وزيرة الشؤون الاجتماعية هند قبوات، وهي المسيحية الوحيدة والمرأة الوحيدة في الحكومة السورية الجديدة.

وقال الشرع أمس الاثنين إن الهجوم "أصاب جميع الشعب السوري" دون أن يستخدم كلمة "مسيحيين" أو "كنيسة". وقالت الحكومة إن قوات الأمن داهمت مخابئ لتنظيم الدولة الإسلامية في دمشق وريفها وقتلت اثنين من عناصره أحدهما قام بتسهيل دخول الانتحاري إلى كنيسة مار إلياس.

وعلى وقع الزغاريد والدموع، شقت تسعة نعوش بيضاء طريقها الى داخل الكنيسة، وسط تدابير أمنية مشددة وتفتيش في محيط الكنيسة واقفال الطرق المؤدية اليها.

وقال المدرس راجي رزق الله (50 عاما) "هذه الأحداث عابرة ولا قيمة لها في سطور التاريخ، المسيحية جزء راسخ وثابت من هذه الأرض والمتطرفون مارقون. لا مكان لهم في الحاضر ولا في المستقبل".

ولطالما قدّم الحكم السابق نفسه حاميا للأقليات. وخلال سنوات النزاع منذ 2011، تضررت كنائس عدة أو تعرّض محيطها لهجمات، لكن من دون أن يستهدفها هجوم انتحاري مباشر، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان.

وفي مارس الماضي، وقع إشكال أمام الكنيسة التي استهدفها الهجوم، بعدما اعترض سكان على توقف سيارة دعوية بثّت عبر مكبر الصوت أناشيد اسلامية وأجبروا ركابها على المغادرة. وتدخل الأمن العام لاحقا لاحتواء الوضع.

وتفاقمت مخاوف الأقليات بعدما أسفرت أعمال عنف ذات خلفية طائفية في مارس الماضي عن مقتل 1700 شخص في الساحل السوري، غالبيتهم الساحقة علويون، ثم تلتها اشتباكات مع مسلحين دروز قرب دمشق أوقعت عشرات القتلى. وتعرض أفرادها لمضايقات وانتهاكات غالبا ما تُصنّف "فردية". وأوحت بعض الاجراءات والقرارات الرسمية بتوجه لفرض قيود على الحريات الشخصية.

ويشكل بسط الأمن أبرز التحديات التي تواجه سلطة الشرع، مع وجود مناطق خارج سيطرته أمنيا وانضواء مجموعات مسلحة ذات خلفيات عدة بينها جهادية في إطار الجيش الجديد.

وتبنّت مجموعة جهادية متطرفة غير معروفة تطلق على نفسها اسم "سرايا أنصار السنّة" الثلاثاء الهجوم الانتحاري غير المسبوق على كنيسة مار الياس في دمشق، بعدما كانت السلطات نسبته الى تنظيم الدولة الإسلامية، تزامنا مع تشييع عدد من الضحايا في دمشق وسط أجواء من الحزن والغضب.

وقالت "سرايا أنصار السنّة" في بيان على تطبيق تلغرام "أقدم الأخ الاستشهادي محمّد زين العابدين أبوعثمان.. على تفجير كنيسة مار إلياس"، مضيفة أن العملية جاءت "بعد استفزاز" من مسيحيي دمشق "في حق الدعوة وأهل الملَّة".

واعتبرت المجموعة التي تأسست بعيد إطاحة الحكم السابق في ديسمبر 2024، أن "ما نشر في إعلام حكومة الجولاني عار عن الصحة"، مهددة بأن جنودها "من استشهاديين وانغماسيين، على أتمّ الجاهزية، عدة وعددا.

ولا يُعرف الكثير عن "سرايا أنصار السنة"، لكن منشوراتها تتضمن انتقادات للشرع. وسبق للمجموعة، وفق المرصد السوري، أن هددت باستهداف الأقلية العلوية. كما شاركت في أعمال العنف في الساحل السوري.

ووفق الباحث أيمن التميمي، فإن المجموعة قد تكون "فصيلا منشقا مؤيدا لتنظيم الدولة الإسلامية، تشكّل أساسا من عناصر انشقت عن هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى، لكنها تعمل حاليا بشكل مستقل" عن التنظيم. ولا يستبعد أن تكون كذلك "مجرد واجهة" للتنظيم المتطرف.

ويقود المجموعة قيادي سابق في هيئة تحرير الشام، الفصيل الذي ترأسه الشرع وقاد الهجوم الذي أطاح الأسد. وتضم في قيادتها عضوا سابقا من تنظيم حراس الدين، المرتبط بتنظيم القاعدة، والذي أعلن مطلع العام حل نفسه.