مسنون يحولون خريف العمر إلى فرصة للرفاه والاستمتاع

يؤكد خبراء علم النفس وعدد من الناشطين في مجال رعاية كبار السن في المغرب أن الشيخوخة لا ينبغي ربطها بالصورة النمطية التي تكرس فكرة العجز والضعف والهشاشة ولا يمكن اختصار هذا التحول البدني والذهني في الرعاية، داعين إلى أهمية تغيير هذا التصور، وإعادة بلورة كيفية تدبير علاقة المجتمع بالمسنين بعناية ولباقة. ويرى عدد من المسنين أن العمر مجرد رقم.
الرباط - يخشى معظم الناس بلوغ سن الشيخوخة، إذ يرى فيها البعض بداية النهاية. فنظرة الإنسان للشيخوخة، في المجتمع المغربي كذلك، غالبا ما تحدد تصوره لهذه “المرحلة الأخيرة” من العمر.
وبينما يرى البعض في الشيخوخة مرادفا للضعف والهشاشة، فإن بعض المسنين يقررون رفع هذا التحدي من خلال تحويل خريف العمر إلى فرصة للرفاه والاستمتاع.
“إن الطريقة التي نعيش بها حياتنا هي التي تؤثر على وجودنا برمته”، يقول، بنبرة فلسفية، سبعيني مشرق الوجه، ينشط في جمعية لمساعدة الأطفال.
وأوضح هذا الأرمل الذي يرى العمر مجرد رقم قائلا “أن تكون مفيدا لنفسك وللمجتمع، إن أمكن، من خلال الانفتاح أكثر على العالم، أمر مهم للغاية مع توالي السنوات، لتفادي براثن الإقصاء والوحدة”. وبالنسبة إلى الراحلة مي زهور، الشيخوخة لا تقترن بالعجز ولا يمكن اختصارها في الرعاية. في سن الثمانين وأكثر، كانت تنبض بالحيوية، حسب ما تتذكره سماح، زوجة ابنها التي عاشت معها أكثر من عشر سنوات.
روابط التكافل بين أفراد الأسرة، والتي لا تزال حاضرة في الوسط القروي، تشهد تراجعا مع مرور السنين في الحواضر الكبرى
وتابعت بنبرة ملؤها الحنين قائلة “كانت تحرص على استضافة العائلة بأكملها، من أبناء وأحفاد، والسهر على إعداد أطباق شهية بنكهة الطفولة”.
وفي الكثير من الجوانب لا ينبغي ربط الشيخوخة بالصورة النمطية التي تكرس فكرة هذا التحول البدني والذهني، الذي تعاني منه فئة من السكان. ومن هنا تأتي أهمية تغيير هذا التصور، وإعادة بلورة كيفية تدبير علاقة المجتمع بالمسنين بعناية ولباقة، من خلال إستراتيجيات مندمجة كفيلة بأن تضمن لهم “شيخوخة في صحة جيدة”.
وبحسب المندوبية السامية للتخطيط، فإن الأشخاص المسنين (60 سنة فما فوق) يمثلون 12.7 في المئة سنة 2023، ومن المتوقع أن يصلوا إلى 23.2 في المئة في سنة 2050.
ويضع هذا التحول الديموغرافي، الذي يتسم بتحسن طول العمر والمرتبط بالانتقال من الأسرة الواسعة إلى الأسرة النواة، التضامن والتعايش بين الأجيال على المحك؛ إذ تشهد روابط التكافل بين أفراد الأسرة، والتي لا تزال حاضرة في الوسط القروي، تراجعا مع مرور السنين في الحواضر الكبرى، مما يفاقم شعور المسنين بالهشاشة واحتياجاتهم العاطفية والمالية.
وعلى الرغم من أن الكثير من المسنين لديهم موارد مالية (معاشات أو غيرها) ويحظون بالدعم العائلي، إلا أن البعض منهم ينطوون على أنفسهم ويستسلمون لأجواء الحزن والوحدة، وهو ما يؤشر على الوقوع في براثن “متلازمة الانهيار”.
وبحسب الأخصائية النفسية أمينة أسكار فإن “متلازمة الانهيار” يصاب بها المسنون، وتتميز بتدهور عام وسريع للصحة البدنية والذهنية، وتتجلى في فقدان الشهية والوزن والضعف وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية والانسحاب الاجتماعي.
وأضافت هذه الأخصائية في العلاقات الأسرية أن فقدان الزوج أو مواجهة قلق الموت الذي يتفاقم بسبب الشعور بالوحدة قد يدفعان البعض إلى التخلي عن الحياة، بدل التفاني من أجل التعافي وتوظيف الطاقة اللازمة للبقاء على قيد الحياة، مبرزة أن الدعم الاجتماعي يظل مهما جدا للحفاظ على رفاه وجودة حياة المسنين، إذ يعزز الشعور بالأمان ويساعد على تخفيف آثار التوتر.
وإذا كانت المتلازمة قد ترسخت بالفعل -حسب الأخصائية- فإن ولوج المستشفى يصبح ضروريا للتمكن من تتبع الشخص المعني عن كثب وإخضاعه لرعاية متعددة الأشكال.
ولتعزيز قدرة هذه الفئة المجتمعية على الصمود، والحفاظ على توازنها النفسي ومساعدتها على تحقيق الرفاه وعيش “شيخوخة في صحة جيدة”، فإن المسنين مدعوون إلى البقاء نشطين اجتماعيا والانخراط في ممارسات جديدة تتكيف مع رغباتهم وقدراتهم التي تحفز الدماغ والذاكرة والتركيز وتهدئ النفس.
وبين التقدم في العمر تحت شعار تحقيق الذات ومرحلة يعيشها المرء كصورة مجزأة عن الذات، قدمت الأخصائية النفسية والمتخصصة في العلاقات الأسرية، أمينة أسكار، قراءتها حول الشيخوخة وتصورها في المجتمع المغربي.
وتطرقت أسكار، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إلى التداعيات الحاسمة للشيخوخة على المسنين، مبرزة أهمية الدعم الاجتماعي ومساهمة الأجيال المتعددة في ضمان رفاهية هذه الفئة السكانية المتنامية.
وقالت أسكار إن المغرب يتقاسم مع العديد من البلدان الأخرى تمثلات الشيخوخة التي تتمحور حول كيانين مختلفين جذريا: من ناحية هناك صورة كبار السن النشطين والحيويين، المنخرطين في المجتمع، ومن ناحية أخرى هناك الشخص المسن المعتمد على الغير والمقعد واللامبالي.
وفي المغرب، حيث يضطلع الإطار الديني بدور رئيسي، ينظر إلى الشيخوخة على أنها المرحلة التي يتسم فيها الإنسان بالمزيد من الحكمة والاحترام، بما في ذلك تجاه كبار السن.
وتابعت أسكار “من الواضح أن الشيخوخة لها انعكاسات لا رجعة فيها على إدراك العمر النفسي والجسدي والاجتماعي، الأمر الذي يتطلب حتما بذل جهود للتكيف والتقويم وإعادة التأطير”.
إن الفجوة بين جسد الشخص المسن ونفسه، أو ما نسميه “العمر الذاتي” (الميل إلى الشعور بأنه أصغر سنا من عمره الحقيقي)، تتطلب تعديلا يصعب أحيانا تطبيقه.
وأضافت أنه إذا كان السياق المغربي يضمن بيئة إيجابية إلى حد ما لصالح المسنين بفضل الدعم الاجتماعي والأسري، فمن الواضح أن بعض الناس تنتابهم حالة من الاكتئاب إلى حد فقدان زخم الحياة؛ وهذا ما أشير إليه سابقا بـ”متلازمة الانهيار”.
وتتمثل أهداف الشيخوخة ذات الصحة الجيدة في الحفاظ على الصحة البدنية والعقلية، وتجنب الاضطرابات، والبقاء في حالة نشاط. وبالنسبة إلى أغلب الناس يتطلب الحفاظ على صحة عامة جيدة بذل جهد متزايد مع تقدمهم في السن.
وهذا ينطوي، من بين أمور أخرى، على الحفاظ على العلاقات الاجتماعية. ويعاني كبار السن الذين يحافظون على الاتصالات الاجتماعية (بما في ذلك الأنشطة الخارجية) من مشاكل صحية أقل. بالإضافة إلى ذلك، يظل الدعم الاجتماعي مهما للغاية للحفاظ على رفاهية وجودة حياة كبار السن وتعزيز تقدير الذات. وقال عبدالكريم بلحاج، أستاذ علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، إن المسنين هم الرواد الذين ساهموا بالأمس في صنع أسس المغرب الحديث، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ورياضيا.
ولدى حديثه عن المراحل العمرية، أوضح أنّ السن المحددة للمسن هي بلوغه الستين من عمره للتقاعد، وفق المعيار الدولي الذي حددته المنظمة الصحية العالمية، على الرّغم من أنّ هناك فئة كبيرة من المسنين تمارس عملها بكل همة ونشاط.
ولاحظ بلحاج أنّ هناك تأثيرات قد تصيب الوظائف الذهنية لبعض المتقاعدين، ما يؤدي بهم إلى اضطرابات في السلوكات، وبخاصة نساء ورجال التعليم الذين تلتهمهم الأمراض.
وانطلاقا من عملها كاختصاصية في طب الشيخوخة، أوردت الدكتورة منى معمر أنّ هناك أولويات صحية لا بد من توافرها قصد النهوض بالمسنين اجتماعيا، مشيرة إلى أنّ هناك ثلاث فئات، هي “الشيخوخة السليمة”، و”الشيخوخة العادية”، و”الشيخوخة المريضة”. وقالت “إن الهشاشة الاجتماعية وسوء التغذية والتقدم في السن.