مسلمو فرنسا أول من دفع غاليا ثمن الجائحة يتساءلون: لماذا نحن؟

كارولين بيليه
باريس – كل أسبوع يتوجه مامادو دياجوراجا إلى الشطر الإسلامي من مقبرة بالقرب من باريس لزيارة قبر والده أحد المسلمين الكثيرين في فرنسا الذين راحوا ضحية وباء كورونا.
ورفع دياجوراجا بصره عن قبر والده وتطلع إلى صف القبور المحفورة حديثا بجواره، وقال “كان أبي أول واحد في هذا الصف. وخلال سنة امتلأ الصف كله. شيء لا يصدّقه العقل”.
وفي حين تشير التقديرات إلى أن فرنسا يوجد بها أكبر عدد من السكان المسلمين في الاتحاد الأوروبي، فهي لا تعرف مدى تأثر تلك الطائفة بالجائحة، إذ أن القانون الفرنسي يحظر جمع بيانات بناء على العرق أو الدين.
غير أن الأدلة التي أحصتها وكالة رويترز، ومنها بيانات إحصائية تفصح بشكل غير مباشر عن تداعيات المرض، وشهادات من قيادات الطائفة تشير كلها إلى أن معدل وفيات الجائحة بين المسلمين الفرنسيين أعلى كثيرا منه في سكان البلاد عموما.
وتبيّن إحدى الدراسات المبنية على بيانات رسمية أن معدل الوفيات الإضافية في 2020 بين سكان فرنسا المولودين في دول شمال أفريقيا المسلمة كان مثلي معدل الوفيات بين المولودين في فرنسا.
وتقول قيادات الطائفة وباحثون إن السبب في ذلك هو أن المسلمين عادة ما يكون وضعهم الاجتماعي والاقتصادي أقل من المتوسط.

محمد حنيش: ثمة شعور بالمرارة والظلم لدى الجالية المسلمة
فالأرجح أن يعمل المسلمون في وظائف مثل سائقي حافلات أو محصلين تدفعهم إلى مخالطة جمهور الناس عن قرب ويعيشون أيضا في بيوت مكتظة بسكانها الذين ينتمون إلى أجيال متباينة.
وأعرب محمد حنيش رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية في منطقة سين سان دوني القريبة من باريس والتي يعيش فيها عدد كبير من المهاجرين بالقول “كانوا.. أول من دفع ثمنا غاليا”.
وتم توثيق التفاوت في أثر الوباء على الأقليات العرقية في دول أخرى من بينها الولايات المتحدة وجاءت الأسباب متشابهة.
غير أن الجائحة تُبرز في فرنسا التفاوتات التي تسهم في تغذية التوترات بين مسلميها وجيرانهم والتي يتوقع أن تصبح ساحة رئيسية للتنافس في انتخابات الرئاسة العام المقبل.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن خصم الرئيس إيمانويل ماكرون الرئيسي سيكون السياسية اليمينية مارين لوبان التي تتركز دعايتها الانتخابية على قضايا الإسلام والإرهاب والهجرة والجريمة.
وفي حين أن البيانات الرسمية في فرنسا لا تذكر شيئا عن أثر الوباء على المسلمين، فإن المقابر هي إحدى الساحات التي يبدو فيها هذا الأثر جليّا.
وعادة ما يُدفن من تُؤدى على أرواحهم الشعائر الدينية الإسلامية في أقسام خاصة من المقابر، حيث يتم حفر القبور بحيث يُسجى جثمان المتوفي مستقبلا للكعبة في مكة المكرمة.
وتقع المقبرة التي دُفن فيها والد دياجوراجا في فالنتون في منطقة فال دو مارن خارج باريس.
وتبيّن أرقام صادرة من المقابر الـ14 في فال دو مارن أن عام 2020 شهد دفن 1411 مسلما ارتفاعا من 626 في العام السابق قبل أن تحل الجائحة. ويمثل ذلك زيادة نسبتها 125 في المئة بالمقارنة مع زيادة نسبتها 34 في المئة لعمليات الدفن لكل الطوائف في تلك المنطقة.
وقد منعت القيود الحدودية التي فرضت بفعل الجائحة عائلات كثيرة من إعادة أقارب المتوفين إلى بلادهم الأصلية لدفنهم. ولا توجد بيانات رسمية غير أن متعهدي دفن الموتى قالوا إن حوالي ثلاثة أرباع المتوفين من مسلمي فرنسا كانوا يُدفنون في الخارج قبل الجائحة.
وقال متعهدو الدفن وأئمة المساجد وجماعات أهلية تشارك في دفن الموتى المسلمين، إنه لم تكن توجد قطع أراضٍ كافية لتلبية الطلب في بداية الجائحة الأمر الذي دفع عائلات كثيرة للبحث المستميت عن مقابر لدفن بعض أفرادها.
وفي صباح السابع عشر من مايو الماضي وصل صمد أكرش إلى مشرحة في باريس لتسلم جثمان الصومالي عبدالله كابي أبوكار الذي توفي في مارس سنة 2020 جراء الإصابة بالوباء، إذ لم يتسن التوصل إلى أقارب له يمكنهم تسلم الجثة.
وقام أكرش رئيس جمعية طهارة الخيرية التي تتولى دفن المسلمين من غير القادرين على غسيل الجثمان واستخدم في تطهيره المسك واللافندر وبتلات الورد والحناء.

وفي حضور متطوعين من الجمعية تم دفن الصومالي وفقا للشريعة الإسلامية في مقبرة كورنيف على مشارف باريس.
وقال أكرش إن الجمعية تولت دفن 764 متوفيا في 2020 ارتفاعا من 382 في 2019، نصفهم توفوا جراء الوباء.
وأكد أن “الطائفة الإسلامية تأثرت تأثرا هائلا في هذه الفترة”.
كذلك يستخدم خبراء الإحصاء بيانات عن السكان المولودين في الخارج لتكوين صورة عن أثر كوفيد على الأقليات العرقية. وهذا يبيّن أن الوفيات الزائدة عن المعتاد بين السكان الفرنسيين المولودين خارج فرنسا زادت 17 في المئة في 2020 مقابل 8 في المئة للمولودين في فرنسا.
وتبيّن إحصائيات رسمية أن سين سان دوني المنطقة الفرنسية ذات أعلى معدل للسكان غير المولودين في فرنسا شهدت زيادة نسبتها 21.8 في المئة في الوفيات الزائدة عن المعدل من 2019 و2020، أي أكثر من مثلي الزيادة التي شهدتها فرنسا كلها.
في حين أن البيانات الرسمية في فرنسا لا تذكر شيئا عن أثر الوباء على المسلمين، فإن المقابر هي إحدى الساحات التي يبدو فيها هذا الأثر جليّا
وزادت الوفيات الزائدة عن المعدل بين السكان الفرنسيين المولودين في شمال أفريقيا ذي الأغلبية المسلمة 2.6 مرة وبين المولودين في دول أفريقيا جنوبي الصحراء 4.5 مرة عنها بين المولودين في فرنسا.
وفي سين سان دوني يتضح ارتفاع الوفيات بشكل بارز لأن معدل الوفيات فيها في الأوقات العادية أقل منه في فرنسا كلها لأن أعمار سكانها أصغر من متوسط أعمار السكان.
غير أن أداء المنطقة أسوأ من المتوسط العام من حيث المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية. وتبلغ نسبة المساكن التي تكتظ بالسكان بما يفوق طاقتها 20 في المئة بالمقارنة مع 4.9 في المئة على مستوى البلاد. ويبلغ متوسط الأجر في الساعة 13.93 يورو، أي بما يقل 1.5 يورو تقريبا عن الرقم العام في فرنسا.
وأوضح حنيش أنه شعر لأول مرة بأثر الوباء على الطائفة المسلمة عندما بدأ يتلقى مكالمات كثيرة من عائلات تطلب مساعدة في دفن موتاها.
وفي تقديره فإن ارتفاع معدل الوفاة بسبب كوفيد – 19 لدى هذه الطائفة “ليس لأنهم مسلمون بل لأنهم ينتمون إلى أدنى الطبقات الاجتماعية”.
وفيما يمكن لأصحاب الوظائف المكتبية حماية أنفسهم بالعمل من البيت، إلا أن حنيش أوضح أنه “إذا كان الفرد جامع قمامة أو عامل نظافة فلا يمكنه العمل من البيت. فهؤلاء مضطرون إلى الخروج واستخدام شبكة المواصلات العامة”. وختم بالقول “ثمة شعور بالمرارة والظلم. هذا الشعور موجود.. لماذا أنا ولماذا نحن؟”.