"مسلك المسرح" مهرجان يحمل الفنون إلى مدارس الأرياف

تظاهرة ثقافية تقدم مجموعة من الأعمال المسرحية الخاصة بالأطفال.
الثلاثاء 2022/10/11
المسرح فعل ثقافي واجتماعي

سليانة (تونس) - أسدل الستار مؤخرا على فعاليات الدورة الثانية من مهرجان “مسلك المسرح” بمحافظة سليانة، في المدرسة الابتدائية القابل وكان ذلك بعرض “أجراس الطفولة” للفنان عادل بوعلاق الذي أمتع جمهور الأطفال بالحكايا وأغاني الطفل، تلاه العرض المسرحي “مارد بغداد” من إنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف الذي شد جمهور الأطفال بحبكته الدرامية وأطلق العنان لخيالهم حتى تفاعلوا معه بالضحك والانتباه والتصفيق.

 وكان المهرجان، الذي ينظمه مركز الفنون الدرامية والركحية بسليانة، قد جاب طيلة أيامه المدارس الابتدائية بالمحافظة التونسية الداخلية، وهي مدارس في مناطق ريفية بعيدة لا تزورها الأنشطة الثقافية.

وقدمت التظاهرة في هذه المدارس مجموعة هامة من الأعمال المسرحية الخاصة بالأطفال، والتي اختيرت بعناية كبرى إذ تحتوي على جماليات مسرحية واشتغالا مميزا على النص وهي مسرحيات “عرش النفايات” إنتاج شركة قرين تياتر من صفاقس و”الرحلة” إخراج حاتم مرعوب و”الحاسوب المغرور” إنتاج شركة مينرفا و”ثمار المحبة” لمركز الفنون الدرامية والركحية بسوسة و”السيد حاكي” لشادي الماجري و”سحب غاضبة” لحبيبة الجندوبي و”طبيب الضيعة” للمركز الوطني لفن العرائس و”بيضة سيزيف” لمركز الفنون الدرامية والركحية بسليانة.

المهرجان يخرج بالمسرح إلى مدارس الأرياف المحرومة من الأنشطة الثقافية ويطمح إلى جعل المسرح مسألة عضوية

وبالإضافة إلى العرض التنشيطي لجمعية الابتكار المسرحي بقعفور والعروض الموسيقية للفنان زهير قوجة والفنان الهادي خليف والفنان عادل بوعلاق خمسة أيام عاش خلالها أطفال المدارس الابتدائية بأرياف سليانة على إيقاع المسرح واكتشفوا عالما من الإبداع والمتعة.

 كما قدم الفنان خالد بوزيد تربص “اللعب الدرامي” للمعلمين المشرفين على نوادي المسرح بالمدارس الابتدائية.

ويسعى مهرجان “مسلك المسرح” في دورته الثانية لإيصال ثقافة الحياة إلى أطفال لم يسبق لهم أن اكتشفوا هذا العالم الكبير من الدهشة والمتعة البصرية والفكرية فعاشوا معه اللعبة المسرحية في أبهى حللها وتفاعلوا معها ببراءة وبحب كبيرين.

وللمهرجان مشروع خاص له أبعاد كبيرة في عالم الطفل، إذ يراهن على التأسيس لشخصية مواطن الغد المثقف من خلال فلسفة الحياة التي يقدمها المسرح.

وعلى عكس التظاهرات المسرحية المعتادة في قاعات العرض أو مراكز المدن أو حتى شوارعها، اختار القائمون على المهرجان الذهاب بالعروض المسرحية والفعاليات المصاحبة إلى المناطق الداخلية وتحديدا إلى مدارس الأرياف، حيث اختيرت العروض في أغلبها من مسرح الطفل واختارت جمهورها من هذه الفئة، تأسيسا لحراك مسرحي مختلف يبدأ من الأعماق، ولا يكتفي بالفعالية الآنية والاحتفالية وإنما يؤسس لمسار آخر يطمح إلى أن يكون دائما ويرسّخ الفعل المسرحي لدى الأطفال قبل غيرهم.

وفي تصريح سابق لـ”العرب” يؤكد المخرج التونسي ومدير مركز الفنون الدرامية والركحية صالح الفالح أن المركز الذي ينظم هذه التظاهرة هو الفكرة، المشروع، وقد أحدث ليكون الاجتماع حولها، فيكون الفعل والعمل والبحث والأثر.

ويتابع الفالح “المركز هو تأسيس لفكرة المجموعة وإعادة الاعتبار لها، باعتبار أن المسرح هو تعايش الأفراد والأفكار والألوان. فهو إطار استيعاب للمعاني والأنساق المتنوعة أي الأفكار الحرة. هو مجال يستأنس له الشباب فكرا وطاقة وعواطف”.

المهرجان يراهن على التأسيس لشخصية مواطن الغد المثقف من خلال فلسفة الحياة التي يقدمها المسرح

ويضيف “أيضا هو أكاديمية مفتوحة أبوابها للبحث والمختبرات والتوثيق والدراسات والإنتاجات يدخلها الكل، وأيضا تتنقل إليهم باعتبارها فكرة تبحث عن مساحة في عقل المتلقي وإحساسه، لذلك فهي مشروع مجتمعي. هكذا المركز هو افتراض وحتمية للتحقق”.

وتسأل “العرب” الفالح حول أهمية الانتقال بالفعل المسرحي من الخشبات والفضاءات المعتادة إلى المدارس في الأرياف، وأي رسالة يريدون إيصالها، ليجيبنا “الذهاب بالمسرح إلى المدارس الريفية إشارة إلى أن المدرسة هي فضاء لتعلم معاني المواطنة والقيم النبيلة، هذه المدرسة العمومية التي خرج منها الشعراء والكتاب والمسرحيون، هذه المدرسة التي ساعدت على الذهاب نحو تحديث المجتمع”.

ويضيف الفالح “المدرسة اليوم في حاجة إلى ضوء لتكون مكانا وفضاء يدخله الطفل ليتعلم ويفكر ويحب أرضه لينتج لهذا الوطن الأمل. هذه المدرسة التي تنتظر وقفة حقيقية لإعادة الاعتبار لها ومساندتها لتصمد من أجل جيل آخر، من خلال تطوير مناهجها وإطارها وظروف عملها حتى تنير العقول وتفتح نافذة ما للفن”.

ويقول لـ”العرب” “يطمح هذا المهرجان إلى جعل المسرح مسألة عضوية كالخبز. بل هو غذاء آخر للفكر والوجدان. وإن إقامة مهرجان ليس مجرد تقديم عروض فقط بل هو مشروع فكري يتحقق عبر مراحل. هذا المهرجان في نسخته الأولى ميثاق وعقد بيننا وبين السكان هناك. لذا في سنواته القادمة سيكون احتفالا كبيرا بين المسرح والموسيقى والرقص في المدرسة ومع الأهالي، علاوة على إقامة للفنانين وسهرات في الجبال أين تسكن المجموعات البشرية التي لم يكن يصلها الفن”.

14