مسلسل "تاج" سرد متسارع لحقبة مهمة من تاريخ سوريا

تجاوز درامي لحالة العداء التاريخي بين الشرق والغرب.
الجمعة 2024/04/12
استعادة درامية لسوريا في أربعينات القرن الماضي

جاء مسلسل “"تاج" هذا العام ليكون واحدا من أهم أعمال الدراما المهمة التي تعيد طرح جزء من التاريخ السوري بتوليفة فنية ومعالجة درامية مختلفة، تسلط الضوء على تفاصيل مهمة لم تحظ بالاهتمام اللازم سابقا، وذلك رغم هنات كثيرة أبرزها المرور السريع على أحداث وتفاصيل وشخصيات مهمة.

سامر سالم أحمد

دمشق - انتهى مسلسل {تاج} تاركا في نفوس المشاهدين فيضا من المشاعر والأحاسيس الوطنية العميقة. ثلاثون حلقة مرّت لتشكل تحفة فنية ووثيقة تاريخية لمرحلة مضت في التاريخ السوري.

نهاية رائعة بما حملته من صور وفيديوهات توثيقية لتلك المرحلة التي عايشها أبطال المسلسل، وقد توجوها بفرحة الجلاء، نهاية سعيدة كانت لتاج وباقي السوريين تمناها الجميع.

وهنا تتبادر إلى أذهاننا مجموعة من الأسئلة، أسئلة لا بد من طرحها مهما أظهرنا إعجابنا بهذا العمل أهمها: ما الأسباب التي تدفعنا إلى القول إن مسلسل تاج شكل نقلة نوعية في تاريخ الدراما السورية؟ وهل هناك سقطات وقع فيها صناع المسلسل في ما يتعلق بالسردية التاريخية؟ أسئلة تدور في أذهاننا فور الانتهاء من مشاهدة هذا المسلسل دونما إنكار للجهد المبذول في هذا العمل الفني.

لقد تعمد صناع الدراما السوريون على استحضار البيئة الشامية في شهر رمضان وفي غير رمضان من خلال مسلسلات غدت مبتذلة ومستهلكة ملّها الجمهور، متمثلة بأبطال حاراتها ذوي الشوارب المفتولة، والنظرات المفعمة بالتحدي، تلك الشخصيات التي صار بإمكاننا التنبؤ بتصرفاتها بمجرد حضور حلقة أو حلقتين من هذه الأعمال.لقد رسمت تلك المسلسلات صورة عن دمشق لا تكاد تتجاوز حاراتها، فالصورة باهتة لا تخرج عن الإطار المكاني الممثل بالحارة الدمشقية القديمة والغوطة معقل الثوار.

تسارع سلب المشاهد فرصة أن يعايش اللحظات التاريخية، أن يعيد قراءتها بصورة تختلف عما تلقاه في المدارس

إنها صورة جامدة ذات معطى ثابت، بعيدة كل البعد عما يجري حولها من العالم كما في مسلسل كباب الحارة الذي عزز هذه الصورة في أذهاننا، فصار من البديهي عند استحضار صورة دمشق أن تقفز إلى مخيلتنا صورة باب الحارة بأجوائه ورجاله المتخمين بالذكورة.

لكننا في مسلسل “تاج” نلمح صورة مغايرة تماما عن تلك الصورة الباهتة لدمشق، صورة مفعمة بالألوان والإبهار البصري، تتراءى بتفاصيلها وإنسانها وأزيائها وديكوراتها، فالجامعة ونادي الملاكمة والبرلمان والكازينو وساحة المرجة كلها تجاوزت ذلك الحيز المكاني الضيق إلى أفق أرحب تمثل بالعاصمة دمشق.

إنها دمشق بشوارعها النظيفة والكهرباء والتلفونات وتراموي دمشق، وساحة المرجة الشهيرة بالإضافة إلى أزياء طاقم التمثيل التي تعكس الصورة الحضارية لدمشق.

لقد استطاع مسلسل تاج الافتكاك من أسر هراء تلك المسلسلات في استعادة درامية تعود بنا إلى سوريا في حقبة أربعينات القرن الماضي من خلال بناء مدينة كاملة لمحاكاة تلك الفترة تحاكي باريس ولندن.

ورغم ذلك جاء المسلسل متخما بالثغرات رغم اجتهاد صانعيه لتقديم أفضل ما لديهم ورغم الإنفاق الكبير على هكذا عمل رصدت له شركة الصباح برودكش ميزانية ضخمة تخطت 8 ملايين دولار.

ومن المآخذ والملاحظات التي يمكن طرحها على صناع هذا العمل على سبيل المثال لا الحصر هو معالجة السرد التاريخية، فقد بدا سريعا بعض الشيء حينما يتعلق بشخصيات معينة لها وزنها وثقلها في تلك المرحلة، فحراك الكتلة الوطنية بدا مختزلا لم ينل حقه في هذه المعالجة الدرامية التي تسارعت فيها الأحداث أكثر مما ينبغي.

yy

أين رئيس الحكومة فارس الخوري وخالد العظم وفخري البارودي بل الطامة الكبرى في تسليط الضوء على الرئيس شكري القوتلي من خلال بضع لقطات أكدت فقط أنه الرئيس في هذه الحقبة الزمنية وأن الهدف من وجوده لم يتجاوز منح العمل المزيد من المصداقية ونوعا من التوثيق التاريخي.

تسارع في السرد ليس له مبرر، وهذا التسارع المفاجئ نرصده بمشهد تضحيات حامية البرلمان الذين رفضوا تقديم التحية لعلم الاحتلال الفرنسي عند إنزاله من على ساريته فوق دار الأركان الفرنسية المقابلة لمبنى البرلمان آنذاك، فلم يتم تسليط الضوء على شخوصهم والتي اختصرت بحديث قائد الحامية المفوض سعيد القهوجي الذي قام بدوره الفنان وضاح حلوم وصبحي، حديث ملؤه الشجن.

لقد أدّى هذا التسارع إلى سلب المشاهد فرصة أن يعايش هذه الشخصيات، هذه اللحظات التاريخية، وأن يعيد قراءتها بصورة تختلف عما تلقنه في المدارس. لقد اكتفى المشاهد بقدر ضئيل من المعرفة عن هذه الشخصيات.

ولعل السقطة الكبرى كانت في سقوط الطائرة الألمانية وتسابق الفرنسيين والإنجليز للحصول على قطعة منها، وتُرك المشاهد في حيرة يتساءل ما هذه القطعة التي يتسابقون عليها؟

هذه الطائرة الألمانية التي تم الحديث عنها في المشهد هي طائرة “هورتن 229” وهي فخر الصناعة الألمانية لأنها كانت تمتلك القدرة على التخفي بحيث لا يمكن للرادار أن يلتقطها بفضل خفة وزنها، أما الجهاز الذي ظهر في المشهد فهو جهاز الماغنترون الذي يستخدم في صناعة الرادارات ويزيد من فعاليتها.

"تاج" مسلسل أكد قدرة الممثل تيم حسن على تقديم كل الأدوار، وأضاف الكثير إلى المكانة التي يتمتع بها

ومما يحسب لهذا العمل أنه تجاوز حالة العداء التاريخيبين الشرق والغرب، فقد حاول صنع نوع من التقارب فيما بينهما تمثل في العلاقة الإنسانية في أسمى صورها: صورة الحب.

إن مسلسل “تاج” لامس مشاعرنا الإنسانية من خلال تجسيده لعلاقات الحب، هذه العلاقة التي جمعت الضابط الفرنسي الشاب لويس الذي هو من أب فرنسي الجنرال جول وأم سورية، والذي كان يعيش صراعا بين انتمائه إلى فرنسا وحبه لفتاة سورية، لقد حُمّلت هذه الشخصية مشاعر إنسانية لم نتعود طرحها في هكذا مسلسلات تتناول المحتل الغربي لسوريا ورجاله قساة القلوب.

فقد رفضت الأعمال السابقة التعرض لهذه القضية، في حين نجد شخصية لويس تكسر هذا الحظر ببعدها الإنساني لويس الذي اعتذر لحبيبته حنان ولتاج الذي أنقذ حياته من خلال تسليم رياض للسلطات السورية، ليكفر بذلك عن أخطاء الكولونيل، وعن قتله لعمر، وليثبت أنه كان دائما ضحية لا جانيا.

ونرى هذا الأمر في علاقة ماريون الطبيبة الفرنسية التي ظلت إلى جانب السوريين وسليم الصحافي السوري الوطني فقد جمعتهما علاقة حملت في طياتها العديد من الأبعاد، فهي التقاء بين رجل شرقي وفتاة فرنسية.

هذه مجرد خواطر وردت في ذهني بعد انتهاء العمل. أما الأمور الفنية والتقنية الرائعة للمسلسل فنحن لسنا هنا بصدد تناولها رغم الإبهار البصري والتعددية التقنية لأن هذا الفن له أهله واختصاصه، بل كان محور قراءتنا للنص التاريخي وما به من ثغرات.

“تاج” مسلسل أكد قدرة الممثل تيم حسن على تقديم كل الأدوار، وأضاف الكثير إلى المكانة التى يتمتع بها. ومرة أخرى تثبت الدراما السورية علو كعبها وتنتج مسلسلا رائعا ترك انطباعا في نفوس الجمهور العربي الذي تابع أحداثه بشغف واسع.

15