مسلسل "الحلم" يغرق في تفاصيل رسالته السياسية والمجتمعية

دراما انشغلت بتقديم صورة إيجابية حول إنجازات الحكومة المصرية.
الجمعة 2022/02/18
مسلسل غارق في التفاصيل الصغيرة

حلم منتجو مسلسل “الحلم” بتحويل قصة حي الأسمرات في القاهرة إلى أيقونة درامية توضّح إنجازات الحكومة التي تتحرك وفق توجهات الرئيس عبدالفتاح السيسي لإحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية ملموسة، لكنه أوغل في الإشادة وتكررت فيه الأخطاء لينقلب إلى عمل مشوه أشبه بالكابوس الذي ينفر المشاهدين منه.

القاهرة – يمكن لأي عمل فني أن يقدم صورا متعددة لمحاكاة الواقع وإيجابياته ويظهر جهود الحكومة في تخفيف الأعباء على المواطنين إذا أتقن استخدام أدواته الفنية لتكون الصورة عميقة ومنطقية دون جري وراء سرديات تؤدي إلى عكس الرسالة المطلوبة. وهذا هو الانطباع الذي لازم الكثير من متابعي المسلسل المصري “الحلم” الذي يعرض حاليا على قناة الحياة المصرية وعدد حلقاته 45 حلقة.

تقوم فكرة العمل التي استمد منها عنوانه “الحلم” على السعادة الطاغية لسكان حي الأسمرات الجديد في القاهرة الذي استوعب الآلاف من سكان العشوائيات في مصر، وكيف انقلبت حياتهم رأسا على عقب من الهامش والحياة الرديئة إلى بؤرة الأضواء والحياة الكريمة بكل ما يتوافر لها من وسائل ترفيه ومتعة وإمكانيات حضارية.

وظهر المسلسل الذي تم حشده بمجموعة كبيرة من النجوم أصابته بتخمة فنية ليرسخ فكرة الدور الإعلامي الذي تقوم به الدراما المصرية مؤخرا، والتي بدأت تتزايد مع توالي عرض مسلسلات من نوعية “كلبش” و”الاختيار” وأخيرا “هجمة مرتدة”، وجميعها تهتم بقضايا تكشف الدور الكبير الذي تقوم به الحكومة لتوفير الأمن والاستقرار والهدوء للمواطنين، ووجد ترحيبا من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

وتحول الدراما إلى انعكاس للخطاب السياسي للرئيس المصري مسألة جيدة في نواح مختلفة عندما تكون متقنة ومستوفية لجميع الشروط الفنية، لكن عندما تأتي بطريقة مبتورة تتسبب في تشويه الأهداف المطلوبة منها، وهو الشعور الذي طغى على كثير من متابعي “الحلم”، وهم يشاهدون عملا مشوها لم يبذل منتجوه جهدا حقيقيا لنقل صورة فنية لواقع يحتاج إلى توافر جملة من المقومات كي يصبح مؤثرا في المتلقين.

منتجو المسلسل تحولوا إلى أشبه ببوق للدعاية بدلا من تقديم عمل فني يجسد تحركات أجهزة الدولة

رئيس جمهورية الأسمرات

حشد المخرج حسني صالح كتيبة من الممثلين والممثلات، كبارا وصغارا، في مقدمتهم محمد رياض وصابرين وأنوشكا ومي كساب وكمال أبورية ونهال عنبر ورانيا فريد شوقي وأحمد عبالعزيز وصلاح عبدالله وعلاء مرسي ومحمود الجابري وهايدي رفعت، معتقدا أن هذه التوليفة تعزز مصداقية العمل وتضمن له نجاحا لافتا.

ما حدث أن الصورة التي تم نقلها لحي الأسمرات فيها من البدائية ما قلل من أهمية المشروع الحيوي الذي نفذته الحكومة، وجاء المضمون الاجتماعي زاعقا وفي صالح رئيس هذا الحي مباشرة، جسد شخصيته الفنان عمر زهران وجرى استخدام اسمه الحقيقي (اللواء حسن الغندور) وتردد على لسان العديد من أبطال العمل وكأنه “رئيس جمهورية الأسمرات”، وهو خطأ سياسي يحسب ضد صناع العمل، لأن الرجل هو رئيس حي مهمته حل مشاكل الناس.

وحفل مسلسل “الحلم” بإشكاليات في القصة التي تفرعت من خلافات تقليدية داخل الأسرة الواحدة إلى خلافات بين عدد كبير من الأسر، وحوت تطويلا مبالغا فيه وتشابكات لم يكن الغرض منها سوى جذب انتباه المشاهدين لمتابعة العمل الذي لا يستحق خمسا وأربعين حلقة، بل يمكن تلخيصه في نصف هذا العدد وربما أقل، فما أن تنفك عقدة حتى تظهر عقدة أخرى في محاولة من المخرج لتلبية طلبات الشركة المنتجة (الجابري للإنتاج الفني) التي باعت العمل بحلقاته الطويلة قبل أن تدرس هل تستحق القصة كل هذا أم لا.

وانتقص المخرج صالح من رصيده الدرامي الكبير الذي ظهر في أعمال ملحمية من نوعية مسلسله الأخير “بت القبائل”، وقدم عملا مفككا فنيا على غير العادة، بدا أن كتابته وتصويره وكافة مراحله تمت على عجل لتقديم بانوراما خاطفة عن الجهود التي تقوم بها الحكومة لتخفيف الأعباء عن شريحة من المهمشين في مصر.

وبدت أدوار النجوم الكبار الذين شاركوا في العمل وعظية أكثر من اللازم، وهو ما جعل الجانب الدعائي لأشهر حي يستوعب سكان العشوائيات ظاهرا بوضوح، فقد بات حي الأسمرات في القاهرة نموذجا لقدرة الدولة على حل مشاكل المهمشين.

وجاءت المعالجة مثالية، فالصورة التي قدمها المسلسل قدمت نموذجا بعيدا عما يراه المصريون، فلا يمكن أن يكون سكان هذه المنطقة بلا مشاكل ويعيشون حياة الرفاهية، أو كلما طفت مشكلة ظهر رئيس الحي اللواء الغندور ليفككها بلطف وسريعا، وهو عكس ما يجري من تعاملات الناس مع رؤساء الأحياء في المدن والقرى، قديمها وحديثها، كبيرها وصغيرها.

تشويه غير مقصود

في مسلسل الحلم ينخرط الفنان أحمد عبدالعزيز في علاقة مبهمة مع الشقيقتين صابرين وأنوشكا وعائلتيهما
في مسلسل الحلم ينخرط الفنان أحمد عبدالعزيز في علاقة مبهمة مع الشقيقتين صابرين وأنوشكا وعائلتيهما

أراد العمل أن يشاهد المصريون ما يجري من تطورات على الأرض ويوصل إليهم رسالة بحجم الإنجازات والتغيرات في عهد الرئيس السيسي، غير أن منتجيه من حيث لا يدرون شوهوا هذه الجهود، وتحولوا إلى أشبه ببوق للدعاية الفجة بدلا من تقديم نموذج لعمل فني ناعم يجسد ضخامة التحركات التي تقوم بها أجهزة الدولة.

ويشير مسلسل “الحلم” إلى بعد خطير في ازدواجية الدراما والإعلام، حيث أرادت المسلسلات الجمع بين المهمتين ونجحت بعض الأعمال في تقديم صورة ناصعة لذلك، لكن يبدو أن الإسراف أوقع البعض في المحاذير، خاصة إذا كانت الفكرة غير مكتملة والمعالجة سطحية والحرص الشديد على نقل صورة قريبة من الواقع بلا رتوش تفرضها طبيعة العمل الفني، أدت في النهاية إلى جعل رسالته غير مقنعة.

تحول الدراما إلى انعكاس لخطاب الرئيس المصري مسألة جيدة لكن عندما تأتي بطريقة مبتورة تتسبب في تشويه الأهداف المطلوبة منها

وجمع المسلسل بين قضايا متعددة، بدءا من المشاكل الاجتماعية المعروفة إلى تجارة المخدرات، وغرق في تفاصيل صغيرة حول حياة البدو وما يلصق بهم من صفات سلبية وعادات وتقاليد بالية، وحاول تصحيح الصورة بطريقة مباشرة حتى أفقدت المباشرة العمل الكثير من الخصال الإيجابية التي حاول نقلها.

وتنقل العمل من حي الجمالية في وسط القاهرة التاريخية إلى حي الأسمرات الحديث، وهو تناقض يظهر المقارنة وأهميتها ويقربها إلى الجمهور، إلا أن تكرار المشاهد التي لم تتغير كثيرا من حيث كادرات الشخوص سواء داخل محل للعطارة وبازار للتحف في الأول أو مصنع الساعات والمستشفى في الثاني، يدل على عقم فني كان من السهولة تلاشيه لو جرى بذل جهد أكبر في اختيار المشاهد التي تعكس الواقع.

وجاء الزج بمنطقة الجلالة على البحر الأحمر كمنتجع سياحي جديد حاول المسلسل الترويج له في غير محله مع دعاية واضحة لفندق “تيوليب” التابع للقوات المسلحة، لأن الربط بين الجلالة وما يجري في الجمالية والأسمرات بدا مفتعلا من خلال مدير فندق “تيوليب” الذي قام به الفنان أحمد عبدالعزيز الذي انخرط في علاقة مبهمة مع الشقيقتين صابرين وأنوشكا وعائلتيهما، وجرى خلق روافد اجتماعية وإنسانية وعاطفية لم تكن في محلها.

وإذا كان الغرض هو الدعاية السياسية للمشروعات التنموية التي تقوم بها الحكومة المصرية، فقد أخفق العمل في توصيل هدفه، لأن الانطباعات التي يخرج بها المشاهد العادي لن تكون في الصالح العام.

أما إذا كان الغرض تقديم حكاية اجتماعية مسلية مثل غيرها من الحكايات التي تغوص في قصص الناس، فقد فشل أيضا بسبب ما حواه المسلسل من ترهل يشعر الجمهور بالملل، خاصة عندما يتم استخراج قصة جديدة من كل قصة قديمة، مثل اكتشاف محمد رياض أن ابنه لا يزال على قيد الحياة.

Thumbnail
15