مسلسل "الحرقة".. إبحار تونسي نحو جنة متخيلة

تونس – يقول المخرج التونسي الأسعد الوسلاتي إنه جرى نقاش مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول إنتاج نسخة فيلم من مسلسله التلفزيوني “الحرقة” (الهجرة غير النظامية)، الذي حقق “نجاحا كبيرا” منذ بدء عرضه في شهر رمضان الجاري.
وفي مقابلة معه بمقر الإذاعة التونسية حيث صورت مشاهد من المسلسل، يضيف الوسلاتي أن تحويل “الحرقة إلى فيلم سيضمن مشاهدة أوسع، فالفيلم سريع الانتشار، وبالتالي توعية الشباب بخطورة الهجرة غير النظامية ستكون أسرع”.
ويتابع أنه لم يتم التعامل مع مفوضية اللاجئين في كتابة المسلسل ولا تصويره، وإنما جرى التعرف عليها بعد انتهاء التصوير، وأرادت دعمه.
و“الحرقة” هو دراما اجتماعية من 20 حلقة، تُعرض على التلفزيون الرسمي التونسي، وتعالج قضية الهجرة غير النظامية، وتبرز مخاطر الرحلة في البحر، وتلقي الضوء على معاناة المهاجرين من مفقودين في البحر وناجين في مراكز الحجز بعد وصولهم إلى إيطاليا.
كما يطرح المسلسل الجانب الآخر من معاناة عائلات المهاجرين، حيث ينتظرون بفارغ الصبر أي معلومة عن أبنائهم التائهين بين أمواج البحر.
و“الحرقة” هو قصة وإخراج الوسلاتي، وكتب نصه عمادالدين حكيم، ومن بطولة كل من وجيهة الجندوبي وعائشة بن أحمد ومهذب الرميلي.

الأسعد الوسلاتي: المشاهد المؤلمة خيار لنصدم بالواقع ونستيقظ من الكابوس
ووفق الوسلاتي فإن “فكرة المسلسل ليست جديدة، وإنما تطرقت لها العديد من الأعمال التونسية، منها الوثائقية والدرامية والسينمائية، والاختلاف يكمن في طريقة الطرح الدرامي للقضية”.
ويوضح أن فكرة قصة المسلسل انطلقت لحظة تصوير مسلسله الأول “المايسترو”، الذي عرض سنة 2019 على التلفزيون الرسمي التونسي، وتطرق لعالم “الإصلاحيات” (سجون الأحداث)، وتضمن مشهدا لشخصية رئيسية تدخل السجن بعد محاولتها السفر عبر “قوارب الموت” المتهالكة في هجرة غير نظامية.
ويردف أنه قبل كتابة أي كلمة في السيناريو، سافر إلى إيطاليا، مع رضا سلامة منتج منفذ العمل، وبقي هناك قرابة أسبوع، حيث شاهد على أرض الواقع معاناة المهاجرين.
والتقى الوسلاتي مع تونسيين في إيطاليا لا يحملون أوراقا ثبوتية وإقامة، وبتونسيين ينامون في الشوارع، وآخرين ينامون في مراكز إيواء.
والتقى أيضا ببعض منظمي الهجرة غير النظامية، الذين يُسفّرون المهاجرين والهاربين، كما التقى بأشخاص عاشوا تجربة “الحرقة”، ومازالوا يريدون تكرارها.
ويشدد الوسلاتي على أنه لا يمكن الحديث عن الهجرة غير النظامية من دون العودة إلى الدوافع التي جعلت التونسيين يتخذون من قوارب الموت وسيلة للرحيل إلى سواحل إيطاليا، كالفقر والاحتقار والذل والهوان والفساد الذي يرونه في تونس.
ويستطرد “كما لا يمكن الحديث عن ذلك دون إبراز مدى تواطؤ الدولة في ملف ‘الحرقة‘، والذي جعل من مئات القوارب تخرج شهريا محملة بشباب في عمر الزهور، متجهين نحو مصير مجهول، وحالمين بالجنة المفقودة”. وفي ما يتعلق بمشاركة ممثلين أفارقة من السنغال وساحل العاج في المسلسل، يقول الوسلاتي إن “مشاركتهم مهمة جدا ولا يمكن تجاهلها، لأن تونس أصبحت منطقة عبور لمواطني دول أفريقيا جنوب الصحراء، حيث أصبحت تستقبل المئات من المهاجرين غير النظاميين الأفارقة، الذين يأتون إلى تونس للعمل، ويتخذونها مطية للسفر إلى إيطاليا”.
ويتابع “لذلك كانت العنصرية التي تُمارس عليهم من قبل الإيطاليين والتونسيين أيضا محورا أساسيا، ولا بد من التعريج عليها في المسلسل ونقدها”.
ويعرب المخرج عن شكره للجالية الأفريقية في تونس، التي ساعدته في المسلسل، بتمثيلهم لأدوار مهاجرين غير نظاميين، ومن بينهم تم اختيار الإيفواري اموس جون زادي، وهو ليس شخصية ثانوية، بل من العناصر المهمة بالمسلسل.
وزاد بأنه تم اختيار ممثلين أفارقة معروفين، وتم استدعاؤهم للمسلسل، وبينهم السنغالي ماماد باييل صار، الذي تقمص شخصية كوفي.
وقال الوسلاتي إنه كان ينتظر أن يخلق المسلسل ديناميكية كبيرة وردة فعل إيجابية، لكنه لم يتوقع أن يكون ذلك بهذا الكم، نظرا إلى نسب المشاهدة المرتفعة ولآراء النقاد المشجعة.

وثُلُث مشاهد المسلسل، وفق مخرجه، صورت في عرض البحر، وبطريقة سينمائية، ما جعل الجمهور ينبهر بالطرق الفنية الجديدة في التصوير والإخراج.
وبخصوص تمرير مشاهد مؤلمة في المسلسل، يقول الوسلاتي إن “ذلك كان هو الخيار، لأنه للأسف يجب أن نتزعزع من الداخل وننصدم بالواقع من أجل أن نستيقظ من هذا الكابوس الذي أبى أن ينتهي”.
ويتضمن المسلسل مشاهد موجعة لشباب ونساء وأطفال ورجال يصعدون على “قوارب الموت” ويجازفون بحياتهم في رحلة خطيرة غير مضمونة العواقب.
كما مرّر المسلسل مشاهد للبحر، وهو يلفظ بين الحين والآخر جثث العشرات من الشباب الغرقى والمتآكلة أجسادهم، بعد أن أفقدتها ملوحة البحر ملامحهم، وما يخلفه ذلك من ألم في قلوب الأهالي الملتاعة على فقدان فلذات أكبادهم.
ويتابع “من اختار السفر بهذه الطريقة يجب أن يفكر مئة مرة قبل ذلك لا في الموت فقط، بل في الآلام والوجع الذي يتركونه في قلوب أهاليهم، خاصة بعد أن يغرقوا في البحر ويبقوا في عداد المفقودين”.
ويؤكد الوسلاتي أن اختياره للدراما الاجتماعية التي تمس قضايا حساسة في تونس مثل الهجرة غير النظامية، يهدف إلى المساهمة في تعريتها وإبرازها ونقل الواقع دون تجميل.
وأفاد بأن هدفه الأساسي ليس النجاح والتميز فقط، بل ما يخلفه المسلسل من نقاش وحوار وأثر نفسي حول موضوع الهجرة غير النظامية من أجل القطع معها.
ودعا إلى “التحاور والنقاش حول موضوع الحرقة، لتوعية الشباب الذين يتخذون المركب جسرا ينجيهم من جحيم الحاجة والفقر، بعدم إلقاء أنفسهم في البحر من أجل مستقبل غامض ومجهول”.
ووفق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي)، في فبراير الماضي، وصل حوالي 8 آلاف مهاجر غير نظامي من سواحل تونس إلى إيطاليا عام 2020، مقابل 800 فقط
في 2019.