مسلسل "أعمل إيه".. محاكاة عنقودية لمشاكل أسرة مصرية

أثبتت المواضيع والحكايات الاجتماعية التي ترصد بعضا من تفاصيل حياة الطبقة المتوسطة في مصر، أنها سبب في نجاح الأعمال الدرامية المنتجة مؤخرا ومنها مسلسل “أعمل إيه” الذي قدم خالد الصاوي بشكل جديد بينما تغافل عن منح مساحة أكبر للشباب ما حرمه من تحقيق نجاح وانتشار كبيرين.
القاهرة - في المرة الأولى التي يحصل فيها الفنان المصري خالد الصاوي على البطولة المطلقة في عمل درامي، استحوذ على جزء كبير من القصة المركبة التي عالجها مسلسل “أعمل إيه”، وتحول الفنانون والفنانات إلى عناصر هامشية أو مساعدة في أحسن الأحوال، ما جعل الصاوي جوهر العمل ومحوره وملاذه في البداية والنهاية.
بدأ عرض المسلسل على قناة “دي إم سي” وكثر الحديث عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، لأن حلقاته التي يبلغ عددها ثلاثين حلقة تحظى بتطورات درامية متشعبة، فما إن يخرج خالد الصاوي -يلعب دور عبدالله الفولاني، وهو مهندس صوت يعمل في قطاع الهندسة الإذاعية باتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري (ماسبيرو)- من مشكلة حتى يدخل في أخرى، في مشاهد أشبه بالدراما الاجتماعية التي يمكن وصفها بـ”العنقودية” لأنها لا تنتهي تقريبا، وكأن الرجل كتب عليه أن يعيش حالة تعب مستمرة.
وتم اختيار قطاع الهندسة الإذاعية في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون المصري "ماسبيرو" كنوع من الرمزية التاريخية، النوستالجيا، والإيحاء بأنه المكان الذي خرجت منه المواهب ونجحت في أن تجد فرصا في محطات وقنوات أخرى لما تملكه من كفاءة نادرة.
أسرة مترابطة
حاول المخرج أحمد عبدالحميد توظيف القصة التي كتبها محمد الحناوي في تسليط الضوء على بعض المشاكل الاجتماعية من خلال حياة أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة، تتكون من أب قام بدوره الصاوي، وأم جسدتها صابرين في دور مديرة مدرسة تواجه الفساد، وأربع فتيات في مراحل عمرية مختلفة، جرى اختيار اسم كل منهن على اسم مطربة؛ شادية وفيروز ونجاة وفايزة، كدلالة على الحنين إلى الماضي.
ويشبه عبدالله الفولاني الكثير من الآباء في مصر، منكفئا حول أسرته، ومشغولا بمتابعة همومها وحل مشاكلها، ومخلصا في عمله بالهندسة الإذاعية، ويذهب إلى منزله بمجرد الانتهاء منه كدليل على الوفاء. وهو حريص على توفير حياة كريمة لأسرته المترابطة وحصول جميع أفرادها على مستوى جيد من التعليم يؤهلهم للانخراط في الحياة وسوق العمل وفقا لقيم حرص على أن يغرسها في وجدان بناته وعقولهن.
ولكل فتاة من الفتيات الأربع شخصية مستقلة وعالم مختلف من الاهتمامات، لكن هوى الأب كان قريبا من إحداهن أكثر، وهو شعور ولّدته بعض التصرفات الشخصية الفطرية، حيث يجد الفولاني أن ابنته شادية -التي تعمل في مجال الإعلام وقامت بدورها نور إيهاب- هي الأقرب إليه، ما يثير حفيظة ابنته فايزة التي قامت بدورها إيمي الجندي.
وقدم الصاوي صورة ثنائية عن الرجل الطيب والشرير، أو الحنون والشرس؛ فهو مخلص لكل القيم النبيلة ومتمسك بتطبيقها، غير أن حظه العاثر يورطه في الكثير من المشاكل مع البيئة المحيطة به، وما يكتنفها من مواقف إنسانية. وتلعب الصدفة دورا في توريطه بشكل يظهر فيه كأنه من المقرر أن يواجه مشكلة مع كل شخص يقابله أو أثناء أي عمل يقوم به.
وقد وضع المؤلف محمد الحناوي سلسلة من المواقف التي تؤكد سوء حظ الفولاني؛ فعندما تستضيف الإذاعة سيدة اشتبك معها وتقوم بدورها نهال عنبر، يذهب هو ليكون مهندس الصوت في هذه الحلقة بدلا من صديقه الذي اعتذر فجأة، ومن كثرة تعب الفولاني يغلبه النعاس أثناء الاستراحة وتتحدث نهال عنبر عن أمور شخصية فاضحة مع المذيعة وتذاع على الهواء مباشرة، وتتصور أنه كان يقصد فضحها.
وكان يمكن تقبل الموقف على سبيل الطُّرفة والغرابة والكوميديا، لكنه يتكرر بالوتيرة نفسها؛ فعندما ذهب إلى بلطجي ظلم زوجته التي تعمل والدتها خادمة في منزله يجده مقتولا، ويتم القبض عليه بتهمة القتل، وعندما ذهب إلى بنته في النادي يتورط في مشاجرة مع حارس الأمن الذي يدس له المخدرات في جيبه بلا معرفة مسبقة ويأتي البوليس فجأة ويلقي عليه القبض.
رجل يتآمر عليه الناس
ظلت هذه السلسلة من الأحداث تطارد عبدالله الفولاني الذي يتخيل المشاهد أحيانا أنه “سوبر مان” أو مبعوث العناية الإلهية لرفع الظلم عن الناس، أو الرجل الذي يتآمر عليه العالم كله؛ فأينما يذهب يجد في طريقه مشكلة أو ورطة، يخرج منها في النهاية، لكنها تستغرق زمنا من الأحداث، في محاولة من طاقم العمل لزيادة عدد الحلقات، لأن القصة في جوهرها يمكن اختصارها في عشر حلقات أو أقل.
كما أن أداء الفنان خالد الصاوي جاء مختلفا عن الكثير من الأدوار التي قدمها في السينما والتلفزيون سابقا؛ إذ أثر الوزن الزائد الذي ظهر به -والذي قيل إنه أصابه بسبب المرض- على الأداء العام في التمثيل والصوت، وإن حاول أن يكون طبيعيا وشابا عبر الملابس “الكاجوال” التي كان يرتديها لتوحي بأنه خفيف الحركة.
وعزفت المعالجة الدرامية على وتر التشويق والكوميديا، وتعمد المؤلف انتقاء عناصر الإثارة في المواقف التي يواجهها الفولاني وبناته، وتتقاطع جميعها مع الواقع الاجتماعي في مصر وإن لم تكن تفاصيلها مترابطة بصورة جيدة إلى درجة أن الجمهور صار ينتظر حدثا غير طبيعي أو مشكلة في كل خطوة يقوم بها عبدالله الفولاني، فالكثافة التي ظهرت بها هذه المواقف جعلته مخلوقا سيء الحظ على الدوام.
صابرين انتقلت في هذا العمل إلى دور السيدة العاملة وربة المنزل، وهو اختيار مناسب للمرحلة العمرية التي تمر بها
وحوى مسلسل “أعمل إيه” الكثير من الدروس عند استعراض جوانب من تصرفات بنات الفولاني مع المواقف الصعبة، وهي طريقة درامية جذابة، وانطوت على البعض من قصص الحب والرومانسية الخجولة، لأن العمل اجتماعي وموجه إلى جميع أفراد الأسرة، وكان حريصا على إظهار المكونات الإيجابية في العلاقات الأسرية داخل الطبقة المتوسط وتعاملاتها، حتى الظواهر السلبية التي رصدها لا تخلو من العبر المفيدة.
ربما يكون اسم العمل “أعمل إيه” معبرا عن مجموعة المآزق التي واجهها عبدالله الفولاني، وبدت الحيرة واضحة في العنوان، ويمكن فهمها على أن الرجل ليس له ذنب في ما يواجهه من مشاكل أو كأنها فرضت عليه، والمطلوب عدم الاعتراض والتعامل معها بمرونة ليتمكن من إيجاد حل مناسب لها، خاصة أنها لم تقف عند حد أو سقف معين، حيث فاقت الكثير من التوقعات، وجمع المؤلف عددا من المشاكل التقليدية وترك الصاوي يضع الطريقة المناسبة لتجاوزها.
وانتقلت صابرين في هذا العمل إلى دور السيدة العاملة الشريفة وربة المنزل الحريصة على تربية بناتها بصورة حسنة، وهو اختيار مناسب للمرحلة العمرية التي تمر بها وفرضت عليها أن تكون متسقة مع نفسها، فقد تخطت دور الفتاة “الدلوعة”، وعليها أن تنتبه خوفا من حصرها فنيا في دور الأم بعد إجادتها في “أعمل إيه”.
وكان يمكن أن يصبح العمل أكثر تأثيرا وانتشار لو أن الحبكة الفنية جاءت أشد تماسكا، ولو تم منح الشباب والفتيات وكل من شارك في المسلسل مساحة أكبر؛ لأن لدى كل منهم طاقة كان يمكن أن يستثمرها المخرج بشكل أفضل، فتسهم في تخفيف العبء عن خالد الصاوي الذي أصبح عنصرا مشتركا في غالبية مشاهد المسلسل.
