مسقط تفتح أبواب الاستثمار في رأس المال المغامر

مسقط - تتطلع الحكومة العمانية إلى المضي قدما في إستراتيجيتها المتعلقة بتوسيع آفاق نشاط الشركات الناشئة والمتوسطة والصغيرة في البلاد من أجل تعزيز دورها المستقبلي في تنمية الاقتصاد على أسس مستدامة ومتنوعة.

ويفترض أن يعزز صندوق عُمان المستقبل، وهو كيان استثماري برأسمال يبلغ ملياري ريال (5.2 مليار دولار) تم إطلاقه مؤخرا النشاط الاقتصادي للبلد، الذي يحاول تقفي أثر جيرانه الخليجيين، ويُفعّل دور القطاع الخاص في إطار رؤية السلطنة لعام 2040.

وذكرت وكالة الأنباء العُمانية الرسمية الخميس أنَّ سلطان عُمان هيثم بن طارق أمر بتخصيص نسبة من رأسمال الصندوق لتحفيز منظومة الاستثمار الجريء بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة والناشئة المسجلة في هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (ريادة).

وتقود ”ريادة‟ عمليا خطط الحكومة في هذا الجانب ولطالما حثت أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة على الانخراط في المبادرات التي وقعتها مع وزارة العمل للاستفادة من حزم البرامج الطموحة في هذا المضمار.

وتعول السلطات على الصندوق في كونه أحد أدوات تشجيع القطاع الخاص على الدخول في شراكات أو تمويل استثمارات مجدية في قطاعات التنويع الاقتصادي التي تستهدفها البلاد.

ويعد الاستثمار المُغامر شكلا من أشكال التمويل، الذي يوفر خطوط ائتمان أو قروض للشركات الناشئة التي تتمتع بإمكانات نمو عالية في المراحل المبكرة مقابل الحصول على حصة من الملكية.

وعادة ما تعتمد الشركات الناشئة ورواد الأعمال على الاستثمارات المغامرة كمصدر تمويل مهم لبناء نشاطها وتوسعته، وقد أخذت في التوسع في معظم أسواق منطقة الشرق الأوسط وخاصة في الإمارات والسعودية.

ويقول خبراء إن الاستثمار المُغامر لا يأخذ في المطلق شكلا نقديا فقط، بل يمكن أن يكون على شكل خبرة فنية أو إدارية، الأمر الذي يطيل مدة نشاط الشركة دون التعرض إلى عثرات قد تعقوها عن الاستمرار خاصة في أوقات الأزمات.

وتركز الحكومات في الكثير من الأحيان على تخصيص الاستثمار المُغامر للمشاريع المبتكرة، التي تتمتع بإمكانات نمو استثنائية أو للشركات التي نمت بسرعة فائقة ويبدو أنها مستعدة لمواصلة التوسع.

واعتبر قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن الصندوق سيسهم في تعزيز النشاط الاقتصادي ويشجع القطاع الخاص للدخول في شراكات أو تمويل مشاريع الاستثمارات المجدية في قطاعات التنويع.

كما أنه يسهم في تهيئة الظروف الملائمة للاستثمار في ظل تنافس دول العالم على جذب الاستثمارات.

ونقلت الوكالة العمانية عن اليوسف قوله إن “الصندوق يعد خطوة مهمة ومتقدمة ضمن الإجراءات التي تقوم بها الحكومة لتعزيز بيئة الأعمال، وتسهيل بدء الأعمال التجارية، وتهيئة مناخ جاذب للمستثمرين”.

وأوضح أن الصندوق يمثل رسالة قوامها الالتزام الرصين من السلطات بأنّ المستثمرين المحليين والأجانب شركاء في تحقيق أهداف تنويع مصادر الدخل ورفع إسهام الاستثمارات في الناتج المحلي وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال.

وتعمل مسقط منذ تولي السلطان هيثم الحكم في يناير 2020 على زيادة الاستثمار في مجال الابتكار بالتعويل على الكفاءات العمانية الشابة لقيادة زمام خطط الدولة مستقبلا ضمن خطة شاملة لتنويع الاقتصاد على أسس مستدامة.

وتعتبر التكنولوجيا والابتكار من بين عدة أدوات إستراتيجية تراهن عليها الحكومة لتعزيز دورها في الاقتصاد المحلي، كما هو الحال مع جيرانها الإمارات والسعودية والبحرين.

ولدى المسؤولين قناعة كبيرة بأن بلدهم لديه الفرص والإمكانات والأدوات اللازمة حتى يضع الاقتصاد على درب النهوض وتعزيز جاهزيته للمستقبل وتطوير حلول مبتكرة للتحديات القادمة لمواكبة متطلبات المرحلة المقبلة وصولا إلى تحقيق أهداف رؤية 2040.

وتهدف الرؤية التي بدأ تنفيذها في 2021 إلى تحسين تصنيف السلطنة في العديد من المؤشرات العالمية لتصبح من بين أفضل 20 دولة في العالم في مؤشر الابتكار العالمي ومؤشر التنافسية العالمي.

وتشير بيانات المنظمة العالمية للملكية الفكرية إلى أن عُمان تراجعت بثلاثة مراكز في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2022 لتصبح في المركز 79 من بين 132 بلدا في العالم.

وجاء هذا الترتيب على الرغم من تقدم البلد في مدخلات الابتكار بخمس مراتب، كما تقدمت في مخرجات الابتكار ثلاثة مراكز قياسا بمؤشر العام 2121 الذي حلت فيه بالمرتبة 76 على مستوى العالم.

وكان أعلى أداء في تقرير المنظمة ذلك المتعلق بركيزة الرأسمال البشري والبحث العلمي، وأقل أداء كان في ركيزة بيئة الأعمال. وأوضحت نتائج التقرير تقدّم السلطنة حيث حققت المرتبة التاسعة والعشرين عالميا في مؤشر الإنفاق على التعليم.

ويرتبط تأسيس الصندوق في جزء كبير منه بدعم برنامج “التعمين” الذي تنفذه مسقط ضمن سباق البحث عن سبل إزالة التحديات أمام تنمية سوق العمل، والذي تعول عليه كثيرا في مشروعها الطموح لإعادة بناء الاقتصاد.

ويرى فيصل الرواس رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان أن الكيان الجديد سيسهم في تحسين البنية الأساسية وسيطور الأعمال التجارية والاستثمارية وسيؤدي إلى زيادة فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.

وعلاوة على ذلك فإنه سيعمل على زيادة نسبة الاستثمارات الأجنبية ويعزز التجارة الدولية ويجذب المزيد من الاستثمارات والموارد، والذي من شأنه زيادة الإنتاجية والربحية للشركات في القطاع الخاص.

وقال إن “استثناء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من بعض الرسوم يساعد على تعزيز التنافسية في السوق، وتحسين البيئة التجارية، وتوفير بيئة مواتية لنمو الشركات الناشئة والمبتكرة”.

وأعلنت وزارة العمل في يناير الماضي أنها تستهدف توفير 35 ألف فرصة وظيفية جديدة خلال العام الجاري، سيكون للقطاع الخاص النصيب الأكبر عبر نحو 14 ألف فرصة عمل، بما يماثل الرقم ذاته الذي كانت قد حققته في العام الماضي.

وبفضل الفوائض المالية التي حققتها مستفيدة من أزمة أوكرانيا تعززت الجدارة الائتمانية لمسقط خلال الفترة الأخيرة من قبل مؤسستي موديز وفيتش، مما يفتح آفاقا أكبر للحكومة لترجمة خططها واقعيا ودون منغصات تذكر.