مسقط تعول على صندوق الثروة لبناء نموذج للاستثمار

جهاز الاستثمار يدعم جهود تحسين الجدارة الائتمانية للبلاد عبر حوكمة شركاته وتعزيز مرونتها المالية.
الخميس 2025/04/17
توطين الوظائف كذلك لا يقل أهمية

تعول سلطنة عمان على جهاز الاستثمار (صندوق الثروة السيادي) من أجل المساهمة في بناء نموذج لقيادة الأعمال، بينما تمضي الحكومة في تنفيذ أجندة الإصلاح الطموحة التي تستمر حتى نهاية العقد المقبل، بما يعزز تنافسية الاقتصاد ويدعم سياسة الانفتاح.

مسقط - أسهم جهاز الاستثمار العماني في تحسين التصنيف الاستثماري للبلد، والذي أكدته وكالة ستاندرد آند بورز في مارس الماضي عند مستوى بي.بي.بي- مع نظرة مستقبلية بتنفيذ حزمة من الإجراءات لحوكمة شركاته وخفض مديونيتها وتعزيز استدامتها المالية.

وأدمجت الحكومة في عام 2020 صندوقي ثروتها في كيان واحد، وهما صندوق الاحتياطي العام والصندوق العماني للاستثمار، وكانا يمتلكان مجتمعين في ذلك الوقت أصولا تقدر بنحو 17 مليار دولار.

ولا تمتلك عُمان احتياطات مالية كبيرة مثل جاراتها الثرية، وعلى رأسها الإمارات والسعودية والكويت، ولذلك تعمل على تحسين ظروف بيئة الأعمال سواء بالنسبة إلى الشركات الحكومية أو عبر تشجيع القطاع الخاص.

واستطاع الصندوق خفض مديونية الشركات التابعة له من 11.4 مليار ريال (29.65 مليار دولار) في عام 2021 إلى 23.93 مليار دولار حتى نهاية الربع الثالث من 2024، وفق ما أوردته وكالة الأنباء العمانية الرسمية الأربعاء.

ومن أبرز الشركات مجموعة أوكيو للطاقة التي شهدت تحسنًا ملموسًا في تصنيفها الائتماني، مع انخفاض نسبة الديون إلى الأرباح وتعزيز استدامة أدائها المالي والتشغيلي.

50

مليار دولار أصول الصندوق، تشمل التعدين والطاقة والعقارات والتكنولوجيا واللوجستيات

وإضافة إلى ذلك اجتازت شركة مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية اختبار موثوقية المقرضين بنجاح في أبريل الجاري، ما مكنها من تحرير ضمانات للمساهمين بأكثر من ملياري دولار.

كما عمل الجهاز على تحسين شروط القروض السابقة لشركاته التابعة عبر مفاوضات مع البنوك لتكون أقل كلفة وأكثر مرونة.

وفي مجال تعزيز الحوكمة المالية واستقلالية الشركات التابعة، عمل صندوق الثروة على تخفيض الضمانات الحكومية على قروض الشركات الكبرى مثل أوكيو والمجموعة العمانية العالمية للوجستيات (أسياد) وشركة نماء القابضة.

وانخفض مجموع الضمانات من 8.3 مليار دولار في عام 2021 إلى 4.68 مليار دولار بنهاية العام الماضي، إلى جانب إيقاف إصدار ضمانات حكومية على القروض الجديدة.

ويمَثّل هذا القرار تحولا إستراتيجيا أسهم في التقليل من المخاطر المالية على الدولة، وعزز قدرة الشركات على الاعتماد على إمكاناتها في الاستثمار والاقتراض لتمويل المشاريع الجديدة.

أما في ما يتعلق بحوكمة الشركات التابعة للجهاز فقد أطلق الجهاز في فبراير 2022 ميثاقًا موحدًا للحوكمة يضمن سلامة اتخاذ القرارات ووضوح الصلاحيات والمسؤوليات بين مختلف مستويات الإدارة.

كما هدفت السياسات المصاحبة للميثاق إلى ضبط إدارة الدين وضمان التزام الشركات بتطبيق معايير مالية شفافة ومنضبطة، يتم من خلالها تنظيم عمليتي الاستثمار وتنظيم القروض.

والهدف من ذلك هو الإسهام في تنظيم أعمالها، وتحسين أدائها المالي والتشغيلي، ومواءمة خططها مع خطط التنمية المستدامة، وتحقيق التوازن بين أهدافها الاقتصادية والإستراتيجية التي أنشئت من أجلها، وتشجيع الاستخدام الكفء للموارد فيها.

الاقتصاد العُماني حقق خلال السنوات الخمس الأخيرة تعافيا ملحوظا بفضل جهود التنويع وتعزيز الإيرادات غير النفطية وتوسيع قاعدة الإنتاج

كما عمل الصندوق على تعزيز مبادئ الشفافية في الشركات وألزمها بالإفصاحات المتعلقة بالأداء المالي، وهو ما أسهم في بناء الثقة مع وكالات التصنيف الائتماني والمؤسسات المالية الدولية.

وعلاوة على ذلك سعى عبر شراكاته الإستراتيجية إلى الإسهام في جلب الاستثمارات الخارجية لمشاريع في القطاعات الحيوية، الأمر الذي عزز احتياطيات العملات الصعبة.

وتُجسِّد هذه الإجراءات جهود الصندوق لتحقيق أهداف رؤية عُمان 2040، عبر تعزيز الثقة بالاقتصاد، والإسهام في بناء مستقبل قوي ومستدام، ودعم مكانة البلد كوجهة استثمارية موثوقة.

وعزز الجهاز أصوله منذ عام 2020 حتى عام 2023 مع زيادة حيازاته واستثماراته في محافظ مختلفة، منها التعدين والطاقة المتجددة والبنية التحتية والعقارات والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية والمشاريع الصناعية.

ولا توجد بيانات حديثه حول حجم أصوله، لكن المعلومات المنشورة على منصته الإلكترونية تشير إلى أنها بلغت في نهاية عام 2023 نحو 50 مليار دولار، فيما يعمل على بيع عدد من الأصول عبر الخصخصة.

وبحسب مراجعته السنوية حقق الصندوق، الذي يدير أصولا في خمسين بلدا، أرباحا تجاوزت 4.42 مليار دولار، مع ارتفاع العائد الاستثماري بنسبة 9.95 في المئة على أساس سنوي.

وركز في استثماراته الخارجيّة والمحليّة الجديدة على تنويعها جغرافيا، وفي قطاعات متنوّعة، وربط بعض الاستثمارات الخارجيّة بالقطاعات المحليّة المُستهدفة عبر نقل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة إليها.

الجهاز قلص الضمانات الحكومية على قروض شركاته، مثل أوكيو وأسياد ونماء، وجعلها تعتمد على ذاتها في أنشطتها

وكانت أبرز استثماراته الخارجية المباشرة في كل من شركة إلكترك هايدروجين وهايساتا الأسترالية وأور نكست إنيرجي الأميركية وصندوق بلاتينيوم الاستثماري وصندوق البنية الأساسية العالمية وصندوق فايف واي الصيني.

ووفق تقديرات سابقة يتركز الجزء الأكبر من أعماله في مجال الاستثمار بواقع 61 في المئة، فيما تتوزع حيازاته في أميركا الشمالية بنحو 17 في المئة، ثم أوروبا بحوالي 9.3 في المئة، تليها آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 4.7 في المئة.

وإلى غاية مطلع 2024 تمكّن الصندوق والشركات التابعة له من إتمام تسعة تخارجات ما بين بيع مباشر وطروحات في بورصة مسقط، الأمر الذي انعكس إيجابا على حجم التداول في البورصة من جهة والإسهام في جذب استثمارات خارجية من جهة أخرى.

وتظهر المؤشرات أن الاقتصاد العُماني حقق خلال السنوات الخمس الأخيرة تعافيا ملحوظا بفضل جهود التنويع وتعزيز الإيرادات غير النفطية وتوسيع قاعدة الإنتاج، ما أسهم في نمو الناتج الإجمالي وجذْب المزيد من الاستثمارات وتحفيز القطاع الخاص.

وتتوقع الحكومة أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.7 في المئة في عام 2025، في حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1 في المئة.

وبلغت القيمة التراكمية للاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2024 حوالي 69.44 مليار دولار، أي بتدفقات بلغت نحو 10.1 مليار دولار بمقارنة سنوية.

أما في ما يتعلق بملف الدين العام فقد شهد تطورات إيجابية نتيجة استمرار تنفيذ العديد من الإجراءات والمبادرات الحكومية التي أسهمت في ترشيد ورفع كفاءة الإنفاق، وزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية، إلى جانب ارتفاع أسعار النفط.

وتشير الإحصائيات إلى أن رصيد الدين العام للبلد انخفض ليبلغ نحو 37.45 مليار دولار أو ما نسبته 34 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام الماضي، مقارنة بنحو 67.9 في المئة مع نهاية عام 2020.

10