مسقط تعتمد أول نظام للتمويل السيادي المستدام في الخليج

سرّعت سلطنة عمان من وتيرة خطواتها نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ضمن برنامجها لمسح البصمة الكربونية وجذب المستثمرين البيئيين والاجتماعيين والحوكمة بتبنيها إطارا للتمويل السيادي المستدام هو الأول في منطقة الخليج العربي.
مسقط – تخطط مسقط بموجب مبادرة طموحة لإصدار أدوات مثل السندات الخضراء والاجتماعية وسندات الاستدامة، بالإضافة إلى القروض والصكوك والسندات الإسلامية والتي سيتم استخدام عائداتها لتمويل وإعادة تمويل مشاريع الطاقة البديلة.
وقالت وزارة المالية في تقرير يوضح تفاصيل قواعد جديدة للتمويل المستدام، إنه مع تعرض إمدادات الطاقة واحتياطيات الوقود الأحفوري لضغوط بسبب النمو السكاني والتنمية الصناعية السريعة، فإن “عمان تقدر إمكانات تقنيات الطاقة المتجددة”.
وأوضحت أن الإطار “هو الأول من نوعه بدول مجلس التعاون الخليجي، وسينظم عملية توفير أدوات التمويل المستدام التي تلبي أهداف التنمية المستدامة والمتوافقة مع المعايير والمبادئ الدولية لإطارات العمل الصادرة من رابطة أسواق المال الدولية”.
وأكدت أن الإطار سيضع ضوابط مرجعية لتمويل مشاريع القطاع الخاص، التي تحقق هذين البعدين، بالإضافة إلى تأكيد عزم السلطنة على تحقيق أهداف رؤية 2040 وخطة الحياد الصفري 2050 وأهداف التنمية المستدامة 2030.
وتتصور الرؤية، وهي خطة للتنمية الاقتصادية تم إطلاقها في عام 2021، أن تخفض البلاد حصة النفط من الناتج المحلي الإجمالي إلى 16 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي و8.4 في المئة بحلول 2040، بانخفاض من 39 في المئة خلال 2017.
ويتوقع أن يستقطب الإطار، الذي حصل على تقييم “جيد جدا” من وكالة موديز لخدمات المستثمرين، شريحة جديدة من المستثمرين المهتمين بتمويل المشاريع ذات الأثر البيئي والاجتماعي.
ويتكون الإطار الجديد من 14 قطاع منها 7 فئات للتمويل البيئي تتمثل في النقل النظيف والطاقة المتجددة ومكافحة التلوث والتكيف مع تغير المناخ وكفاءة الطاقة، والإدارة المستدامة للمياه والصرف الصحي والإدارة المستدامة للأراضي والموارد الحية الطبيعية.
كما يشمل 7 فئات للتمويل الاجتماعي تتمثل في بنية تحتية منخفضة التكلفة والوصول إلى الخدمات الأساسية للرعاية الصحية، والتعليم وإسكان منخفض التكلفة والأمن الغذائي والنظم الغذائية المستدامة.
وبجانب ذلك، تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة لدعم سوق العمل عبر توفير فرص عمل للعمانيين، وتمكين التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
وتسهم سياسات مسقط التنظيمية في قطاع الطاقة في جلب الاستثمارات الأجنبية سريعا، كما أن توافر الموارد الطبيعة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، عزّز دخول الشراكات الدولية لبناء مشاريع تشكل قيمة مضافة للاقتصاد.
وتطرح الحكومة ممثلة في وزارة الطاقة والمعادن بين الفينة والأخرى فرصا استثمارية جديدة أمام أصحاب المصلحة في قطاع الطاقات البديلة بما يشمل مزارع شمسية ورياح.
وتندرج هذه المشاريع في سياق إستراتيجية التحول الأخضر التي تعكف الحكومة على تنفيذها منذ فترة، أسوة بما تقوم به معظم دول الشرق الأوسط لمكافحة الاحتباس الحراري.
ويأتي ذلك في الوقت الذي بدأت فيه الخطوات نحو البنى الأساسية لمشاريع الهيدروجين، في ظل تحديد المواقع التي ستنشأ عليها ضمن توجه يكشف عن المنافسة القوية مع جيران السلطنة في منطقة الخليج العربي.
وسبق أن أكد فراس العبدواني مدير عام الطاقة المتجدّدة والهيدروجين بوزارة الطاقة، أن حجم الاستثمارات من المتوقع أن تصل إلى 50 مليار دولار مع التوسعات المستقبلية لهذا القطاع الذي تسارع فيه السلطنة لجلب رؤوس الأموال الضخمة.
الإطار الجديد للتمويل السيادي المستدام حصل على تقييم "جيد جدا" من وكالة موديز لخدمات المستثمرين
ويعد البلد الخليجي، الأضعف اقتصاديات بين جيرانه الخليجيين، واحدا من عدة دول في الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية ومصر والمغرب، التي تسعى إلى أن تصبح من كبار المصدرين للهيدروجين الأخضر في العقد المقبل.
وتهدف البلاد إلى إنتاج مليون طن على الأقل من الهيدروجين الأخضر سنويا بحلول نهاية هذا العقد، بحيث ترتفع إلى نحو 8 ملايين بحلول عام 2050.
وتقدر الحكومة أن الأمر سيتطلب استثمارات بنحو 140 مليار دولار للوصول إلى هذا الهدف، ما يعني أنها تحتاج إلى شركاء عالميين لهم قدرة على التخطيط والتنفيذ.
وستطلب عُمان منح ما لا يقل عن 20 في المئة من الطاقة المولدة في منطقة الدقم للشركات المملوكة للدولة التي تختارها الحكومة.
ويقول محللون إن الأمر يبدو إيجابيا أكثر للمستثمرين، الذين يظهرون أن لديهم اتفاقيات سارية مع المشترين المحتملين، حيث يمكن استخدام الهيدروجين الأخضر لتشغيل المصانع ومحطات الكهرباء والمركبات بما في ذلك الطائرات.
وتسعى مسقط كذلك إلى استخدام كميات من الهيدروجين من قبل الشركات المحلية لمساعدة البلاد على تحييد انبعاثات الكربون بحلول عام 2050.
وهناك مشاريع قادمة في الطاقة المتجددة، من بينها محطة عبري 3 للطاقة الشمسية، إلى جانب مشاريع لطاقة الرياح في العديد من محافظات البلاد.
مسقط تسعى إلى استخدام كميات من الهيدروجين من قبل الشركات المحلية لمساعدة البلاد على تحييد انبعاثات الكربون بحلول عام 2050
وتقول الحكومة إنها تتوقع أن يضخ القطاع الخاص حوالي 9 مليارات دولار في المشاريع المتعلقة بالطاقة المتجددة في البلاد وفق ما هو مخطط.
وقبل الجائحة، انطلقت الجهات الحكومية في تقييم موارد الرياح في مناطق من البلاد، من بينها محافظات الشرقية والوسطى وظفار، بهدف تدشين مشاريع لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح.
وتؤهل إمكانات البلد من توافر الموارد الطبيعية للطاقة المتجدّدة بأن تكون رائدة في هذا المجال، وهي حاليا في طليعة الدول عالميا من حيث استخدام الطاقة المستدامة.
ومشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أصبحت ماثلة في إنتاج الكهرباء النظيفة، الأمر الذي يشجع المستثمرين المحليين والدوليين في بناء المشاريع الخاصة بذلك، كما أن هناك توافقا في السياسات لإنتاج الكهرباء النظيفة مع دول المنطقة.
وبدأت تكتلات اقتصادية مثل الاتحاد الأوروبي منذ أكتوبر الماضي في وضع ضرائب على المنتجات التي لا تتوافق مع مصادر الطاقة النظيفة، ما يقلص هذه المنتجات في الأسواق.
ويأتي هذا المسار في ظل الضغوط الدولية للتأقلم مع الطاقة المتجددة، وهو توجه ينصب في مصلحة البلدان لتخفيف حدة الانبعاثات الكربونية الضارة، لاسيما في البلدان الصناعية الكبرى.
ويقول خبراء إن “المميزات التي تتمتع بها السلطنة ستمكنها من الاستفادة الاقتصادية من الطاقة المتجددة، ويمكن أن يتوازى ذلك مع اقتصاد النفط والغاز”.
وربطوا ذلك بالاهتمام أكثر بسلاسل التوريد والصناعات التحويلية لمنتجات الطاقة البديلة من أمونيا خضراء والهيدروجين المسال.