مسعود بارزاني يقود حملة دفاع دولية عن تجربة الحكم الذاتي في كردستان العراق

حراك دبلوماسي دولي كثيف صوب أربيل بعد الانتخابات البرلمانية في الإقليم.
الثلاثاء 2024/11/12
أربيل في دائرة الاهتمام الدولي من لندن إلى واشنطن مرورا بباريس وطوكيو

التواصل الكثيف لقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني مع سفراء وممثلي الدول الأجنبية في العراق يأتي في نطاق مقاربة براغماتية للحزب تقوم على تنمية العلاقة مع المجتمع الدولي حفاظا على استقرار إقليم كردستان وحماية لتجربته في الحكم الذاتي من ضغوط وتهديدات قوى محلية عراقية باتت تظهر نزوعا متزايدا نحو التدخّل في شؤون الإقليم والسطو على اختصاصات مؤسساته.

أربيل (العراق)- تظهر قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني ممثلة على الخصوص برئيس الحزب مسعود بارزني قدرا كبيرا من الحصافة السياسية بتركيزها الواضح على الحفاظ على العلاقات الدولية لإقليم كردستان العراق وتنميتها وذلك استباقا لمرحلة ضغوط متوقّعة من قبل القوى الشيعية الممسكة بزمام السلطة الاتحادية العراقية وذات العلاقة القوية بإيران صاحبة المصلحة في زعزعة استقرار تجربة الحكم الذاتي في الإقليم.

ويقود السياسي الكردي المخضرم حملة دفاع دولية عن تلك التجربة التي تحوّلت تدخلات بغداد في الشؤون الداخلية لسلطاتها ومحاولة التحكّم فيها باستخدام مزيج من الضغوط السياسية والمالية والقرارات القضائية بدفع من أحزاب وفصائل مسلحة مشاركة في تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى ظاهرة متنامية تنذر بتحجيم تلك التجربة وتقليص اختصاصاتها الدستورية.

وتزايدت التدخلات والضغوط بمناسبة الانتخابات التشريعية للإقليم وباتت مرشحة للتعاظم خلال الفترة المقبلة بعد إجراء تلك الانتخابات في العشرين من الشهر الماضي ودخول مسار تشكيل حكومة جديدة للإقليم ترغب مكونات المعسكر الإيراني في العراق والمتحالف مع الاتّحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني، في التحكّم بتركيبتها لتوجيه سياساتها لاحقا بما يتلاءم مع سياسة إيران في العراق وبما يخدم نفوذها.

◄ الحزب الديمقراطي يبدي قدرا من المرونة إزاء شركائه السياسيين وفي مقدمتهم حزب طالباني وذلك لتسهيل مهمة تشكيل الحكومة بالسلاسة المطلوبة

ويسلك الحزب الديمقراطي صاحب التجربة الواسعة في الحكم وإدارة شؤون كردسان العراق وعلاقاته مع بغداد ودول الجوار وبلدان العالم، نهجا مختلفا عن نهج منافسه الاتّحاد الوطني يقوم على إدارة العلاقة مع السلطة الاتّحادية وفق مقتضيات الدستور العراقي جنبا إلى جنب الحفاظ على علاقات متوازنة مع بلدان الجوار الإقليمي وتحديدا تركيا وإيران على سبيل التعاون والتنسيق ودون تحويل إقليم كردستان إلى مجال نفوذ لأي منهما.

كما تحرص قيادة الحزب على إقامة شبكة علاقات دولية للإقليم تعلم أنّها مفيدة في استقراره وحماية تجربته في الحكم الذاتي.

واستقبل مسعود بارزاني بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة وفي ظرف أقل من عشرة أيام سفراء كلّ من الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وفرنسا في لقاءات صدرت عنها إشارات بشأن ثقة تلك الدول في سلطات الإقليم ورغبتها في تمتين العلاقات معها وحرصها على استقرارها وتماسكها في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة التي أفرزت الحزب الديمقراطي الكردستاني فائزا بالمرتبة الأولى من حيث عدد المقاعد البرلمانية المتحصل عليها، بينما رسّخت منافسه الاتحاد الوطني كقوة سياسية ثانية ما يجعله شريكا أساسيا في تشكيل الحكومة الجديدة للإقليم.

لكنّ مشكلة لاحت في طريق تشكيل تلك الحكومة بالسرعة المطلوبة وما يقتضيه الظرف الإقليمي المتوتّر والظروف المحلية الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة، وتمثّلت في بوادر تشدّد الاتّحاد الوطني في اشتراطاته بشأن المناصب الحكومية التي يريد الحصول عليها خارج استحقاقه الانتخابي ووزنه السياسي الذي حدّدته صناديق الاقتراع.

وأظهرت كثافة حركة الدبلوماسيين الدوليين صوب إقليم كردستان العراق أنّ قضية تشكيل حكومته، وما يرتبط بها من استقرار، تحظى باهتمام عواصم عالمية.

وقد عبّرت سفيرة الولايات المتحدة لدى العراق ألينا رومانوسكي عن ذلك الاهتمام خلال زيارتها الإقليم ولقائها مسعود بارزاني، حيث علقت على اللقاء بالقول عبر حسابها في منصة إكس “اجتماع مثمر مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني لمناقشة الجهود الرامية إلى تشكيل الحكومة بدون تأخير بعد استكمال إجراء الانتخابات”، مؤكّدة “سوف نواصل العمل مع شركائنا في إقليم كردستان العراق من أجل تعزيز الأمن والاستقرار والسيادة العراقية”.

وفي نطاق حملة تمتين علاقات كردستان العراق مع القوى الفاعلة في المجتمع الدولي استقبل بارزاني الاثنين في مصيف صلاح الدين بأربيل باتريك دوريل السفير الفرنسي في العراق.

وأثنى السفير خلال اللقاء الذي حضره يان بريم القنصل العام الفرنسي في أربيل على نجاح انتخابات برلمان كردستان وارتفاع نسبة المشاركة الشعبية فيها.

وقالت وسائل إعلام محلية إنّ اللقاء شهد مناقشة وتقييم الأوضاع السياسية في العراق والمنطقة والعلاقات بين أربيل وبغداد وجرى التأكيد خلاله على دعم “الصداقة التي تجمع بين الشعبين الكردستاني والفرنسي”.

واعتبر بارزاني من جهته أنّ نسبة الإقبال المرتفعة من المواطنين على الانتخابات والتنظيم الناجح للعملية الانتخابية عاملان داعمان “للشرعية والمؤسساتية في الإقليم”.

وكان سفير اليابان لدى العراق فوتوشي ماتسوموتو أيضا ضمن الدبلوماسيين الأجانب الذين استقبلهم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني في وقت سابق من الأسبوع الماضي، في لقاء جاء بمناسبة انتهاء مهام السفير، وقام بارزاني خلاله بتوجيه رسائل قوية بشأن تمسكّه بمكتسبات الإقليم والإصرار على عدم التفريط فيها تحت أي ظرف، مؤكّدا أن “قضية شعب كردستان لن تتراجع إلى الوراء أبدا، وأن المكتسبات التي تحققت جاءت نتيجة التضحيات الكبيرة التي بذلها الشعب وليست منحة مقدمة من أي أحد أو جهة”.

وفي لقاء مماثل لبارزاني مع السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيتشن جرى في وقت سابق بأربيل بحضور القنصل البريطاني أندرو بيزلي تم التطرق إلى موضوع المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة المقبلة لإقليم كردستان، حيث أكّد زعيم الحزب الديمقراطي أن حزبه لا يضع فيتو على أحد بخصوص تشكيل الحكومة، مشدّدا على ضرورة أن تكون المحادثات في إطار وجود إقليم واحد وبرلمان واحد وحكومة واحدة وقوات بيشمركة واحدة.

وعكست مختلف تلك اللقاءات اهتماما دوليا بأوضاع كردستان العراق يبررّه ما يلوح من مصاعب وتعقيدات محتملة في طريق تشكيل الحكومة نظرا لاشتداد التنافس بين الطرفين الرئيسيين في المعادلة السياسية للإقليم وتزايد طموح الاتّحاد إلى تعظيم حصته في المناصب القيادية مُظهرا بوادر تشدّد في اشتراطاته ما قد يجعل من مفاوضات تشكيل الحكومة معقّدة وتأخذ وقتا أطول مما تحتمله ظروف الإقليم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما تتطلّبه توترات المنطقة من حوله من وجود سلطة متماسكة داخله كفيلة بمواجهة ما قد يستجدّ من طوارئ ومتغيّرات.

◄ هدف حزب بارزاني إقامة علاقات خارجية متوازنة للإقليم تحفظ مصالحه دون أن تجعله مجال نفوذ لأي طرف

ويبدي الحزب الديمقراطي قدرا من المرونة إزاء شركائه السياسيين وفي مقدمتهم حزب طالباني وذلك لتسهيل مهمة تشكيل الحكومة بالسلاسة المطلوبة. وقد أحاط مسعود بارزاني سفيرة الولايات المتحدة خلال لقائه معها علما بتشكيل حزبه فريقا للتفاوض مع الأطراف الأخرى حول تشكيل الحكومة العاشرة وتحديد أجندتها، لافتا إلى أن الحزب ليس لديه فيتو على أي جهة. وصدر عن لقاء بارزاني – رومانوسكي بحضور ستيف بيتنر القنصل العام الأميركي في أربيل بيان جاء فيه أنّ السفيرة أكدت “أن تنظيم انتخابات برلمان كردستان في أجواء ديمقراطية وسلمية، في ظل التوترات التي تمر بها المنطقة، يعكس الصورة الناصعة للإقليم أمام الجميع”.

كما ورد في البيان أنّه تمّ خلال اللقاء التباحث بشأن خطوات تشكيل الحكومة الجديدة في الإقليم والمفاوضات بين الأطراف السياسية وتسليط الضوء على الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وآخر المستجدات في الشرق الأوسط، وتم تبادل الرؤى ووجهات النظر حول العملية السياسية في العراق وانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب العراقي.

وتقيم الولايات المتحدة علاقات متينة مع سلطات الحكم الذاتي الذي كانت قد ساهمت بشكل فاعل في إرسائه بإقليم كردستان العراق، لكن العلاقة مع الأخير والاهتمام باستقراره يحظيان أيضا بدعم غربي أوسع نطاقا.

3