"مسرح الحرية" الفلسطيني.. يواجه الاحتلال بالمسرح

لا تتوقف وظيفة الفن المسرحي عند تقديم عروض ترفه عن المتلقي وتخلق له حالة من المتعة، أو التظهير بالمنطق الأرسطي سواء كان بالضحك أو البكاء، بل للمسرح وظيفة أعمق بكثير تتعلق بالمجتمع والفعل الثقافي وحتى التعليمي والتربوي، ومن هنا اتجهت العديد من المسارح إلى لعب أدوار تتجاوز العروض، وهذا ما انتهجه “مسرح الحرية” الفلسطيني.
قيس أبوسمرة
جنين (الضفة الغربية) - الشابة الفلسطينية رنين عودة، تدرب مجموعة من الشبان على فنون الرقص والأداء المسرحي، فيما يدرب زملاء آخرون لها مجموعات من الأطفال على الغناء والموسيقى وفنون السيرك.
كل ذلك يحدث في “مسرح الحرية” وسط مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين الذي يعد الأكثر سخونة، ويشهد دوريا اقتحامات ومعارك بين الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين.
مساحة للأطفال
تبدو الصورة بالمسرح الذي أنشئ عام 2006 مختلفة، يكسر القائمون عليه الصورة النمطية عن المخيم، ويقولون إنهم “وجه لمقاومة الاحتلال بطريقة إبداعية ثقافية”.
ويعد زكريا الزبيدي، قائد “كتائب شهداء الأقصى” التابعة لحركة فتح، المعتقل في السجون الإسرائيلية أحد أبرز مؤسسي المسرح، ما يجعله عرضة للاتهام من قبل إسرائيل بدعم “الإرهاب” من خلال أعمال ثقافية مسرحية.
عودة (30 عاما) التي تعمل مدربة وممثلة في المسرح منذ العام 2017 وكانت في ما سبق طالبة بمدرسة المسرح، تقول في حديثها إن مهمتها هي “خلق مساحة للأطفال لاكتشاف أنفسهم”.
المسرح قدم منذ تأسيسه في العام 2006 أربعين عملا مسرحيا عرضت في العديد من الدول متحدية حالات التشويه
وتضيف “نعيش في بقعة تعد الأكثر سخونة بفعل عمليات الجيش الإسرائيلي التي لم تتوقف، وفي بيئة مجتمعية محافظة، لذلك الأطفال وجيل الشباب بحاجة إلى فضاء لبناء أنفسهم”.
وتبدو عودة واثقة من عملها، وتقول “أستطيع أن أؤكد لك أن هذا الجيل سيكون قادرا على أن يعبر عن نفسه أينما وجد، قد يخرج منه الطبيب والمسرحي والمخرج وحتى الحرفي”.
تشارك عودة مجموعتها الشبابية والمكونة من 15 من الذكور والإناث، توجههم لأداء رقصة على أنغام موسيقية.
في قاعة مجاورة أخرى يغني مجموعة من الأطفال مع مدربهم على أنغام موسيقية، يقول آدم مصطفى (11 عاما) “من الجيد أننا نتعلم الموسيقى والتمثيل في المسرحيات، نحب المكان حيث يعطينا إحساسا بالأمن، نلعب ونتعلم، نشعر بالراحة في كل شيء نفعله”.
ويضيف “كثيرا ما نتوتر بفعل اقتحامات الجيش الإسرائيلي وسقوط شهداء، نشعر بالخوف ونبقى في البيوت، لكن البرامج في المسرح تروح عن أنفسنا وتشعرنا بالراحة”.
"مسرح الحرية" نسخة ثانية من "مسرح الحجارة" الذي تأسس في بيت عائلة الزبيدي بمخيم جنين عام 1987
يوافق يوم العشرين من يونيو يوم اللاجئ العالمي، وهؤلاء الشبان والأطفال يعيشون وأهاليهم حياة اللجوء منذ العام 1967، ويعيشون قهر الاحتلال ومرارة الفقدان مع كل عملية ينفذها الجيش الإسرائيلي.
ويشكل مخيم جنين أو “عش الدبابير” كما تسميه إسرائيل قلقا مستمرا لقادتها، ففي أبريل 2002 اجتاح الجيش الإسرائيلي المخيم خلال عملية “السور الواقي” وقتل 52 من سكانه.
ويعد “مسرح الحرية” نسخة ثانية من “مسرح الحجارة” الذي تأسس في بيت عائلة الزبيدي بمخيم جنين عام 1987 على يد الناشطة اليهودية آرنا مير، قبل أن تهدمه السلطات الإسرائيلية في عملية “السور الواقي”، بحسب مديره مصطفى شتا.
يسرد شتا تفاصيل طويلة حول تاريخ المسرح وحياة آرنا، ومن ثم نجلها جوليانو خميس (والده مسيحي فلسطيني من الناصرة)، ويقول إن “المسرح قاعدة من قواعد العمل الثقافي المقاوم”.
وقدم المسرح منذ تأسيسه في العام 2006 على يد زكريا الزبيدي وجوليانو خميس 40 عملا مسرحيا عرضت في العديد من الدول بينها الولايات المتحدة ودولة أوروبية.
وعادة ما تقام عروض مسرحية دورية بمسرح الحرية، ويقول شتا إن “مسرح الحرية اليوم يعد واحدا من أهم المسارح في فلسطين والمنطقة، يقصده الأجانب من مختلف دول العالم”.
جزء من المقاومة

مبنى المسرح مكون من عدة مرافق، أبرزها خشبة المسرح، وقاعات تدريب سيرك، وقاعات تدريب موسيقى وغناء ورقص ودبكة، إلى جانب مبيت للضيوف، وجميع هذه المرافق مستأجرة من منازل أهالي مخيم جنين.
ويقول شتا “في جنين ومخيمها مسرح وممثل ومخرج وعازف، وراقص”، وتابع “نحن شعب نحب الحياة لا القتل، لكن الاحتلال هو من يأتي بالقتل والدمار”.
يعتبر شتا أن “المسرح يشكل رسالة تعبيرية عما يحدث في فلسطين بشكل إبداعي، نعتبر أنفسنا جزءا من المقاومة بشكل إبداعي لنصل إلى أكبر عدد من الجمهور”.
ويضيف “لا يمكن أن ننسلخ عن الواقع، هناك من يقاوم بالبندقية ونحن نقاوم بالفن والمسرح والثقافة”.
يتحول المسرح إلى مركز معلوماتي لعدد كبير من أصدقائه حول العالم خلال الاقتحامات والاجتياحات الإسرائيلية، بحسب شتا.
ويوضح “نعمل على خلق جيل واع قادر على مواجهة التحديات المختلفة والتي يعد الاحتلال الإسرائيلي أهمها”.
ويتعرض المسرح والقائمون عليه إلى مضايقات إسرائيلية، ففي العام 2011 اغتيل مدير المسرح والمخرج جوليانو صليبا، ومنذ ذلك الحين لم يكشف عن الفاعل.
لكن مدير المسرح وغيره من زملائه على قناعة بأن إسرائيل خلف العمل ولو كانت الأداة غير إسرائيلية.
وتروج إسرائيل إلى أن مسرح الحرية “منظمة إرهابية تروج بطريقة إبداعية للإرهاب”، وفق زعمها.
ويقول مدير المسرح إن “رسائل عديدة وصلت إلى جامعات ومؤسسات أجنبية تشوه صورة المسرح لحثها على مقاطعتنا وحجب عروض مسرحية”.
ويشير إلى أن السلطات الإسرائيلية تعتقل أعضاء مجلس إدارة للمسرح، وتمنع آخرين من السفر.