مسرحيون تونسيون: تكرار عرض أعمال فنية وراء ترذيل المشهد الثقافي

حالة القنوات التلفزيونية الآن دون المستوى سواء من حيث محتوى البرامج الثقافية أو من حيث الديكور وتأثيث الفضاء.
الاثنين 2025/01/06
تشخيص موضوعي لواقع المسرح والثقافة

تونس - شهدت مدينة صفاقس بتونس السبت انعقاد لقاء حواري بمجموعة من المؤلفين والمسرحيين التونسيين، تضمن مداخلتين للفنانين المسرحيين الفاضل الجعايبي وجليلة بكار، حيث قدم كل واحد منهما قراءة للمشهد الثقافي والفني في البلاد وأهم التحديات التي يواجهها.

وخلال توصيفهما للمشهد المسرحي خاصة والفني عامة، حمّل الفنانان المسرحيان خلال اللقاء الذي حمل عنوان “المسرح من النص إلى الركح” (الخشبة)، المسؤولية إلى “السياسة الإعلامية الممنهجة الرامية إلى تتفيه فكر المواطن وترذيل المشهد الثقافي”، وكذلك اجترار عرض الإنتاج الدرامي السابق على غرار مسلسلات “شوفلي حل” ، و”الخطاب على الباب”، مؤكدين في هذا الصدد على دور المثقف في توعية المواطن.

واعتبرت الفنانة المسرحية جليلة بكار أن “حالة القنوات التلفزيونية الآن دون المستوى، سواء من حيث محتوى البرامج الثقافية وحتى من حيث الديكور وتأثيث الفضاء، فضلا عن أن منشطي اللقاءات والحورات الثقافية عادة ما يكونون من غير المختصين في تاريخ المسرح.”

تم الاتفاق خلال اللقاء الحواري على برمجة سلسلة من العروض للمسرحية الأخيرة للفاضل الجعايبي "آخر البحر"، وتنظيم ورشات تكوين وتأطير لفائدة المسرحيين بالجهة

وأكدت أن “المسؤولية مشتركة وكبيرة لاسيما في الجهات”، مشيرة إلى أنه “من غير المعقول أن المسرح الصيفي بمدينة صفاقس، الذي يعد من أجمل المسارح في الجمهورية التونسية، لا يتم فتحه إلا في المهرجانات الصيفية فقط، في حين أن من المفروض أن يتم فتحه على مدار السنة.”

من جهة أخرى، أبرزت جليلة بكار أهمية المسؤولية الفردية ودور المجتمع المدني في المطالبة بحق مدينة صفاقس، كقطب جامعي يضم العديد من المثقفين، في احتضان العروض المسرحية والموسيقية والسينمائية التي تعرض في تونس العاصمة.

وجليلة بكار هي واحدة من أهم المثقفات والفنانات المسرحيات في تونس، اشتغلت منذ العام 1973 في التمثيل والكتابة والإخراج، وشاركت في تأسيس المسرح الجديد بتونس سنة 1976. أثرت المسرح التونسي والعربي بكتاباتها وأدوارها على امتداد خمسين عاما. سنة 2003، حازت جائزة جمعية الكتاب والمؤلّفين المسرحيين للفرانكوفونيّة عن عملها عرب برلين. كما حازت جائزة محمود درويش سنة 2012. وهي عضو في المجمّع التونسي للعلوم والآداب والفنون. من أعمالها: “عرب برلين”، “كوميديا”، “فاميليا”، “البحث عن عائدة”، “جنون”، “خمسون”، “أمنيزيا”، “عنف”، “الخوف” و”ميتامورفوز 2”.

من ناحيته لاحظ الفنان المسرحي الفاضل الجعايبي أن التغيرات الديموغرافية والأجهزة التكوينية والإعلامية والتوعوية، والتغيير الحاصل في ذهنية وتركيبة الشارع التونسي، وراء انحسار المشهد الثقافي في مدينة صفاقس، التي كانت تعد ثاني أكبر وجهة للفنانين والمثقفين.

ودعا في هذا الصدد إلى “ضرورة تحريك سواكن الناشئة وتوعيتهم بأهمية الأنشطة الثقافية، من أجل مواكبة الأعمال الفنية القيمة عموما والمسرحية بصفة خاصة، والابتعاد عن الأعمال الفنية المبتذلة.”

والجعايبي واحد من أهم المثقفين التونسيين، وأحد أعمدة المسرح التونسي الحديث، وهو  مخرج ومؤلف مسرحي درس المسرح بالجامعة الفرنسية، شارك في تأسيس وإدارة عدة فرق مسرحية في تونس وفرنسا، وشغل منصب مدير عام المسرح الوطني التونسي في الفترة ما بين 2014 و2020.

وتم الاتفاق خلال اللقاء الحواري على برمجة سلسلة من العروض للمسرحية الأخيرة للفاضل الجعايبي “آخر البحر”، وتنظيم ورشات تكوين وتأطير لفائدة المسرحيين بالجهة.

جليلة بكار تؤكد على أهمية المسؤولية الفردية ودور المجتمع المدني في المطالبة بحق مدينة صفاقس، كقطب جامعي يضم العديد من المثقفين، في احتضان العروض المسرحية والموسيقية والسينمائية التي تعرض في تونس العاصمة
جليلة بكار تؤكد على أهمية المسؤولية الفردية ودور المجتمع المدني في المطالبة بحق مدينة صفاقس، في احتضان العروض المسرحية والموسيقية والسينمائية التي تعرض في تونس العاصمة

وكانت مسرحية “آخر البحر” قد أحدثت ضجة كبيرة في تونس خلال الموسم الثقافي والفني في صيف 2024 حيث تم إلغاء عرضها بمهرجان الحمامات الدولي، إلا أنها تمثل تونس في العديد من المحافل المسرحية الدولية وهي مسرحية مقتبسة من أسطورة ميديا الإغريقية، وتروي قصّة امرأة يمنية يدفعها البحث عن حياة أفضل إلى مغادرة اليمن إلى تونس، باعتبارها بلدا يتمتّع بالحقوق والحريات واحترام المرأة، لكنها تواجه فيه واقعا لا يقلّ سوءا عن ذلك الذي تركته وراءها.

والمسرحية التي عُرضت لأوّل مرّة في يناير العام الماضي، هي خامس مسرحية يُقدّمها الفاضل الجعايبي (1945) بعد ثورة العام 2011، وهي استكمال لمسرحياته الأربع: “تسونامي” (2013) و”العنف” (2015) و”الخوف” (2016) و”مارتير” (2020)، التي يتناول فيها الواقع التونسي بعد 2011.

يذكر أن اللقاء الحواري شفع بحفل توقيع كتاب “التمثيل وسؤال الكتابة المسرحيّة” الصادر عن دار الجنوب للنشر، وتخلل الحفل تكريم الكاتب والناشر الهادي الفراتي، الذي تتبع في هذا الكتاب مسيرة جليلة بكار منذ تجربة فرقة مسرح الجنوب بقفصة (جنوب غرب) في بداية سبعينات القرن الماضي، وكيف شكلت إلى جانب الفاضل الجعايبي ثنائيا بارزا في المسرح التونسي.

كما تم خلال الحفل السنوي للاحتفاء بالمؤلفين، تكريم 45 كاتبا موزعين على أدب الأطفال واليافعين والترجمة والرواية والقصة والشعر والدراسات.

14