مسرحيتان إماراتيتان تحفزان الأطفال على التفكير والتفاعل والإبداع

"الرقص مع الإيقاع" و"بيت الدمى" عالمان خياليان مليئان بالحكم.
الأربعاء 2022/12/28
التحدي ممكن دائما ("الرقص مع الإيقاع")

تجاوز مسرح الطفل النزعة التلقينية أو التعليمية إلى مجالات أكثر تشاركية مع الأطفال؛ إذ طفل اليوم المتشبع بالتكنولوجيا والمتاحة أمامه شتى المعارف بنقرة زر، يحتاج إلى أساليب جديدة في التعامل معه. ولعل المسرح، بصفته فنا تفاعليا، قادر على التأقلم بسلاسة مع أطفال اليوم، من خلال الدقة في التعامل والانفتاح أكثر على عوالم الطفل، وهو ما راهنت عليه مسرحيات النسخة الجديدة من مهرجان الإمارات لمسرح الطفل.

الشارقة- يمثل مهرجان الإمارات لمسرح الطفل مناسبة تتجاوز إطارها الفني والجمالي إلى حدث ثقافي متكامل، حدث يمثل رهانا على المستقبل من خلال استقطاب الأطفال وحثهم على التفكير والخلق والخيال، علاوة على تنمية مواهبهم.

وقدم المهرجان في نسخته السادسة عشرة مؤخرا عرضين استثارا اهتمام الأطفال والمتابعين على حد السواء، هما “الرقص مع الإيقاع” و”بيت الدمى”.

الإبداع يتحدى الواقع

قدمت مؤخرا في قصر الثقافة بالشارقة مسرحية “الرقص مع الإيقاع”، وهي من تأليف عثمان الشطي وإخراج محمد جمعة وإنتاج جمعية دبا الحصن للثقافة والفنون والتراث، وسط حضور جماهيري كبير.

تتمحور حكاية العرض حول فتاة ضريرة، تسعى لتحقيق حلمها الكبير بالمشاركة في مسابقة “الرقص مع الإيقاع” التي تنظمها إحدى المؤسسات الفنية، والتي سيذهب الفريق الفائز فيها إلى مسارح برودواي ليقدم عرضه الذي فاز فيه هناك، باعتبار أن هذه المسارح هي عنوان للشهرة، ولا يقدم على خشباتها إلا المتميز والمبهر.

بوكس

“بريق”، الفتاة التي لا تأبه بأي معوقات، عازمة على تحقيق الحلم، وتعاني من تنمر أصدقائها عليها لكونها كفيفة، الأمر الذي أثار حفيظة الكثيرين حينما قررت الاشتراك في تلك المسابقة، بدعم معنوي كبير من والدتها وصديقتها في المدرسة. ورغم معارضة أخيها، المنافس لها في المسابقة، ومعارضة صديقاتها في المدرسة، ترأست فريق “الأرانب” الذي يتنافس مع فريق “الثعابين” وفريق “الذئاب” على الفوز.

وأعلن منظم المسابقة عن التحديات الثلاثة التي سيخوضها المتنافسون، وهي تحدي الحب وتحدي السلام وتحدي النجاح. وبسبب العراقيل والحيل التي وضعتها إحدى منافسات بريق من الفريق الآخر أمام بريق وفريقها، وفي يوم ماطر، تضل بريق طريق عودتها إلى المخيم، مكان إقامة المسابقة، بسبب تلك الفتاة المتنمرة والماكرة التي سرقت منها عصاها التي تتكئ عليها ولا يمكنها السير بدونها، فيخسر فريق بريق ويفوز الفريق الآخر. غير أن لجنة تحكيم المسابقة تقرر منح بريق لقب الفتاة المثالية في المسابقة، كونها سامحت تلك الفتاة الشريرة، على ما فعلته بها، وكانت عونا للمشاركين في المسابقة، ليتحقق حلم بريق وتنال فرصة الذهاب إلى برودواي وعرض إبداعها الفني هناك.

تؤكد المسرحية على أن الإرادة تصنع المستحيل، وأن الدعم الذي يتلقاه المبدعون من بيئتهم المحيطة، في البيت والعمل والمدرسة، هو الذي يصنع الفارق ويساهم في تحقيق أحلام المجتهدين والمتميزين. كذلك تبرهن هذه المسرحية على أن الإعاقة ليست سببا للتقوقع والانعزال عن الناس، بل من الممكن جعلها دافعا ومحفزا على تحقيق ما كان يبدو مستحيلا وعجز الأصحاء عن تحقيقه. المسرحية أيضا تنبذ التنمر، وتحث زملاء الدراسة على التعاون مع أصحاب الهمم، بدلا من السخرية منهم، فهم لا دخل لهم في ما حدث لهم من إعاقة بصرية أو جسدية، لذلك جاءت المسرحية لتؤكد على مقولة أن لكل مجتهد نصيبا، سواء كان معافى أم من أصحاب الهمم.

أدى أدوار البطولة في العرض الفنانون: عادل سبيت، دلال شرايبي، عبدالله عبدالرحمن، أحمد علي محمد عبدالله، عيسى مراد، خليفة ناصر، عاليا خالد، دينا بدر، صلاح صيا، يسرى كيبرون، كريم النوري، فؤاد رضا، نبيل محمد، أنور همراس، اكناسيا كوفري، سارة بن عمار، كليسيل أباتول، سيبا رعد، وآخرون. وتضمن هذا العمل اشتغالات بصرية مبهرة، جذبت إليه جمهور الكبار أيضا، بالإضافة إلى الأغاني والرقصات التي أبهرت كل من كان في قاعة العرض.

وذكر مخرج العرض في كلمته التي جاءت في دليل العرض الذي وزع على الجمهور “في هذا العمل نقدم الجديد على أمل التغيير، هي مغامرة جريئة نخرج بها عن المألوف لنحاكي فيها الطفل وجميع أفراد العائلة. فمن الجميل أن نخاطب الطفل بكل ما يفوق تصوراته من حكاية وصورة مسرحية نجعله يتفاعل معها”.

الحفاظ على الفن

◙ الصداقة والفن هما الأهم ("بيت الدمى")
الصداقة والفن هما الأهم ("بيت الدمى")

قدم مسرح دبي الوطني، مساء الإثنين السادس والعشرين من ديسمبر مسرحية “بيت الدمى”، وهي من تأليف علي جمال وإخراج عبدالله صالح، وتندرج ضمن عروض مهرجان الإمارات لمسرح الطفل في دورته السادسة عشرة، وسط حضور جماهيري غفير.

وتدور حكاية العرض حول أعضاء فرقة مسرحية تتقطع بهم السبل بعد وفاة والدهم مؤسس هذه الفرقة، حيث يدب الكسل والمشاكل بين أعضاء الفرقة الواحدة، خصوصا بين الأخ والأخت؛ ذلك أن الأخ يريد أن يبيع المسرح، والأخت تريد إعادة إحياء المسرح وتقديم العروض من جديد. يستغل ذلك التناحرَ بين الإخوة السمسار الذي لا يهمه سوى موافقة الإخوة على بيع المسرح، والاستفادة من النقود التي سيحصل عليها من التاجر الذي سيشتري المسرح، والذي بدوره هو أيضا لا يهتم بشؤون المسرح أو ما سيؤول إليه المكان.

مسرحية "الرقص مع الإيقاع" تؤكد أن الإرادة تصنع المستحيل ودعم المبدعين من محيطهم يخلق الفارق

يتفرق أعضاء الفرقة، ويباع المسرح بعد ما وقعت على الأخت ضغوط من أخيها أجبرتها على الموافقة، ويختار بعض أعضاء الفرقة الركون إلى التجارة، ولكنهم يفشلون في امتهان هذه المهنة. غير أن الإرادة القوية تصنع المستحيل، ورغم حزنها وألمها تواصل الأخت عروضها في عربتها الخاصة، وتقدم مسرحيات يمثلها الدمى للجمهور، بينما ينال الأخ جزاء تفريطه في المسرح، إذ سُرِقت نقوده التي أخذها من التاجر، ليكتشف أنه بعيداً عن أخته ورفاق دربه لا قيمة له، فيندم ويعود إلى الفرقة وتعاود الفرقة عروضها من جديد.

أدى أدوار البطولة في هذا العرض كل من الفنانين رنيم محمد وعبدالعزيز حبيب وجاسم يعقوب وفؤاد القحطاني وعبدالعزيز أنور وميرة علي. وتميز العمل بالأداء المسرحي الجيد والسينوغرافيا التي سعت إلى أن تكون جزءا متمما لخطاب العرض. كذلك وظف المخرج خيال الظل ومسرح الدمى في إيصال رؤيته الإخراجية، كما تميزت الأغاني التي كتبها ولحنها مخرج العرض بقربها من الأطفال، في عمل مسرحي حوى الكثير من الرسائل الموجهة إلى الأطفال، أهمها التأكيد على قيمة الأخوة والصداقة، ونبذ الأنانية، وعدم التفريط في الإرث الثقافي والفني من أجل المال.

13