مسرحية عمانية تكشف كيف يتحول البشر إلى كائنات غريبة

عمر الخروصي
مسقط - تتعدد قراءة مسرحية “لن أكون خرتيتا” للكاتب العماني سعيد الدرمكي بتعدد قراءة الحال أو الواقع، لتنفتح بذلك على التأويل واتساع الدلالة.
تضمنت المسرحية، الصادرة حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن، ثلاثة فصول تتسم مشاهدها بالتكثيف وبتوظيف الخرتيت توظيفا رمزيا. وإذا كان المسرح يعنى بالمعايشة، أي اهتمامه بطرح قضايا الواقع؛ فإن اللغة المعيارية البسيطة أو اللغة الوسطى والدارجة في “لن أكون خرتيتا” قد وظفت تماما لبلوغ تلك الغاية.
تبدأ المسرحية بمشهد حوار بين “بدر” و”نغموش” يظهر فيه الأخير متأخرا على صديقه في المجيء، ليبدأ “بدر” بتوبيخه على عدم انتظام حياته، ثم ينتقل المشهد إلى شخصين آخرين للحديث عن حادثة سرقة يمكن أن توجه في قراءة المسرحية، ويعود المشهد في الفصل نفسه إلى “نغموش” و”بدر” لتظهر بعدها “خراتيت” ذات حجم ضخم تصيبهما بالذعر، ومع ظهور هذه المخلوقات الغريبة والمروعة تبدأ الخرافات حول ماهيتها.
ويبين الفصل الثاني تأثير الخراتيت في سير حياة الناس لتصبح شغلهم الشاغل، إذ يبدأون بالتحول إلى خراتيت هم أيضا، لتتجلى في الفصل الثالث قوة الإرادة عند الإنسان؛ فحينما يتحول الناس كلهم إلى خراتيت، يرفض “نغموش” هذا المصير.
ويبدأ الحوار في الفصل الأخير بين “نغموش” و”ياسمين” ممثلا قراءات متعددة للمسرحية؛ إذ يصر “نغموش” على موقفه الرافض للتحول إلى “خرتيت” لتنتهي المسرحية بإصراره على الإرادة “بالإرادة، بالإرادة فقط راح أحمي العالم، راح أحمي العالم. وبالإرادة راح أبقى إنسان راح أبقى إنسان، ما راح أكون خرتيت، ما راح أكون خرتيت”.
وما إن تنتهي المسرحية حتى تتشكل لدى القارئ قراءات متعددة لها بالرغم من قصر حجمها الذي ترك للرمز المكثف أن يضفي معاني دلالية على النص. ويمكن أن يستشف من متن المسرحية نقدٌ أو تمثيلٌ لواقع جمعي كما تصوره المسرحية برمزها “الخرتيت” ومناقضه “الإرادة”.
ويشتمل الكتاب على قراءة للناقد المسرحي الفلسطيني تحسين يقين جاء فيها “إنه نص الأمل بالفعل وامتلاك إرادته، أوصلنا إياه الكاتب عبر اختبار أدبي إنساني وجدنا فيه أنفسنا مشاهدين ومشاركين ومتسائلين بيننا وبين أنفسنا وبيننا بين الآخرين عن دورنا هنا، في ظل التحول الذي غزا الناس، فهل سنكتفي بالكلام السهل عن المعاني والقيم؟ أم سنفعل ما نؤمن به فعلا في ظل صعوبة البقاء دون تحول؟”.
ويضيف يقين “نحن إزاء نص بأحداث صادمة لا نصدقها في البداية حتى تقترب من كل واحد منا، وليس فقط بالنسبة إلى شخصية نغموش؛ فالرمزية للخرتيت واضحة وجميلة، والفعل كذلك؛ إذ تبقى النفس الإنسانية بين الأمل واليأس، وكل وما يختاره، وكل وخلاصه الفردي، لكنّ خلاصا عاما لن يتحقق في ظل الانغماس في الخلاص الشخصي، بل سيكون ذلك الخلاص غير حقيقي ومعرضا للانهيار”.
كما تناول الكاتب الأردني أحمد فراس الطراونة المسرحية بقراءة ضمنت في الكتاب جاء فيها “يركز الدرمكي في نصه على تثوير مفاصل الحكاية ومداراتها المكتوبة وبناءاتها السردية من خلال الحوار الواضح والبسيط والبعيد عن التكليف والغموض، ليلتقي مع القارئ في مكان وسيط بينهما من أجل التقاط ما يحرر الصورة الذهنية ويعيد إنشاءها وفق تأويل جديد يستند إلى ما وراء النص أو بعض مقولاته من أجل بناء الفكرة الجمالية بمجملها”.
ويشير الطراونة إلى أن حكاية المسرحية “تعكس ثراء وغنى بعيدا عن نص العرض لاحقا الذي سيكون لحظة تأويل أخرى”، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل: هل يمكن الاكتفاء بقراءة هذا النص فقط لإيجاد المتعة وتوليد الطاقات التخييلية، أم لا بد من إعادة تخيله وفق رؤية فنية جديدة على خشبة المسرح ليكون أكثر قدرة على التأثير وتسويغ محمولاته الفكرية والإنسانية؟
وتابع بقوله “بعيدا عن بساطة النص في ظاهره، فإن قراءة النص المسرحي لتقديمه على الخشبة مغامرة تحتاج إلى قدرات ومهارات من نوع مختلف للالتفاف عليه والإمساك بخيوطه وتشريح جسده في الطريق إلى بناء نص بصري متخيل لا غنى عنه يقودنا إلى إدراك النص الأصلي، وهذه مهمة إخراجية لا بد للقارئ أن يمتلك القدرة على النهوض بها، خاصة في نص تشابهت فيه الخراتيت في ملامحها فوجدنا أنفسنا أكثر تورطا وغرقا في نص فكري غرائبي مسهب في التخيل”.
يذكر أن الكاتب سعيد الدرمكي حاصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال، وهو محكم لعدد من المجلات العلمية وأستاذ أكاديمي غير متفرغ في عدد من الجامعات والكليات في سلطنة عمان. صدرت له مجموعة قصصية بعنوان “شمعة الميلاد” سنة 2023.