مستوى قياسي لإيرادات تسعير الكربون عالميا

واشنطن- رصد البنك الدولي نمو مطردا في إيرادات تسعير الكربون على مستوى العالم، ما يعكس الاهتمام الواسع بخفض الانبعاثات رغم أن الطريق لا يزال طويلا لمعرفة مدى نجاح مثل هذه الأدوات لمكافحة التغير المناخي.
ووفقا لتقرير “حالة واتجاهات تسعير الكربون 2024” الذي أصدره البنك مؤخرا بلغت إيرادات تسعير الكربون في العام الماضي رقما قياسيا قدره 104 مليارات دولار بنسبة نمو تقدر بنحو 5 في المئة على أساس سنوي. ومن خلال تفعيل 75 أداة لتسعير الكربون عالميا، تم استخدام أكثر من نصف حصيلة الإيرادات لتمويل البرامج المرتبطة بالمناخ والطبيعة.
وآليات التسعير الأساسية هي ضريبة الكربون ونظام تداول الانبعاثات (إي.تي.أس) المعروف أيضًا باسم “الحد الأقصى والتجارة”، وتشمل الأدوات الأخرى التسعير الداخلي، وتمويل المناخ على أساس النتائج وتعويض الكربون.
وقال أكسيل فان تروتسنبرغ المدير المنتدب الأول بالبنك: “يمكن أن يكون تسعير الكربون من أقوى الأدوات لمساعدة البلدان على الحد من الانبعاثات”. وأضاف في بيان أوردته منصة البنك “لهذا السبب، من الجيد أن نرى هذه الأدوات تتوسع لتشمل قطاعات جديدة، وتصبح أكثر قدرة على التكيف وتستكمل التدابير الأخرى”.
104
مليارات دولار قيمة العوائد بنمو قدره 5 في المئة بمقارنة سنوية، وفق البنك الدولي
ويساعد تقرير البنك الدولي على توسيع قاعدة المعارف لواضعي السياسات حتى يتسنى لهم فهم الأساليب التي تحقق النجاح المطلوب، والأسباب الداعية إلى زيادة نطاق التغطية والتسعير بهدف خفض الانبعاثات”. وتتتبع المؤسسة المالية الدولية المانحة أسواق الكربون منذ نحو عقدين من الزمان، وهذا هو تقريره السنوي الحادي عشر عن تسعير الكربون.
وعندما صدر التقرير الأول، كانت ضرائب الكربون وأنظمة الاتجار في الانبعاثات تغطي 7 في المئة فقط من الانبعاثات في العالم. ووفقا لتقرير عام 2024، تمت تغطية 24 في المئة من الانبعاثات العالمية الآن.
وتدفع الخلافات بين الدول حول إقرار سعر موحد للكربون الكثير من الشركات العالمية الكبرى إلى اعتماد منتجات خاصة بها تنسجم مع البيئة رغم السجال الدائر بين المحللين حول قدرة قطاع الأعمال على تحقيق أهداف خفض الانبعاثات وفق ما هو مخطط.
وتحدد قائمة متزايدة من الشركات سعرا على كل طن من انبعاثاتها، وتتطلع إلى تشكيل استثماراتها وأعمالها من أجل ضرائب التلوث المستقبلية أو غيرها من القواعد المناخية الجديدة. وتبدو أسعار هذه الشركات مرتفعة للغاية، وهي تتراوح من أقل من دولار واحد للطن إلى 1600 دولار، كالذي حددته شركة الأدوية أمجن الأميركية ومقرها كاليفورنيا.
وعرض المنظمون مجموعة من الأسعار، بما في ذلك الكلفة الاجتماعية للكربون، والتي اقترحتها الولايات المتحدة، والبالغة نحو 200 دولار، بينما اقترح صندوق النقد الدولي بأن تكون 85 دولارا على الأقل بحلول 2030.
وكان دمج تكلفة الكربون وانبعاثات الغازات الدفيئة الأخرى في قرارات الأعمال حلما لنشطاء المناخ لعقود من الزمن كوسيلة لإجبار الشركات على خفض الانبعاثات. وتظهر نتائج تقرير البنك الدولي أن الدول الكبرى متوسطة الدخل، بما في ذلك البرازيل والهند وشيلي وكولومبيا وتركيا تخطو نحو تنفيذ سياسات تسعير الكربون.
ومع أن القطاعات التقليدية مثل الكهرباء والصناعة، لا تزال تهيمن على المشهد، يجري النظر بعين الاعتبار على نحو متزايد في تسعير الكربون في قطاعات جديدة مثل الطيران والشحن والنفايات.
كما أن آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون، التي تمر حاليا بمرحلة انتقالية، تشجع الحكومات على النظر بعين الاعتبار في تسعير الكربون لقطاعات مثل الحديد والصلب والألمنيوم والإسمنت والأسمدة والكهرباء.
ويتزايد استخدام الحكومات لأطر اعتمادات الكربون لجذب المزيد من التمويل من خلال أسواق الكربون الطوعية وتسهيل المشاركة في أسواق الامتثال الدولية. ورغم أن المستوي القياسي للإيرادات ومعدلات النمو، لا تزال تغطيه أسعار الكربون العالمية، لكن مستوياتها منخفضة للغاية بحيث لا يمكن معها الوفاء بأهداف اتفاق باريس للمناخ.
وحاليا، هناك أقل من واحد في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية يغطيها سعر مباشر للكربون عند نطاق أوصت به اللجنة رفيعة المستوى المعنية بأسعار الكربون للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين أو أعلى من هذا النطاق.
ومع تطور الاتجاهات، وتزايد الطلب الطوعي، والدعوات إلى اعتمادها على نطاق أوسع، بات من الواضح على نحو متزايد أن تسعير الكربون ضروري لدفع الجهود نحو مستقبل مستدام وخالي من الكربون. ويشير معدو تقرير تسعير الكربون الصادر عن البنك الدولي لهذا العام إلى أن سد الفجوة في التنفيذ بين الالتزامات المناخية للبلدان وسياساتها سيتطلب التزاما سياسيا كبيرا للغاية.