مستقبل ميناء الفاو على المحك مع تقدم الربط السككي بين العراق وإيران

مشروع الربط السككي البصرة- الشلامجة يهدد طموحات ميناء الفاو الكبير بتحويل "طريق التنمية" لممر بضائع إيرانية لا منفعة للعراق منه.
الاثنين 2025/05/26
مشروع تجاري لإيران بصبغة دينية

بغداد – تجددت المخاوف بقوة في بغداد مع استئناف مباحثات الربط السككي بين العراق وإيران، لتلقي بظلالها على مستقبل ميناء الفاو الكبير، مع إعلان وزير النقل العراقي رزاق محيبس السعداوي عن تقدم كبير في مشروع "البصرة-الشلامجة" خلال لقائه وزيرة الطرق وبناء المدن الإيرانية، فرزانة صادق، لتتصاعد التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا المشروع، وما إذا كان سيخدم المصالح الإيرانية على حساب الطموحات الاقتصادية العراقية.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية، عن محيبس، قوله الأحد "بحثنا مع الجانب الإيراني ملفات عدة تتعلق بقطاع النقل وسبل تطويره، وتعزيز الشراكة والتعاون بين العراق والجمهورية الإسلامية في جميع مجالات النقل، سواء البري أو البحري أو الجوي".

وأوضح، أن "من أبرز المشاريع التي تم بحثها هو مشروع البصرة- الشلامجة الاستراتيجي، الذي يهدف إلى تسهيل نقل المسافرين، لا سيما زوار الإمام الحسين"، مشيرا إلى "مناقشة سبل توفير وسائل نقل مريحة خلال زيارة الأربعين، وتسهيل حركة الزوار من الحدود إلى كربلاء وبالعكس".

وأضاف وزير النقل "تناولنا تعزيز أسطول الخطوط الجوية العراقية، لتسهيل نقل الزوار من إيران إلى العراق والعكس، إلى جانب مناقشة تفعيل مشاريع النقل البحري، والربط السككي بين البلدين، خصوصا المقترحات المتعلقة بخط كسرى وخانقين وصولا إلى بغداد".

وأكد، أن "العمل جار حاليا في مشروع البصرة- الشلامجة، وأن نسب الإنجاز متقدمة، حيث ستباشر الشركة الإسبانية المنفذة أعمالها قريبا، في وقت تواصل فيه الشركات الإيرانية العمل ليلا ونهارا على إزالة الألغام، وإنشاء الجسر ذي الفتحة الملاحية".

ومن جانبها، أكدت وزيرة الطرق وبناء المدن في إيران، فرزانة صادق، للوكالة الرسمية، أن "ملف النقل بين البلدين يحظى بأهمية خاصة، لا سيما في ما يتعلق بنقل الزوار خلال موسم الأربعين، وقد تم بحث مشروعين مهمين في هذا الإطار، الأول هو مشروع ربط خسروي بخانقين، والثاني مشروع الربط السككي بين البصرة والشلامجة".

وتابعت، أن "المباحثات شملت أيضا مشروع الربط السككي بين البصرة والشلامجة، حيث عُقد اجتماع بين مسؤولي السكك الحديدية في كلا البلدين، وجرى بحث آليات نقل المسافرين وتسهيل حركتهم".

وأشارت، إلى أن "الزيادة الكبيرة في أعداد المسافرين خلال موسم الأربعين، تتطلب تعاونا وثيقا في مجال النقل الجوي أيضا"، مبينة أنه "من المقرر عقد اجتماعات بين المسؤولين في البلدين بعد عيد الأضحى المبارك، لمواصلة مناقشة هذا الملف".

وشهد مشروع الربط السككي بين العراق وإيران مسارا طويلا من النقاشات والاتفاقيات، بدأ فعليا منذ سنوات طويلة، ووصل إلى مراحل متقدمة في السنوات الأخيرة.

ففي مطلع أبريل 2023، أعلن وزير النقل العراقي عن عقد اتفاق مع الجانب الإيراني على تنفيذ سكة حديد لنقل المسافرين بين مدينتي الشلامجة والبصرة، خلال وجوده في إيران بزيارة رسمية، كما تضمن العقد البدء بعمليات إزالة الألغام المزروعة منذ حرب الثماني سنوات بين البلدين، في المناطق الحدودية، إلى جانب إنشاء جسر متحرك على شط العرب، على أن يجري إنجازه خلال عام ونصف.

ووضع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني في مطلع سبتمبر 2023 حجر الأساس لمشروع الربط السككي في منفذ الشلامجة الحدودي بمحافظة البصرة، وأكد أهمية المشروع في نقل المسافرين وزائري العتبات الدينية من إيران وبلدان وسط آسيا، فيما بين أن المشروع خضع لسنوات من النقاش، وتم الاتفاق على إكماله بين العراق وإيران عام 2021.

وفي سبتمبر 2023 وضع رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، حجر الأساس لهذا المشروع في منفذ الشلامجة الحدودي بمحافظة البصرة، وأكد حينها على الأهمية الكبيرة للمشروع في تسهيل نقل المسافرين وزوار العتبات الدينية من إيران وبلدان وسط آسيا، مشيراً إلى أن المشروع خضع لسنوات طويلة من النقاش وتم الاتفاق على إكماله بين العراق وإيران في عام 2021.

وكانت المفاوضات قد وصلت إلى مراحلها النهائية في مايو 2021، وفقا لما أعلنه رئيس الحكومة السابق، مصطفى الكاظمي.

بالرغم من التركيز على تسهيل حركة الزوار، تثير قضية الربط السككي بين البلدين مخاوف جدية لدى المراقبين والمختصين الاقتصاديين، الذين يخشون تحول هذا الربط إلى وسيلة لنقل البضائع بين ميناء الإمام الخميني الإيراني والبصرة، مما سيؤثر سلبا وبشكل مباشر على نشاط ميناء الفاو الكبير، المشروع العراقي الطموح الذي يهدف إلى أن يكون محطة إقليمية رئيسية.

وكشفت تقارير فنية عن تفاصيل مثيرة للقلق في الاتفاقية التي وقعها العراق عام 2021 مع إيران بشأن الربط السككي، والتي نصت على أن الحمولة المحورية للسكك، سوف تكون بقيمة 25 طنا، وهي قيمة تستخدم بشكل أساسي لغرض نقل البضائع الثقيلة. في حين تبلغ قيمة مثيلتها المستخدمة لنقل المسافرين 14 طنا، وهذا التباين الفني يعزز الشكوك حول النية الحقيقية للمشروع.

ويحذر خبراء اقتصاديون ووزراء سابقون من أن الهدف الرئيسي من هذا الخط هو استغلال إيران لموانئها على الخليج لتكون هي الممر الرئيسي المؤدي إلى "طريق التنمية" الذي يزمع العراق بناءه لربط موانئه بالبحر المتوسط عبر تركيا.

ويشير المراقبون إلى أن بينما ما يزال ميناء الفاو الكبير قيد الإنشاء ويحتاج لسنوات لاستكمال بنيته التحتية، فإن موانئ إيران جاهزة للعمل. وهو ما يعني أن "طريق التنمية" سيكون من الناحية العملية طريقا لتنمية إيران، بينما يكتفي العراق بأن يكون مجرد ممر.

ونبه وزير النقل الأسبق، والنائب الحالي عامر عبدالجبار، في وقت سابق إلى "التناقض في تصريحات رئيس الحكومة محمد شياع السوداني قبل وبعد تسنمه منصب رئيس الحكومة، بشأن الربط السككي مع إيران"، محذرا من "حجم الخطورة الاقتصادية لهذا الربط على العراق والعراقيين".

وأضاف عبدالجبار أن "هذا المشروع هدفه تجاري، وليس لنقل الزائرين كما تروج حكومة السوداني، فهو سيصب بصالح إيران على حساب العراق، وهذا الأمر يتطلب وقفة جادة لمنعه بكل الطرق القانونية الممكنة من قبل مجلس النواب، أو من خلال المحكمة الاتحادية العليا وغيرها من الطرق".

وما تزال الأشغال الخاصة بميناء الفاو تتعثر منذ عدة سنوات، لأن إيران كانت تريد أن يتم الربط السككي مع البصرة أولا. وتذهب التوقعات إلى أن الأجزاء الأخرى من "طريق التنمية" سوف تتم قبل أن يصبح ميناء الفاو جاهزا للعمل، مما يجعل الهدف من الربط السككي هو خدمة الموانئ الإيرانية حصرا.

وحذر عبدالجبار من "الربط السككي مع إيران، لأن من شأنه قتل ميناء الفاو الكبير، وإصابة كافة القطارات العراقية بالضرر، فإيران ستستخدم هذا الربط من أجل نقل بضائعها للعراق وعبره إلى دول المنطقة".

ويمثل مشروع الربط السككي بين البصرة والشلامجة، بطول يبلغ 32 كيلومترا من جانب العراق، نقطة ارتكاز المباحثات الأخيرة، ويُقدم رسميا كشريان حيوي لتسهيل حركة الملايين من الزوار.

ويتجه هذا الخط من منفذ الشلامجة الحدودي الإيراني نحو مدينة البصرة العراقية. وتتفق التصريحات العراقية والإيرانية على أن الهدف الأسمى من هذا الخط هو توفير وسيلة نقل مريحة وفعالة لزوار العتبات الدينية، لا سيما خلال زيارة الأربعين، مما يعكس البعد الروحي والثقافي للمشروع.

لكن هذا الخط ليس مجرد طريق للمسافرين فحسب، بل يمثل أيضا جزءا من رؤية أوسع لتعزيز النقل الجوي والبحري بين البلدين، بما في ذلك مقترحات لخطوط سكك حديدية إضافية تمتد من خسروي وخانقين وصولا إلى بغداد.

وعلى نقيض تسارع وتيرة العمل في مشروع الربط السككي، فإن ميناء الفاو الكبير، الذي يمثل ركيزة طموح العراق نحو أن يكون مركزا لوجستيا إقليميا، يواصل تقدمه بخطوات متسارعة لكنه لم يكتمل بعد.

وهذا الميناء الاستراتيجي، الذي يهدف إلى أن يكون أحد أكبر موانئ الشرق الأوسط ويربط آسيا بأوروبا عبر "طريق التنمية"، يحظى باهتمام كبير من الحكومة العراقية. وقد أعلنت وزارة التخطيط في أكتوبر الماضي أن نسبة الإنجاز الفعلية للمشروع بلغت 81 بالمئة، مع إنجاز كامل لعقدي كاسر الأمواج الغربي والشرقي، وعقد طريق المدخل للميناء وجدار الرصيف لمحطة الحاويات.

وتؤكد الشركة العامة لموانئ العراق أن جميع مشاريع ميناء الفاو الكبير ستُستكمل بنسبة 100 بالمئة بحلول نهاية العام الجاري 2025، مع التركيز على إنجاز المشاريع الخمسة الرئيسية بشكل متزامن.

وتوقع وزير النقل العراقي تشغيل المرحلة الأولى من الميناء بنهاية عام 2025. ورغم هذه الوعود، فإن واقع الحال يشير إلى أن الميناء ما زال بحاجة لبعض الوقت لاستكمال بنيته التحتية وقدراته التشغيلية الكاملة، ليصبح جاهزا لاستقبال أكبر السفن التجارية وتشغيل ساحات الحاويات بكامل طاقتها الاستيعابية التي تقدر بملايين الحاويات سنويا.