مستقبل عمال الخليج الأجانب في نفق غامض

قذف الشلل الاقتصادي الناجم عن إجراءات الوقاية من فايروس كورونا مستقبل معظم العمال الأجانب في دول الخليج إلى المجهول، في ظل الصعوبات التي تواجهها الشركات في تسديد الرواتب واضطرار الشركات إلى بحث تسريح العمال بسبب غموض المستقبل المنظور.
لندن - يواجه ملايين العمال الأجانب في دول مجلس التعاون الخليجي حالة غموض مغلقة بشأن مستقبل وظائفهم في ظل تطبيق حكومات تلك الدول لإغلاقات شاملة لجميع النشاطات الحياتية والاقتصادية.
وتتفاقم الأزمة بسرعة كبيرة مع توقف بعض المشغلين والشركات عن دفع الرواتب وانشغال الكثير منها بدراسة تسريح العاملين في ظل غموض الآفاق المستقبلية لسياسات الحد من انتشار فايروس كورونا المستجد.
وتتباين إجراءات تخفيف تداعيات الأزمة في دول الخليج من حيث حجم التسهيلات المقدمة لتخفيف التداعيات الاقتصادية على الشركات والعمال، وتزداد حدة الاختلافات بين المواطنين والعمال الأجانب.
وحذرت جمعيات حقوقية، من بينها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، من أن المساكن المكتظة ونقص الوصول إلى مياه نظيفة في بعض الأماكن قد يُعرِّضان حياة عمال للخطر.
وأشارت إلى أن العمال الأجانب قد لا يحصلون على رواتبهم وقد يتعرضون للفصل التعسفي أو حتى الترحيل، الأمر الذي ينذر بكارثة لعائلاتهم التي تعتمد على مدخولهم.
وقالت هبة زيادين الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش إنّ “العمال الأجانب في الخليج بالفعل في موقف سيء بموجب نظام إدارة العمل الذي يمنح أصحاب العمل سلطات واسعة على العمال المهاجرين ويؤدي إلى إساءة معاملتهم واستغلالهم”.
وأضافت أنه “يتوجب على دول الخليج أن تذهب إلى أبعد من مجرد فرض إجراءات للحد من انتشار الفايروس في مساكن العمال وأماكن احتجازهم”.
وقالت منظمة العفو الدولية إنّ العمال “المحتجزين في مخيمات” هم الأكثر عرضة للخطر، ويعيشون في ظروف تجعل من التباعد الاجتماعي أمرا مستحيلا.
ويتحدّر أغلب العمال الأجانب في دول الخليج الغنية بالنفط من بنغلاديش والهند والنيبال وباكستان. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن العديد ممن تحدثت معهم يشعرون بالخوف على صحتهم وأيضا على الأمان الوظيفي.
ويقول عمال أجانب في السعودية، التي يوجد فيها 10 ملايين عامل أجنبي، إن أصحاب العمل طلبوا منهم التوجه للعمل، بينما سمح للسعوديين بعدم العمل مع دفع الرواتب.
وأكد دبلوماسي عربي في الرياض أن العديد من العاملين في القطاع الخاص “يعانون بسبب إغلاق غالبية القطاعات، بينما يقوم العديد من أصحاب العمل بإجبار العمال على الجلوس في منازلهم دون رواتب”.
وأضاف “على الرغم من تعويضات الرياض للقطاع الخاص، يقوم أصحاب العمل باستغلالها لتغطية خسائرهم بسبب الإغلاق دون الاهتمام بالعمال” الأجانب.
وبعد السعودية، تستضيف الإمارات ثاني أكبر عدد من العمالة الأجنبية بنحو 8.7 مليون عامل، ثم تليها الكويت بنحو 2.8 مليون شخص.
وفي الكويت اشتكت أم صابرين، وهي مصرية تدير مركزا للتجميل، من أنها لن تحصل على راتب شهر أبريل المقبل بسبب إغلاق العمل. وتعتزم السيدة مقاضاة صاحبة العمل.
لكن الكثير من العمال في منطقة الخليج يترددون في القيام بإجراء مماثل خوفا من إجراءات عقابية، بينما يؤكد آخرون أن الوضع الصحي في بلدانهم أسوأ بكثير.
بعض الشركات توقفت عن دفع الرواتب وتدرس تسريح العاملين في ظل غموض الآفاق المستقبلية جراء فايروس كورونا
وقال مهندس باكستاني (27 عاما) يعمل في قطر لوكالة الصحافة الفرنسية طالبا عدم الكشف عن اسمه “نحن في حالة إغلاق منذ عشرة أيام، ولا نعلم متى سينتهي هذا”.
وأضاف المهندس العالق مع آلاف العمال الأجانب في المنطقة الصناعية في العاصمة القطرية أن “الحكومة تقوم بتزويدنا بالغذاء ولكن مرة كل عدة أيام، وأشياء صغيرة فقط”.
وسعت قطر إلى إغلاق المنطقة التي تبعد 15 كيلومترا عن وسط العاصمة الدوحة لفترة أسبوعين مبدئيا بعد تسجيل عدد من الإصابات. ولم يعلن المسؤولون عن عدد الأشخاص الذين يخضعون لحجر صحي.
وأدخلت قطر سلسلة إصلاحات على قوانين وأنظمة العمل منذ اختيارها لاستضافة كأس العالم في عام 2022، الأمر الذي أطلق برنامج بناء ضخما يوظف عمالاً أجانب.
وتعرّضت الدوحة لانتقادات شديدة من منظمات حقوقية بسبب الانتهاكات الواسعة لحقوق العمال. ويقول محللون إنها أجرت إصلاحات تجميلية لكن الانتهاكات لا تزال شائعة ويجري إخفاؤها بعناية.
وعاد إغلاق المنطقة الصناعية المكتظة بالسكان ليسلط الضوء على وضع العمال في قطر، بسبب مخاطر تفشي فايروس كورونا بينهم.
وقالت دبلوماسية غربية إن السلطات القطرية “قامت بتحديد منطقة حجز العمال على أنها نقطة الصفر وكان من السهل عليهم إغلاقها بسرعة”.
لكنها تساءلت “هل كانوا سيقومون بذات الأمر لو كانت الحالات في منطقة اللؤلؤة؟ لا أعرف”. وكانت الدبلوماسية تشير إلى جزيرة اصطناعية يقيم فيها الأجانب الأثرياء.
وأصرّ مسؤولون قطريون الأسبوع الماضي على أن إغلاق المنطقة الصناعية كان أساسيا لإنقاذ حياة الناس، وقامت السلطات بإدخال مستلزمات طبية وتعهّدت بدفع الرواتب.
ويشكل الأجانب 90 في المئة من عدد سكان قطر البالغ 2.75 مليون نسمة، وغالبيتهم من دول نامية يعملون في مشاريع مرتبطة باستضافة الإمارة لبطولة كرة القدم.
وأكد مكتب منظمة العمل الدولية في الدوحة أن العديد من أصحاب العمل قاموا بنقل العاملين إلى مساكن أكبر بسبب مخاوف من انتشار الفايروس في المساكن المكتظة، بينما قام آخرون بتحسين ظروف النظافة فيها.
وقال موظف سريلانكي في سوبرماركت إن الفيلا المشتركة التي يقيم فيها خضعت مؤخرا للتنظيف والتعقيم بموجب الإجراءات للوقاية من انتشار فايروس كورونا المستجد.
وأضاف أن السلطات وإدارة السوبرماركت تقومان “بإجبارنا على ارتداء أقنعة وقفازات” وأنه أصبح يشعر بحنين أكبر إلى وطنه، في ظل الظروف الحالية.
وأكّد رجل مبيعات تركي (49 عاما) يعمل في قطر أنه يقوم بعزل نفسه كإجراء وقائي. وأشار إلى أنه في إجازة غير مدفوعة الأجر وأنه “خائف من الإصابة” بفايروس كورونا المستجد.
قامت السلطات القطرية مؤخرا بترحيل 20 عاملا من النيبال، على الأقل، وأرجعت القرار إلى تجاهلهم للإجراءات المتعقلة باحتواء انتشار الفايروس.
وتساءلت منظمة العمل الدولية إلى متى بإمكان الشركات دفع رواتب موظفيها مع استمرار الأزمة التي ألحقت أضرارا باقتصادات دول الخليج مع استمرار هبوط أسعار النفط.
وأكد مدير فرع المنظمة في قطر هوتان هومايونبور أن الإقالات الجماعية للعمال، ستلحق أضرارا كبيرة بالدول التي قدم منها العمال. وأضاف أن “التأثير سوف يكون كارثيا”.