مستشفى لبناني للأمراض النفسية يستضيف السينما وسيلة للتوعية والعلاج

سكيب داين يونغ: الأفلام السينمائية رموز ذات معنى يخلقها صُنَّاع الأفلام ويستقبلها الجمهور.
الخميس 2025/03/13
فيلم يؤلم ولكنه يعيد لنا بعض الشفاء

بيروت - نظّم نادي السينما “Psynéma”، التابع لقسم الطب النفسي في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس، عرضا استثنائيا للفيلم اللبناني “تحت القصف” للمخرج فيليب عرقتنجي، بحضور المدير العام لشبكة المستشفيات التابعة لأوتيل ديو نسيب نصر، رئيس قسم الطب النفسي البروفسور رامي بوخليل، والمخرج الفرنسي – اللبناني فيليب عرقتنجي، إضافة إلى الممثلين جورج خباز وندى بوفرحات وأطباء وموظفين.

وتأتي هذه الخطوة إيمانا بأهمية السينما في العلاج النفسي وعلاقتها الوثيقة بعلم النفس، وهو ما يتأكد مع عالم النفس الأميركي سكيب داين يونغ الذي يرى الأفلام السينمائية على أنها رموز ذات معنى، يخلقها صُنَّاع الأفلام، ويستقبلها الجمهور، “فالمخرجون، والكتَّاب، والممثِّلون، والفنَّانون الآخرون يتعاونون معا لإنتاج الكيانات الرمزية التي تظهر على الشاشة.”

ويرى يونغ أن “الأفلام السينمائية جميعها تنبض بالحياة من الناحية النفسية، وتتفجر بالدراما الإنسانية التي يمكن رؤيتها من زوايا عديدة مختلفة، في الأفلام ذاتها، وفي من يصنعونها، وفي من يشاهدونها.”

عرض فيلم "تحت القصف" يأتي إيمانا بأهمية السينما في العلاج النفسي وعلاقتها الوثيقة بعلم النفس وفهم الذات

بداية، تحدث رامي بوخليل وشدد على “أهمية مبادرة Psynéma في كسر الحواجز حول الصحة النفسية”، وأكد أن “الألم النفسي لا يقل أهمية عن الألم الجسدي”، وقال “Psynéma، مبادرة من قسم الطب النفسي في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس تهدف إلى التوعية بالصحة النفسية وتذكيرنا جميعا بأننا معنيون بهذا الموضوع. في مستشفى نُعنى فيه ليس فقط بالأجساد، بل أيضا بالنفوس، يعاني مرضانا ونحن أحيانا من ألم مزدوج: ألم الجسد وألم الروح. في أفلامه، يلتقط السيد فيليب لحظات الهدوء ويمنحها معنى عميقا. وفيلمه تحت القصف ليس مجرد سرد للحرب، بل هو فعل مقاومة.”

ثم عبّر نسيب نصر عن “أهمية هذه الأنشطة في تعزيز بيئة إيجابية داخل المستشفى”، وأشار إلى أن “هذا هو النشاط الثالث ضمن إطار Psynéma، حيث يتناول فيلم ‘تحت القصف’ أحداثا تعود إلى الحرب في لبنان، ولكن صدى هذه الأحداث ما زال يتردد حتى يومنا هذا. لقد كان مستشفى أوتيل ديو دو فرانس دائما إلى جانب من عاشوا تحت القصف، داعما إياهم طوال مسيرتهم في الفترات الصعبة.”

أما فيليب عرقتنجي فقد تحدث عن عمق التجربة السينمائية التي يحملها هذا الفيلم، قائلا “إنه فعل شجاع أن نأتي لمشاهدة فيلم ‘تحت القصف’ في الوقت الذي ننجو فيه من الحرب. هو فيلم يؤلم ولكنه يعيد لنا بعض الشفاء. نخرج منه محملين بالكثير من الأسئلة، فهي رحلة نعيشها عادة بعد انتهاء الحرب. إنه فيلم حقيقي بامتياز، صنع ليكون شهادة حية، ليكون موجودا في قلب الحدث، في لحظته، ومعه. أشكر مستشفى أوتيل ديو دو فرانس على عرض هذا الفيلم الاستثنائي. إنه فعل من الصمود، وقوة من الشجاعة، لأنه من المهم أن نواجه جراحنا في اللحظة التي نعيش فيها.”

يروي فيلم “تحت القصف” قصة زينة، امرأة شيعية متحررة تبحث عن ابنها كريم بعد حرب يوليو 2006، رفقة سائق التاكسي طوني، المسيحي الجنوبي. تأخذ الرحلة عبر المناطق المدمرة أبعادا إنسانية عميقة، حيث تكشف عن جراح الحرب وتبرز كيف تتخطى الروابط الإنسانية الحواجز الطائفية. من خلال شخصياته وأحداثه، لا يسرد الفيلم مأساة الحرب فقط، بل يعكس أيضا مقاومة الإنسان للألم وفهمه لمعاناة الآخر”.

وبعد عرض الفيلم أقيمت حلقة نقاش مع عرقتنجي في حضور بوفرحات وخباز، حيث تمت مناقشة شخصيات الفيلم، وأبعادها النفسية، والرسائل التي يحملها هذا العمل المؤثر.

وهذا الحدث لم يعزز فقط مهمة التوعية بالصحة النفسية التي يقوم بها قسم الطب النفسي، بل أتاح أيضا لجميع الحضور الفرصة للتفكير في الحقائق الإنسانية والنفسية التي تناولها الفيلم في جو مناسب للتفكير والتبادل الثقافي.

رسائل مؤثرة
رسائل مؤثرة

ومن خلال عرض الفيلم يؤكد القائمون على المستشفى اللبناني أن الأفلام نوافذ تطل على عالم السلوك البشري أو مرايا عاكسة له، إذ يمكن عبر الاندماج  في الأفلام، رؤية التطور الفردي أثناء حدوثها، أي عمل الآليات الدفاعية اللاواعية، والعمليات الاجتماعية النفسية، وغيرها، فالأفلام لا تدور فقط حول الناس، بل تُصنع أيضا بواسطتهم.

هنا يصبح الفيلم مسرحا تُعرض عليه الكينونات النفسية، وانطلاقا من ذلك يمكن تفسير الأفلام بوصفها نصوصا، أي أوعية رمزية يمكن تفريغها والكشف عما تحويه من معنى.

يذكر أن فيليب عرقتنجي، المخرج الفرنسي اللبناني الشهير، هو واحد من السينمائيين الأكثر تأثيرا في جيله، وقد حصل على أكثر من 40 جائزة في أبرز المهرجانات السينمائية الدولية، كما تم اختيار أفلامه “بوسطا” و”تحت القصف” لتمثيل لبنان في جوائز الأوسكار في عامي 2006 و2008.

أمضى عرقتنجي (مواليد بيروت 1964) حياته السينمائية مخرج أفلام وثائقية بغالبيتها الساحقة، وأفلام أخرى تصنع بناء على طلب شركات ومؤسسات تجارية. عاش أهوال الحرب الأهلية اللبنانية، قبل أن يسافر إلى فرنسا ويحصل على الجنسية الفرنسية، ويدخل مغامرة البحث عن معنى المكان الجغرافي، والهوية.

الهجرات والحروب والذاكرة الفردية والبحث عن خلاص وعن معنى البلد (لبنان) ومجتمعاته، أمور حاول معالجتها فيليب عرقتنجي والبحث فيها وعنها. كما حاول فهم أسئلتها، وتسليط الضوء على بعض خفاياها ومتاهاتها، ما يجعل من أعماله صورة حية عما يعيشه اللبنانيون اليوم، وفرصة لمعالجة الجراح النفسية للصراعات والحروب القاسية.

13