مسافر زاده كتاب

الخميس 2016/06/23

تتناقل وسائل الإعلام أحيانا مبادرات طريفة لترغيب الناس في المطالعة، في وقت زاحمت فيه الكتابَ محاملُ جديدة ولّدتها الثورة الرقمية، والزمن المتسارع، فضلا عن تراجع القدرة الشرائية. وكنّا أوردنا في مقالات سابقة البعض من تلك المبادرات كـ”القراءة لاثنين” في إيطاليا، و”اقرأني” في فرنسا، اللتين تضعان الكتب في الأماكن العامة وحتى على قارعة الطريق كي يقرأها الناس ويمرّروها إلى كل راغب في المطالعة.

علاوة على ذلك هناك مبادرات أخرى في اليابان والبلدان الإسكندنافية توضع فيها الكتب أمام الناس حيثما وجدوا، حتى في المستشفيات ومراكز الترفيه والاستجمام. ولم يكن وقوفنا عند تلك الأخبار إلا لتسجيل البَون الذي يفصلنا عن الأمم المتحضرة.

ورغم ما كان ينتابنا من حسرة ونحن نرى أمة “اقرأ” لا تقرأ، لم ينقطع حلمنا، نحن المثقفين، بيوم يكون لنا فيه ما لتلك الشعوب، لا سيّما أنّها مبادرات لا تستوجب فائض جهد أو مال، بل الحسّ الثقافي الواعي بما للكتاب من دور في النهوض والترقي، والتسلح بالإرادة والإقناع لنقلها من مشروع بالقوة إلى مشروع بالفعل.

لذلك استبشرنا خيرا ببادرة ثقافية جليلة جدّت لأول مرة في تونس، وتمثلت في تزويد حافلات إحدى شركات النقل العمومي بمجموعة من الكتب معروضة على المسافرين. ومما أثلج صدري شخصيا أن هذه البادرة انطلقت من مسقط رأسي جندوبة، وأن مطلقها واحد من أبناء العشيرة هو الشاعر لطفي العيادي، الذي آمن بأن الثقافة فعلٌ قبل أن تكون خطابا، وأن الكتاب هو خير ما نقاوم به التطرف الذي اجتاح البلاد بعد الثورة، فقد استطاع أن يقنع شركة النقل والأطراف الثقافية بالجهة بهذا الحلم الذي راوده، وهكذا تحولت الحافلات منذ مطلع هذا العام إلى مكتبات متنقلة، مجهزة برفوف خاصة تحوي كتبا لكل الأعمار، بمناسبة تدشين الخط الرابط بين جندوبة ونابل في الساحل الشرقي. وقد تجاوب الكتاب والشعراء في تونس وخارجها مع هذا المشروع الحضاري الذي حمل عنوانَ “مسافر زاده كتاب”، ووفروا له من إنتاجهم ومن مكتباتهم الخاصة ما يشبع نهم الراغبين في القراءة، والنية متجهة إلى تعميم الفكرة على سائر خطوط وسائل النقل، ليس في جندوبة وحدها بل في كافة أنحاء البلاد.

في خضمّ ما تشهده تونس الآن من أوضاع متردية، تأتي هذه البادرة كبارقة أمل تبدّد سجوف الظلام، وتحضرنا في هذا المقام أنشودة لأبي القاسم الشابي كنا نرددها صغارا يقول فيها “من وراء الظلام| شَعّ نورالصّباح/ فأزاح القَتام| وأنار البِطاح”.

كاتب من تونس مقيم في باريس

15