مساع مغربية دؤوبة لتحفيز قدرات الشركات الناشئة

يسود اعتقاد بين الأوساط الاقتصادية بأن بيئة الأعمال الخاصة بالشركات الناشئة في المغرب يمكن أن تتطور بفعل نهم صناديق الاستثمار على دعمها رغم أنها تواجه تحديات تتضمن التشريعات وضعف الصفقات الحكومية وضيق السوق المحلية.
الرباط - يسلط قطاع الشركات الناشئة، التي تُعالج الاحتياجات المهملة في المغرب، الضوء على المشهد التكنولوجي المزدهر، بينما يتطلع رواد الأعمال لتحفيز قدراتهم الاستثمارية رغم بعض العوائق التي تواجهها حتى مع وجود الممولين.
وتشهد منظومة دعم هذه الفئة من المشاريع بروز عدد من الصناديق الاستثمارية التي تركز على شركات التكنولوجيا الحديثة، وهو ما جعل البلد يحتل المرتبة الخامسة في القارة من حيث قيمة الصفقات الموقعة خلال 2023، وتستهدف المرتبة الثالثة خلال سنوات قليلة.
وقبل عشر سنوات، نشط في السوق المحلية عدد قليل من صناديق الاستثمار المهتمة بالشركات الناشئة، على رأسها صندوق المغرب الرقمي.
وتأسس هذا الكيان بمبادرة من الحكومة والقطاع المصرفي وكان بمثابة اللبنة الأولى في هذه المنظومة التي باتت حاليا تضم أكثر من 10 صناديق استثمارية حكومية وخاصة.
وخلال العام الماضي نجحت الشركات الناشئة في المغرب في إبرام 17 صفقة بلغت قيمتها 93 مليون دولار، ما يعني أنها تضاعفت بمقدار مرتين ونصف المرة على أساس سنوي بحسب تقرير تصدره منصة بارتك.
ويعتقد عمر الحياني مدير الاستثمارات بصندوق المغرب الرقمي أن بلاده بإمكانها زيادة وتيرة التمويلات المخصصة للشركات الناشئة بما يؤهلها لاحتلال المرتبة الثالثة على المستوى الأفريقي في غضون خمس سنوات.
وحاليا، تتصدر جنوب أفريقيا دول القارة في جذب الاستثمار في الشركات الناشئة، إذ بلغت صفقات التمويل التي حققتها العام الماضي أكثر من نصف مليار دولار، تليها نيجيريا بنحو 469 مليون دولار ومصر بنحو 433 مليون دولار، وكينيا عند 335 مليون دولار.
ويحتل قطاع الشركات الناشئة في المغرب المرتبة 70 على المستوى العالمي وفقا لمؤشر الابتكار العالمي 2023 الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية.
وفي مؤشر النظام البيئي للشركات الناشئة 2024، الصادر في يناير الماضي عن شركة ستارت أب لينك بالشراكة مع مجموعة من المؤسسات والهيئات المغربية، حل البلد في المركز 92 عالميا من أصل مئة دولة.
وجاءت مدينة الدار البيضاء في المرتبة الثالثة عن مدن منطقة شمال أفريقيا فيما يتعلق بمؤشر النظام البيئي للشركات الناشئة.
ويعد الوصول إلى التمويلات أبرز عائق يؤخر ترتيب البلد ضمن هذا المؤشر الذي يرصد تطور رأس المال الاستثماري عبر العالم.
واستثمرت ثلاثة من أكبر الصناديق الاستثمارية في المغرب خلال السنوات الماضية نحو 44 مليون دولار، وفق المعطيات المتوفرة.
وتعتزم مضاعفة الرقم خلال السنوات المقبلة من خلال التركيز على الشركات الناشئة في قطاعات الصحة والزراعة والصناعة، سواء المؤسسة داخليا أو من طرف المغتربين في دول العالم.
وأحد هذه الصناديق هو صندوق المغرب الرقمي الذي تأسس في 2010 كأول كيان لتمويل الشركات الناشئة في البلاد، إذ استثمر من خلال صندوقين ما مجموعه 25 مليون دولار في 26 شركة ناشئة.
93
مليون دولار قيمة 17 صفقة أتمتها الشركات الناشئة المغربية في العام 2023
وقال الحياني في تصريح لبلومبيرغ الشرق إن “الصندوق يستعد حاليا لإطلاق صندوق ثالث بحجم رأس مال أكبر من الصندوقين الأول والثاني”.
وثاني الصناديق هو صندوق الإيداع والتدبير الحكومي الذي أطلق عام 2019 برنامجا لدعم الشركات الناشئة باسم “مؤسسون 212” استثمر إجمالي 12 مليون دولار ويعتزم زيادة التمويلات أكثر.
ويسعى هذا البرنامج لدعم الشباب ذوي الإمكانيات العالية خلال المراحل الأولى من عملية تسريع وتيرة نمو مشروعه مع توفير التمويل والمواكبة الضروريين لتطويرها وإضفاء الطابع الدولي على نشاطه.
وقامت جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية التي أسستها شركة الفوسفات الحكومية، بإطلاق صندوق يو.أم 6 بي فنتشرز قبل سنوات قليلة وبلغت استثماراته 7 ملايين دولار منذ 2021، ويعتزم ضخ 50 مليون دولار في السنوات المقبلة.
ويجمع رؤساء الصناديق الاستثمارية الثلاثة على أن إمكانيات المغرب في مجال تمويل الشركات الناشئة أكبر مما هو محقق في الواقع.
ويُلخص الحياني عدم تطور القطاع في معوقات أبرزها القوانين التي لا تُسهل إنشاء شركات ناشئة في قطاعات المالية والتأمين والصحة وضعف الاستفادة من الصفقات الحكومية وعدم الإقبال على خدماتها من طرف الدولة، إضافة إلى تواضع حجم السوق المحلية.
ومع ذلك، يحاول صندوق يو.أم 6 بي فنتشرز أن يركز على دعم الشركات الناشئة العاملة في التكنولوجيات العميقة المرتبطة بقطاعات حيوية مثل الزراعة والكيمياء والصحة والتكنولوجيا الخضراء والتحول الرقمي عبر العالم.
وذكر رئيسها التنفيذي ياسين لغزيوي لبلومبيرغ الشرق أن الهدف هو دعم الشركات التي ستوفر التكنولوجيات الكفيلة بتحقيق السيادة في القارة الأفريقية.
وتُولي صناديق الاستثمار أهمية كبيرة للسوق الأفريقية باعتبارها لاتزال خصبة وتحتاج لمشاريع استثمارية مهمة، حيث نوه حياني أن “السوق المغربية ليست كبيرة بما فيه الكفاية بالنسبة للشركات الناشئة ولذلك ندعم رواد المشاريع لاستهداف الأسواق الأخرى”.
وعلى رأس تلك الأسواق، بحسب الحياني، أفريقيا وأوروبا والخليج العربي من أجل بيع المنتجات وتوسيع قاعدة زبائنها.
ورغم حداثة قطاع الاستثمار الرأسمالي في الشركات الناشئة في المغرب، إلا أن هناك توجها عاما باستهداف المشاريع خارج البلاد، وبالخصوص تلك التي يقودها المغتربون.
وهذا التوجه تبنته أغلب الصناديق الاستثمارية المحلية من بينها صندوق المغرب الرقمي، الذي استثمر بالفعل في شركات ناشئة في دولة الإمارات والسنغال ويستعد لإنجاز صفقة في إحدى الدول الأوروبية.
وتقدم الصناديق الثلاثة تمويلات تتراوح ما بين 100 ألف دولار حتى مليون دولار، وتركز بالأساس على المراحل الأولى من عمر الشركات الناشئة.
وقال ياسين لغزيوي الرئيس التنفيذي لصندوق يو.أم 6 بي فنتشرز إن “اهتمام الصندوق مركز على المراحل المبكرة لأنها مهمة لنجاح الشركة وتفتح المجال لجذب مستثمرين آخرين في المراحل المتقدمة”.
وكان صندوق الإيداع والتدبير قد استثمر بدوره في شركات من خارج البلاد، أملا في معاضدة جهود الدولة في تنمية نشاط المشاريع الناشئة.
وقال نوفل فاسي فهري المدير المنتدب لصندوق سي.دي.دي أنفيست إن “الهدف هو الاستثمار في شركات ناشئة في كل أنحاء العالم شرط أن تكون لها صلة مباشرة بالمغرب سواء أكانت مؤسسة من طرف مغتربين أو لديها عمليات بالبلاد أو تستهدف السوق المحلية”.