مساع مصرية لفرض واقع جديد في ليبيا يهمش حكومة الدبيبة

تنصب التحركات المصرية في الفترة الأخيرة في ليبيا على تهميش دور حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها والتي تتمسك بها بعض القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الشأن الليبي، ويشكل اللقاء الذي جمع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي وقائد الجيش خليفة حفتر حلقة ضمن سلسلة تحييد حكومة عبدالحميد الدبيبة، وسط تساؤلات حول طبيعة رد الأخيرة على هذه التحركات.
القاهرة - ضاعفت القاهرة من تحركاتها لإثبات أن حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة منبوذة محليا، وبدأت تكرس جهودها على الأطراف الأخرى الفاعلة في ليبيا لخلق أمر واقع قد يؤدي إلى التقليل من أهمية الدبيبة تدريجيا، بما يفضي إلى حدوث تغيير في موقف قوى إقليمية ودولية تتمسك بوجوده.
وجمعت مصر رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي وقائد الجيش خليفة حفتر في القاهرة الاثنين، حيث بحث الجانبان جهود التهدئة بين الأطراف الليبية والسعي لوضع ترتيبات مالية عادلة وشاملة، وتوحيد المؤسسة العسكرية لحماية الحدود، وإيجاد صيغة توافقية لإجراء الانتخابات ووضع آليات لإنجاز المصالحة.
وكشفت مصادر ليبية لـ”العرب” أن اللقاء لم يسفر عن تصورات جديدة تدعم التسوية الحقيقية، غير أن أهميته المعنوية تكمن في تصميم القاهرة على تهميش الدبيبة ومحاولة إخراجه عمليا من الساحة السياسية في الوقت الراهن من خلال تعظيم أدوار القوى الفاعلة والموازية، وتقديمها على أنها وحدها تملك مفاتيح التسوية للأزمة الليبية.
وأضافت المصادر ذاتها أن لقاء المنفي وحفتر الذي جاء بعد أيام قليلة (الخميس الماضي) من لقاء رئيسي مجلسي النواب عقيلة صالح والأعلى للدولة خالد المشري في القاهرة، رسالة من مصر على قدرتها على جمع القوى المؤثرة، وأن الدبيبة الذي سحبت القاهرة اعترافها به بعد أسابيع من انتهاء ولايته غير موثوق به من جانبها، وأن موقفها الرافض لاستمراره وأعلنته رسميا في سبتمبر الماضي لم يتغير حتى الآن.
اللقاء الذي جمع بين رئيس المجلس الرئاسي وقائد الجيش لم يسفر عن تصورات جديدة تدعم التسوية في ليبيا
وتستثمر القاهرة في حالة السيولة التي تمر بها الأزمة الليبية وتراخي المجتمع الدولي عن التركيز على تفاصيل تطوراتها، علاوة على الهدوء الحاصل في العلاقات مع تركيا صاحبة النفوذ الكبير في ليبيا لتؤكد أنها قادرة على تحقيق اختراق في الأزمة وتهميش حكومة الدبيبة، خاصة أن رعايتها للحكومة الموازية التي شكلها فتحي باشاغا بتفويض من مجلس النواب لم تحصل على تأييد داخلي وخارجي يمكنها من الصمود.
وجاءت المبادرة المصرية لجمع المنفي مع حفتر في هذا التوقيت بعد زيادة القبول الدولي والمحلي بأفكار المجلس الرئاسي للتسوية وإجراء الانتخابات، مقابل تصميم حكومة الوحدة على عدم مغادرة السلطة قبل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وتخشى مصر من التفافات الدبيبة حول تحركاتها، حيث أنه لن يعدم الوسائل التي تمكنه من تمديد خيوط التواصل مع كثير من الجهات الليبية التي تحتضنها القاهرة.
ورددت تقارير أن مستشارين للدبيبة التقوا آخرين يعملون مع حفتر في إحدى الدول العربية وتم تصوير الأمر على أنه غير منبوذ وعلى استعداد للتفاهم مع القوى المحلية.
وانطلقت في العاصمة الليبية طرابلس، الأحد وتستمر حتى الخميس، فعاليات الملتقى التحضيري للمؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية بإشراف المجلس الرئاسي ومشاركة مسؤولين من دول مختلفة وممثلين عن أطراف العملية السياسية بينهم رؤساء أحزاب وزعماء قبائل من مدن ومناطق عديدة، فضلا عن ممثلين للمجتمع المدني.
وأطلق المجلس الرئاسي في الثامن من ديسمبر الماضي مبادرة لعقد ملتقى للحوار بين المجالس الثلاثة: الرئاسي والنواب والأعلى للدولة، بحضور مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا عبدالله باتيلي بمدينة غدامس الليبية في الحادي عشر من يناير الجاري، غير أنه ألغي عقب رفض مجلس الدولة الحضور.
لقاء المنفي وحفتر الذي جاء بعد أيام قليلة من لقاء عقيلة صالح وخالد المشري في القاهرة، رسالة من مصر على قدرتها على جمع القوى المؤثرة
وربما يؤدي تعظيم دور المنفي الذي تحتفظ القاهرة بعلاقات جيدة معه إلى تضييق الحلقات السياسية حول حكومة الدبيبة، والتأكيد على الدور الذي يمكن أن يلعبه المجلس الرئاسي في مجال المصالحة الوطنية، خاصة أن رئيسه يبدو منفتحا على جميع القوى.
وتسعى القاهرة لإبراز دور المجلس الرئاسي في سياق رغبتها في إخراج الدبيبة من الحلبة السياسية وعدم تمكين حكومته من الإشراف على عملية الانتخابات التي يتم التخطيط لها في إطار الجهود المبذولة لتوحيد السلطات ضمن ما توصل إليه عقيلة والمشري في القاهرة أخيرا بشأن استئناف اجتماعات المسار الدستوري.
وأكد رئيسا مجلسي النواب والدولة وجود توافق حول مشروع الوثيقة الدستورية، عدا نقطتين أو ثلاث، سيتم عرضها على المجلسين لاتخاذ قرار نهائي بشأنها، وفي حالة عدم التوافق سوف يتم طرحها على الاستفتاء الشعبي.
وقال عضو مجلس النواب الهادي الصغير في تصريح إعلامي الثلاثاء إن هناك لقاء بين عقيلة والمشري في مدينة البيضاء أو الزنتان قريبا، في إشارة إلى اللقاء الذي أعلنا عنه عقب اجتماعهما في القاهرة لمواصلة الحوار بينهما.
ولئن لا يزال الخلاف بين رئيسي مجلسي النواب والدولة مستمرا حول النقاط العالقة في القاعدة الدستورية، لكن الطرفين متوافقان على استبعاد حكومة الدبيبة من الإشراف على الانتخابات.
القاهرة تسعى لإبراز دور المجلس الرئاسي في سياق رغبتها في إخراج الدبيبة من الحلبة السياسية
ورحبت القاهرة بتوافق رئيسي مجلسي النواب والدولة على إحالة مشروع الوثيقة الدستورية إلى المجلسين لإقرارها واستكمال الخطوات المتمثلة في القوانين الانتخابية والإجراءات التنفيذية، وتوحيد المؤسسات الليبية كخطوة هامة على صعيد المضي نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن في أقرب وقت.
وفي خطوة مفاجئة، أوقفت محكمة استئناف طرابلس تنفيذ مذكرة التفاهم بين حكومة الدبيبة وتركيا بشأن التنقيب عن النفط والغاز في أكتوبر الماضي، وهي المذكرة التي زادت من حدة الغضب المصري على الدبيبة، وردت عليها بترسيم حدودها البحرية مع ليبيا من جانب واحد الشهر الماضي.
وعقدت المحكمة جلستها برئاسة المستشار ناصر الحداد الاثنين، واستندت إلى عدة أسباب لإصدار حكمها في مقدمتها أن الحكومة الموقعة “سحبت منها الثقة من قبل مجلس النواب، وتعتبر حكومة تصريف أعمال بصلاحيات محدودة”.
وينطوي الحكم الجديد على رمزية سياسية تعزز تقليص أجنحة حكومة الدبيبة، وجهودها للبقاء في السلطة يمكن تقويضها بشكل ملموس من خلال آليات متعددة، وبفقدانها المزيد من الأذرع المؤثرة، سياسيا واقتصاديا وعسكريا وقانوينا، لن يتمكن من استقطاب الدعم الداخلي، وسيجد نفسه في موقف حرج أمام القوى الإقليمية والدولية التي لا تزال تتشبث باستمراره في السلطة.