مساع لبنانية خجولة لمعالجة مشاكل منظومة النقل العام المتهالك

صعوبات في دعم أسطول الحافلات وتوسيع الاعتماد على الوسائل النظيفة.
الأربعاء 2025/06/04
أفضل من لا شيء

في وقت يواجه فيه لبنان أزمات مالية ومعيشية خانقة، تظهر محاولات بطيئة لإحياء النقل العام، لكنها تبقى بعيدة عن أن تُحدث تحوّلا جذريا، ما يثير تساؤلات حول جدّية الدولة في اعتماد سياسة حقيقية، وقدرة المبادرات على كسر حلقة الإهمال التي تحيط بواحد من أكثر القطاعات حيوية.

بيروت - يشهد قطاع النقل العام في لبنان تدهورا مستمرا منذ عقود، ما جعل التنقل اليومي عبئا حقيقيا على المواطنين، خصوصا في ظل غياب البنية التحتية المناسبة وانعدام التنظيم.

ورغم التأثيرات السلبية الواضحة لهذا الواقع على الاقتصاد المنهار والحياة اليومية، فإن التحركات الرسمية لمعالجة مشاكل هذه المنظومة لا تزال خجولة ومحدودة النطاق.

وتبتسم الطالبة الجامعية فاطمة فقيه بينما تستقلّ حافلة عند الواجهة البحرية في بيروت المكتظة بالسيارات والمثقلة بالتلوّث، في وقت تعمل السلطات على إحياء النقل العام في بلد تكافح مرافقه من أجل توفير الخدمات الأساسية.

ويعاني لبنان من بنى تحتية متداعية ومن غياب شبه تام لوسائل النقل العام. ويتجاوز عدد السيارات والعربات المسجلة فيه المليونين، وفق إحصاءات رسمية.

وتقول فقيه (19 عاما) لوكالة فرانس برس إن الحافلات العامة هذه “أكثر أمانا وأفضل وأكثر راحة” من وسائل النقل الأخرى، لاسيما الحافلات الخاصة الصغيرة التي تجول في العاصمة ومحيطها وتشكل البديل المتاح منذ سنوات عن النقل العام.

زياد نصر: نعمل على توسيع الشبكة مع الحاجة إلى زيادة عددها
زياد نصر: نعمل على توسيع الشبكة مع الحاجة إلى زيادة عددها

وتضيف الشابة “لدي بطاقة الحافلة الخاصة بي، لست مضطرة إلى حمل النقود معي طوال الوقت.”

وازدهر شراء السيارات في لبنان في ظل غياب نظام نقل عام شامل على مدى عقود بعد الحرب الأهلية إلى حين غرقت البلاد بأزمة اقتصادية خانقة بدءا من العام 2019 ارتفعت معها تكاليف النقل العام واشتدّت أزمة المحروقات، وتراجعت قدرة السكان كثيرا على شراء السيارات.

وبحسب مؤشرات البنك الدولي، تبلغ نسبة الفقر في لبنان نحو 44 في المئة، من إجمالي السكان البالغ عددهم قرابة ستة ملايين نسمة، بارتفاع ثلاث مرات في غضون عقد من الزمن.

ويسيّر في شوارع العاصمة بيروت الآن 11 خطا لحافلات النقل العام، يصل البعض منها كذلك إلى مدن في شمال البلاد وجنوبها وشرقها بالتعاون مع شركة خاصة.

وتم تزويد هذه الحافلات بكاميرات مراقبة ونظام تتبع باستخدام تقنية تحديد المواقع (جي.بي.أس). وتبدأ التعرفة بحوالي 70 ألف ليرة (حوالي 80 سنتا من الدولار)، يمكن دفعها نقدا.

ويقول ركّاب تحدثوا إلى فرانس برس إن الحافلات أكثر أمنا، وأتاحت لهم ادخار المال، ووفرت عليهم التوتر الناجم عن الطرق المزدحمة والمليئة بالحفر في بيروت، وسط ضعف في الالتزام بقوانين السير.

وانطلقت شبكة النقل العام هذه رسميا في يوليو الماضي، قبل نحو شهرين على اندلاع المواجهة المفتوحة بين حزب الله وإسرائيل، ليعلّق عملها في بعض الخطوط.

ومع ذلك، لاقى إطلاقها اعتراضا من أصحاب الحافلات الخاصة، إلى درجة أن بعضها تعرض للهجوم والتكسير، خوفا من المنافسة وخسارة حصة من السوق.

11

خطا لحافلات النقل العام يصل بعضها إلى مدن أخرى وذلك بالتعاون مع شركة خاصة

ويستقلّ علي داوود (76 عاما)، الحافلة العامة للمرة الأولى، ويقول “جميل جدا، ثمّة ترتيب وتنظيم، أعجبني الأمر كثيرا.” ويتذكّر حينما كانت بيروت تضم قطارات وحافلات عامة، لكن الحافلة الجديدة “أفضل”.

وبحسب مكتب البنك الدولي في بيروت، فإن “اعتماد لبنان على المركبات الخاصة أصبح غير مستدام بشكل متزايد”، مشيرا إلى تزايد معدلات الفقر وتكاليف تشغيل السيارات.

وقدّر البنك في تقرير نشره عام 2018 كلفة التكدّس المروري سنويا بأكثر من ملياري دولار، لكن من المؤكد أن التكاليف ارتفعت أكثر منذ ذلك الحين جراء تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويبلغ معدّل عدد ركاب النقل العام الحكومي الآن نحو 4500 شخص، بينما كان بضعة مئات عند إطلاقها، وفق ما يشرح المدير العام لمصلحة السكك الحديد والنقل المشترك زياد نصر.

ويوضح أن السلطات تسعى إلى توسيع الشبكة وصولا إلى مطار بيروت مع الحاجة إلى زيادة عددها، مضيفا “نحن منفتحون لأي دعم يأتي من أي دولة، من دول عربية أو من الفرنسيين وحتى من الجانب الصيني.”

وتبرعت فرنسا بنحو نصف الحافلات البالغ عددها نحو مئة. ويأمل الخبير في قطاع النقل تمام نقاش أن تكون الحافلات الجديدة “بداية جيدة” لكنه أعرب عن قلقه إزاء الضغوط بما في ذلك المنافسة.

01

وتقارب كلفة الحافلات الخاصة والحافلات الصغيرة تعرفة الحافلات العامة، لكنها أكثر عددا وأكثر مرونة في ما يتعلق بالتوقف في محطات مختلفة على طول الطريق. ومع ذلك، فإن العديد منها متداع ومزدحم ولا يراعي شروط السلامة.

وتنتشر سيارات الأجرة المشتركة في كل مكان، تبدأ تعرفتها بحوالي دولارين، كما تنتشر تطبيقات النقل، مثل أوبر وغيرها، داخل بيروت، لكنّها أغلى ثمنا وقد لا تكون بمتناول الجميع.

ويرحّب الطالب دانييل عماد (19 عاما) بفكرة توافر الحافلات العامة، لكنه لم يجربها بعد ويفضّل السيارات العمومية. ويقول “في حال لم يملك شخص وسيلة نقل، بإمكانه أن يذهب إلى أي مكان يريده بسعر زهيد” عبر تلك السيارات.

تمام نقاش: الحافلات الفرنسية بداية جيدة لكن الضغوط تظل كثيرة
تمام نقاش: الحافلات الفرنسية بداية جيدة لكن الضغوط تظل كثيرة

ومن شأن إطلاق حافلات النقل العام في لبنان أن يكون مفيدا للبيئة كذلك، وسط التلوّث الكبير في بيروت.

وأفاد تقرير للبنك الدولي بشأن المناخ والتنمية، بأن قطاع النقل يشكّل ثاني أكبر مساهم في انبعاثات غازات الدفيئة والتلوّث في لبنان.

وأشار إلى أنه يتسبب بربع هذه الانبعاثات، يسبقه فقط قطاع الطاقة المتهالك مع الاعتماد الكبير على المولّدات الكهربائية بسبب انقطاع الكهرباء لساعات طويلة.

وظهرت مبادرات أخرى في لبنان في قطاع النقل العام، حيث أطلقت في مدينة زحلة شرقا أربع حافلات تعمل بالوقود والكهرباء معا.

ويجري أيضا إعداد خطة لإطلاق أربع حافلات كهربائية بالكامل في لبنان، يتم شحنها بالطاقة الشمسية، تسير بين بيروت وجبيل شمالا، وفقا لمدير مشروع النقل المستدام في برنامج الأمم المتحدة الانمائي نبيل منيمنة.

وتشجّع الطالبة فاطمة فقيه الجميع على اعتماد النقل العام. وتقول “أي شخص أراه يصعد بالحافلة الخاصة أنصحه أن يذهب إلى النقل المشترك أو ركوب الحافلات العامة… لا لأنها أفضل فحسب، ولكن أيضا لنحافظ على البيئة.”

وتضيف “نحن لا نتحدث عن هذا كثيرا ولكنه مهم جدا، خصوصا مع زحمة المرور في بيروت”، متسائلة “إلى أي مدى يمكننا تقليل حركة المرور إذا أخذنا جميعا وسائل النقل العام؟”

23

11