مساع عراقية مضنية لإزالة العراقيل أمام تقليص أعداد الفقراء

تفرض قضية الأمن الاقتصادي في العراق نفسها بقوة بالنظر إلى الأزمة المالية الممزوجة بقسوة الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة، في ظل التحذير من أن البرامج المعتمدة لتقليص أعداد الفقراء قد لا تأتي بنتائج كما هو مخطط لها مما قد يعقد من مهمة السلطات.
بغداد - وضعت الحكومة العراقية تقليص مؤشرات الفقر بالبلاد هدفا أساسيا في سياساتها الإصلاحية، التي لا تزال تسير بخطى متباطئة وسط شكوك الخبراء في قدرتها على ذلك حتى مع ارتفاع عائدات النفط في الفترة الأخيرة.
ورغم إعلان الحكومة أنها نجحت في مساعيها، إلا أن الشكوك ما فتئت تتزايد حول إمكانية نجاح المبادرات التي تتبناها الحكومة للسيطرة على اتساع خارطة الفقر ببلد يحاول الابتعاد بشق الأنفس عن الخطوط الحمر لأزماته المزمنة.
وتفتح إحصائيات الفقر أبواب الجدل في كل مرة تعلن فيها حكومة مصطفى الكاظمي عن جدوى خطواتها لمعالجة هذه القضية، والتي يرى متابعون للشأن الاقتصادي العراقي أنها لا تزال تحتاج إلى رؤية أعمق بالنظر إلى حجم التحديات.
وفي أحدث المؤشرات، كشفت وزارة التخطيط أن معدل الفقر انحسر خلال العام الجاري، فيما طرحت ثلاثة عوامل من شأنها السماح باستمرار الانخفاض حتى نهاية العام الجاري.
29
في المئة نسبة الفقر في النصف الأول من 2021 مقارنة مع 31.7 في المئة قبل عام
وأشارت إلى أن الأرقام الأولية تفيد بانخفاض نسبة الفقر لما دون 30 في المئة، وبما معدله 29 في المئة تقريبا خلال النصف الأول من العام الجاري 2021، ومن المتوقع أن تنخفض النسبة لأقل من ذلك مع نهاية العام الجاري.
وأكد المتحدث باسم وزارة التخطيط عبدالزهرة الهنداوي أن نسبة الفقر ارتفعت بسبب الجائحة في العراق خلال العام الماضي إلى 31.7 في المئة، وشملت قطاعات الصحة والسكن والتعليم وكذلك الدخل وهو ما يعرف بالفقر متعدد الأبعاد.
ونسبت وكالة الأنباء العراقية الرسمية إلى الهنداوي قوله إن “توقعاتنا بتراجع منسوب الفقر تعود إلى التحسن الكبير في أسعار النفط وعودة استئناف العمل بكثير من المشاريع وعودة نشاط القطاع الخاص والفعاليات التي توقفت بسبب الجائحة”.
وأضاف “ننتظر نتائج المسح الذي تقوم به الوزارة للوقوف على آخر المؤشرات الخاصة بالفقر والبطالة”.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى التباين الكبير بين محافظات البلاد، حيث تتضاعف نسبة الفقر لتتجاوز خمسين في المئة من تعداد السكان في بعض المحافظات.
ويعتبر البلد النفطي نموذجا للاقتصاد الهش في المنطقة العربية باعتباره يعتمد على ريع النفط كمصدر رئيسي للإيرادات ولذلك تأثر بالأزمة ومن الطبيعي أن تبعث المؤسسات المالية الدولية برسائل تحذر من انعدام الأمن المالي للسكان.
وتتزايد ضبابية الخروج من المشكلة في ظل استمرار تعثر جهود السلطات للبحث عن بدائل عن إيرادات النفط، بعد أن فقد المواطن العراقي جزءا من الدخل السنوي، في ظل تسارع تبخر مدخرات النقد الأجنبي وجبل الديون.
ولم تشكل بيانات البنك الدولي بشأن الانخفاض الكبير في نصيب الفرد العراقي من إجمالي الدخل الإجمالي بنحو ألف دولار تقريبا، مفاجأة للكثير من المحللين بالنظر إلى سوء إدارة الحكومات المتعاقبة للسلطة منذ العام 2003.
وقال البنك الدولي في إحصائية رسمية نشرها قبل فترة إن “نصيب الفرد العراقي من إجمالي الدخل الإجمالي خلال 2020 بلغ 4.66 ألف دولار منخفضا عن سنة 2019، والتي بلغ نصيب الفرد فيها 5.49 ألف دولار”.
وكان أعلى دخل للفرد العراقي خلال العقود الأربعة الماضية قد تم تسجيله في 1990 حيث بلغ حينذاك أكثر من سبعة آلاف دولار بقليل قبل أن يهبط إلى 70 دولارا في عام 1991 ليعاود الارتفاع بعد عام 2003.
ومنذ الغزو الأميركي سجل أعلى دخل للمواطن العراقي في عام 2013 عندما بلغ في ذلك الوقت 7 آلاف و50 دولارا قبل أن يعاود النزول في عام 2014 والذي بلغ 6 آلاف و750 دولارا.
وفي وقت سابق هذا العام، حددت وزارة التخطيط مسارات خطة خفض الفقر في البلاد، فيما كشفت عن طبيعة عمل صندوقها الاجتماعي.
وزارة التخطيط تكشف أن نسبة الفقر ارتفعت بسبب الجائحة في العراق خلال العام الماضي إلى 31.7 في المئة
وقال وكيل وزير التخطيط للشؤون الفنية ماهر حماد إن “اللجنة العليا لسياسات تخفيف الفقر تواصل عملها بعد إعادة تأليفها في الثامن من يونيو الماضي وتم تحويل ملف تخفيف الفقر للمجلس الوزاري للاقتصاد”.
وأضاف أن “معالجة الملف ليست من المواضيع السهلة وتتطلب العمل على عدة أمور وخاصة تحديد نسبة العوز المالي المباشر لأن الفقر في البلاد متعدد الأبعاد وصوره نقص الخدمات الصحية والتعليم والخدمات أو مستلزمات المعيشة الأساسية”، مبينا أن “المعالجة تتم بالعمل على تلك المسارات لتخفيف الفقر”.
وأشار حماد إلى أن “عامل الفقر الرئيس هو الفقر المالي المرتبط بالعجز عن توفير مستلزمات المعيشة الأساسية ويترابط ذلك مع عمل شبكة الحماية الاجتماعية وتمكين الفقراء من خلال إيجاد فرص العمل”.
وتعكف وزارة التخطيط على تقديم خدمات إضافية في المناطق الفقيرة عبر ما تسميه بـ”الصندوق الاجتماعي”، الذي يتجول في جميع القرى والمحافظات للوقوف على أبرز احتياجات المواطنين من ماء وكهرباء ومدارس وغيرها.
ولفت حماد إلى أن تغيير سعر الصرف وحظر التجوال الصحي ساعدا على زيادة نسبة الفقر، مشيرا إلى أن نزول نسبة الفقر ممكن من خلال إطلاق المشاريع الاستثمارية التي من شأنها خلق فرص عمل للعديد من المواطنين.
وفي ما يتعلق بالأماكن الأكثر فقرا، بيّن أنها تتركزُ في مناطق العشوائيات والقرى وهي تحتاج إلى حملة كبيرة لتغيير معدل الفقر فيها وانتشالها من واقعها.