مساع جزائرية حثيثة للحاق بنجاحات صناعة الهيدروجين الأخضر

ينظر خبراء إلى محاولات الجزائر اللحاق بنجاحات صناعة الهيدروجين الأخضر، التي باتت معظم الدول العربية تركز عليها لمواكبة الطلب المتنامي وخاصة في أوروبا، على أنها مليئة بالتحديات نظرا إلى أنها تحتاج إلى استثمارات كبيرة وتكنولوجيا متقدمة.
الجزائر - تسعى الجزائر التي تمتلك موارد هيدروكربونية هائلة إلى لعب دور محوري في الانتقال إلى الطاقة النظيفة واللحاق بنجاحات الهيدروجين الأخضر، لاسيما أنها تملك مصادر طاقة متجددة تتقدمها الشمس.
وترى الحكومة أن تطوير هذه الصناعة سيعزز نمو العديد من القطاعات، مثل صناعة الأمونيا والأسمدة والأنسجة الصناعية والكيمياء الصناعية والإلكترونيات، ويفتح لها أسواقا جديدة يمكن أن تحقق من ورائها بعض الإيرادات.
غير أن خبراء وحتى مسؤولين جزائريين يرون أنه يتعين على البلد العضو في منظمة أوبك أن يعتمد على الشراكات مع الدول الرائدة في هذا المجال من أجل إنجاح إستراتيجيته لتطوير هذه الطاقة، خاصة وأنها تحتاج إلى تكنولوجيا متطورة.
وأكدوا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب اعتماد خطة عمل على المدى القصير والطويل بالتنسيق مع الشركات المختصة ومختلف الفاعلين، بما فيهم المجتمع المدني، لتحفيز الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة وربطها بالقطاعات الإنتاجية.
وأعلنت الجزائر الأربعاء، أثناء كلمة أدلى بها الرئيس عبدالمجيد تبون في افتتاح منتدى لرجال الأعمال الجزائريين بمدينة لشبونة البرتغالية، الشروع في إنتاج الهيدروجين الأخضر، مؤكدة عزمها على إقامة شراكة مع دول الاتحاد الأوروبي لتسويق المنتج.
وقال تبون إن “الجزائر انطلقت في إنتاج الهيدروجين الأخضر ضمن برنامج تطوير قطاع الطاقات البديلة”. وأضاف “سنقوم بعرض المنتج على الدول الأوروبية في إطار شراكة اقتصادية مستقبلية”.
ولم يقدم الرئيس الجزائري تفاصيل حول المشروع والجهة التي بدأت الإنتاج سواء كانت شركة النفط الحكومية سوناطراك أو بشراكة مع مجمعات نفطية دولية.
ووضعت الجزائر خططا طموحة أملا في الاستحواذ على حصة من سوق تصدير الهيدروجين الأخضر، الذي تعوّل عليه بصفته وقود المستقبل، عبر تخصيص استثمارات ضخمة لتطوير إنتاجه وتصديره.
وكشف مدير الدراسات والاستشراف بوزارة الطاقة والمناجم ميلود مجلد في فبراير الماضي أن بلاده رصدت موازنة تتراوح بين 20 و25 مليار دولار لاستغلال الهيدروجين الأخضر.
وتهدف الجزائر إلى إنتاج 15 ألف ميغاواط من مصادر الشمس بحلول 2035، لدعم خطط إنتاج الهيدروجين الأخضر، فيما تنتج البلاد حاليا نحو 500 ميغاواط من مصدر الطاقة النظيفة، وفق منصة الطاقة المتخصصة (الطاقة).
وتأتي هذه الخطة بالتزامن مع مساعي تنمية وتعزيز صادرات النفط والغاز، حيث تستفيد الجزائر من انعكاسات الحرب في أوكرانيا على أسواق الطاقة مما يجعلها تظلّ لاعبا رئيسيا في إمدادات الطاقة إلى الأسواق العالمية ضمن تحالف أوبك+.
ويعكف باحثون منذ فترة على إعداد مشروع واعد يتمثل في إنتاج الهيدروجين المطلوب بشدة حاليا، بعدما وقعت سوناطراك العام الماضي شراكة مع ألمانيا في هذا الخصوص، وتصديره عبر خطوط أنابيب الغاز المتجهة نحو أوروبا.
30
مليار دولار رصدتها الحكومة لإنتاج 15 ألف ميغاواط من مصدر الشمس بحلول 2035
وحسب وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب حينها، فإن الأمر يتعلق بأول محطة في الجزائر لإنتاج الهيدروجين الأخضر، انطلاقا من الطاقة الشمسية، موضحا أن المشروع يعتبر نموذجيا وسينتج 50 ميغاواط من الكهرباء.
وفي يوليو 2021 وقعت سوناطراك مذكرة تفاهم مع عملاق الطاقة الإيطالي إيني لتطوير الطاقات المتجددة، بما في ذلك إنتاج الهيدروجين الأخضر مع تعزيز التعاون التكنولوجي.
وقالت إيني آنذاك إنه “جرى رسم خارطة طريق من أجل التقييم المشترك للجدوى التكنولوجية والتجارية لمشروع تجريبي يستهدف إنتاج الهيدروجين باستخدام الكهرباء المولدة من مصادر طاقة متجددة (الطاقة الشمسية والرياح)”.
وأوضحت أنه لكي يتم الحفاظ على إمدادات المياه الجزائرية، ستتمّ دراسة استخدام المياه المنتجة من حقول النفط في عملية التحليل الكهربائي التي ينطوي عليها إنتاج الهيدروجين.
وبرزت مؤشرات على نشوء نواة لسوق شديدة التنافسية في إنتاج الهيدروجين الأخضر في المنطقة تقودها المغرب، وهذا بالنظر إلى الاستعدادات المعلن عنها في بعض الدول، والاستثمارات الأولية التي تم الكشف عنها بالفعل في هذا الخصوص.
وسبق أن أكد محافظ الطاقات المتجددة الجزائري نورالدين ياسع أن بلاده التي تتمتع بإمكانيات شمسية كبيرة قادرة على انتاج الهيدروجين الأخضر بتكاليف “تنافسية للغاية”.
الجزائر وضعت خططا طموحة أملا في الاستحواذ على حصة من سوق تصدير الهيدروجين الأخضر
ونقلت عنه وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية قوله “بالنظر إلى كون الهيدروجين الأخضر ينتج حصريا من الطاقة البديلة، والتي تمتلك الضفة الجنوبية للمتوسط مصادر وفيرة منها، وهي الشمس، فإن الأمر يتعلق بمنح حصة كبيرة من الإمدادات المستقبلية لأوروبا”.
وتتسارع تحركات المغرب لوضع أسس مستدامة لتنمية الهيدروجين الأخضر ليس فقط في سوقه المحلية، بل في باقي دول أفريقيا أيضا لجذب المستثمرين إلى أسواقها من خلال العمل على وضع مبادرات وإستراتيجيات تواكب المرحلة القادمة.
وعقد المغرب شراكات كثيرة مع ألمانيا لتطوير إنتاج الهيدروجين المتأتي من الطاقة الشمسية، حيث يستهدف مشروعا غرين سبايدر وغرين فلامينغو شق طرق بحرية للهيدروجين وأنابيب غاز لربط إسبانيا والبرتغال بشمال أوروبا.
ويدأب المكتب الشريف للفوسفات (أو.سي.بي)، وهو أكبر منتج للأسمدة في العالم، والرائد في قطاع الزراعة الدقيقة والجهة الفاعلة المكرّسة لجهود تحويل الاقتصادات الأفريقية، على تعزيز مكانته حاليا ليصبح رائدا في سوق الهيدروجين الأخضر.
ولهذه الغاية أطلقت المجموعة قبل فترة برنامجا استثماريا بقيمة 12 مليار دولار للفترة الممتدة من 2023 إلى 2027، يضعها في طليعة الثورة الخضراء في أفريقيا.
كما أبرمت تونس في ديسمبر 2020 اتفاقية مع الحكومة الألمانية تهدف إلى تطوير قطاع إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال إنشاء تحالف مشترك يقوم بتنفيذ المشاريع.
وكانت كل من السعودية والإمارات وسلطنة عمان والكويت قد جنحت خلال الأشهر الأخيرة إلى تطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر ضمن إستراتيجية موسعة الهدف منها إحلال البصمة الكربونية في إمدادات الطاقة في المستقبل.