مساع أوروبية للحفاظ على ترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا

بروكسل - دخل المسؤولون الأوروبيون في نقاشات قد تفضي إلى اتفاق للحفاظ على تدفق الغاز الروسي عبر أوكرانيا، في الوقت الذي يزداد فيه الغموض بشأن نهاية الحرب بالتزامن مع محاولة بروكسل التصدي لعدم تضرر إمدادات الدول الأعضاء في الاتحاد.
ومنذ مطلع 2022 سعت أوروبا إلى تقليل اعتمادها على الغاز الروسي، لكن العديد من الدول وخاصة في شرق القارة لا تزال تحصل على الغاز عبر خط أنابيب يمر بأوكرانيا.
ومن المقرر أن تنتهي الاتفاقية التي تغطي نظام العبور هذا في نهاية 2024. ومع احتدام الحرب يتوقع معظم المحللين في سوق الغاز توقف تدفق الإمدادات في نهاية المطاف.
لكن مصادر مطلعة، طلبت عدم ذكر هوياتها، أكدت لوكالة بلومبيرغ الثلاثاء أن المسؤولين والشركات الأوروبية يتحدثون مع نظرائهم الأوكرانيين حول سبل الحفاظ على تدفق الغاز في السنة المقبلة.
وبحسب المصادر فإن أحد الخيارات قيد التفاوض يتمثل في شراء الشركات الأوروبية الغاز من أذربيجان على أن تضخه عبر خطوط الأنابيب الروسية المتجهة إلى أوروبا. ولم تعلق شركة الطاقة الحكومية الأذرية سوكار على الأمر.
ويقول المراقبون إن إبرام اتفاق من هذا النوع لأوروبا سيسمح بتفادي الإحراج الذي تعانيه عند شراء الغاز الروسي بينما تحاول تخفيض إيرادات موسكو من الطاقة.
ويتزايد تأييد هذه الفكرة أكثر كل يوم، حيث بات جليا أن أوكرانيا ستدعمها. وبلغت إيرادات نقل الغاز عبر البلاد نحو مليار دولار خلال 2021، ما يوفر تمويلاً مهماً للاقتصاد الذي قوضته الحرب.
وثمة كذلك مخاوف من أن تصبح خطوط الأنابيب غير المستخدمة أهدافا عسكرية، أو أن تتدهور بدرجة كبيرة تجعل كلفة الإصلاح باهظة للغاية. ويعتقد أوليكسي تشيرنيشوف، الرئيس التنفيذي لشركة نافتوغاز الأوكرانية الحكومية، أن هناك عاملين ينبغي أخذهما في الحسبان دائما.
وقال لوكالة بلومبيرغ إن “العامل الأول هو أن أوكرانيا تملك بنية تحتية هائلة لنقل وتخزين الغاز، والتي ينبغي مواصلة استخدامها، والثاني هو أن كييف تميل إلى استخدام هذه البنية التحتية لأنها تحقق لها قدرا هائلا من المنافع”.
واستبعد تشيرنيشوف وجود أي خطة تتضمن التعاون مع شركة غازبروم الروسية، مشيرا إلى أن نقل الغاز من أذربيجان “قد يكون له مستقبل واعد”. ونظريا يمكن أن تستفيد روسيا من خطة استخدام الغاز الأذري إذا نُفذت بوصفها عملية مقايضة تسمح لموسكو بإرسال غازها إلى مناطق أخرى.
وواجهت روسيا صعوبات في العثور على عدد كاف من الزبائن الجدد لبيع وقودها إذ أن بنيتها التحتية مصممة لإمداد أوروبا به، كما تجري الصين من الجانب الآخر مفاوضات شرسة لتظفر بهذا الغاز وفق شروط جيدة.
ولا تعد فكرة المقايضات غريبة عن أسواق النفط والغاز، حيث تُستخدم عندما يكون من غير الممكن تسليم الوقود من موقع إلى آخر. وتستغل أذربيجان فعلا خط أنابيبها الواصل إلى أوروبا بكامل سعته.
ولا تزال المحادثات في مراحلها الأولية، وتتوقع المصادر أن تُتخذ القرارات فقط بحلول نهاية 2024 عندما يؤدي انتهاء الموعد النهائي وبداية الشتاء الأوروبي إلى تزايد الضغط على الأطراف المعنية.
وبالإضافة إلى ذلك لا تزال هناك عدة تفاصيل ينبغي توضيحها، ومن غير الواضح ما إذا كان سيجري إبرام اتفاق أو لا. وربما تلعب التطورات في ساحة المعركة كذلك دورا في تحديد مصير هذا الاتفاق.
◙ إبرام اتفاق لأوروبا سيسمح بتفادي الإحراج الذي تعانيه عند شراء الغاز الروسي فيما تحاول تخفيض إيرادات موسكو من الطاقة
وشاركت شركة يونيبر العملاقة للغاز أيضا في هذه المفاوضات، وأممت ألمانيا هذه الشركة بعدما قوضت أزمة الطاقة نموذج أعمالها، وفق بعض المصادر. ورغم امتناع المتحدث باسم يونيبر عن التعليق قالت المتحدثة باسم وزارة الاقتصاد الألمانية إن الحكومة “انخرطت في محادثات مع الاتحاد الأوروبي”.
وليس هذا فقط، حيث تعد سلوفاكيا أحد البلدان الرئيسية التي يمكنها الاستفادة من مثل هذا الاتفاق أيضاً، وتحدث رئيس وزرائها روبرت فيكو الشهر الماضي عن إمكانية إبرام اتفاق بعد رحلته إلى أذربيجان، دون تقديم تفاصيل. وقال فيكو للصحافيين في مايو الماضي “حاليا يعتمد الأمر على المفاوضات بين الشركات مثل غازبروم الروسية والشركات الأذرية والأوكرانية وغيرها للاتفاق على الشروط الاقتصادية والأسعار”.
وأضاف “إذا حدث ذلك يمكن لسلوفاكيا استيراد الغاز من أذربيجان، مع بقاء جزء منه في بلدنا ومرور جزء آخر إلى بلدان أخرى”. ورفض متحدث باسم الحكومة تقديم تعليق إضافي، فيما لم ترد وزارة الطاقة في النمسا، وهي دولة أخرى ستستفيد من الاتفاق على طلب التعليق.
ولا تزال روسيا تصدر نحو 15 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا سنويا، معظمها يذهب إلى سلوفاكيا والنمسا، حيث تعتبر روسيا موردا رئيسيا للإمدادات في النمسا، وغطى الغاز الروسي أكثر من 80 في المئة من استهلاك النمسا على مدار خمسة أشهر متتالية. كما تستورد أوروبا أيضا الغاز الروسي عبر السفن، رغم فتح نقاشات متكررة حول ما إذا كان ينبغي لها ذلك أم لا، خاصة وأنها لم تفرض حظرا على هذا المورد مطلقا.
وترى المفوضية الأوروبية أن التكتل يمكنه تحمل وقف نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا دون أي خطر كبير على الأمن. وتعتمد خطتها على وجود بدائل من الموردين ومواصلة إستراتيجيتها الطموحة المتعلقة بالمناخ، بما فيها الطاقة البديلة وتوفير الطاقة. لكن على الجانب الآخر تشعر بعض الدول الأعضاء في الاتحاد بتفاؤل أقل وتتحسب لتكرار أزمة الطاقة، ما يجعل مصالحها متوافقة مع مصالح أوكرانيا.
وقال تشيرنيشوف “أبذل كل ما في وسعي للتوصل إلى حل يضمن استمرار عمل منظومة نقل الغاز الأوكراني، لأنها تعتبر من الأصول الكبيرة التي تحتاج إلى وجود زبائن لاستغلالها. وما لم يحدث ذلك، ستقع خسائر”.