مساعي الصين لتجميل صورتها دوليا تصطدم بانغلاق القوميين

بكين - على مدى أكثر من عام، فجّروا علنا غضبهم حيال الغرب، لكن في وقت يطلب من دبلوماسيي الصين تخفيف حدة لهجتهم، وجدوا أنفسهم في مواجهة معارضة لم تكن في الحسبان مصدرها القوميون في الداخل.
وفي وقت تواجه انتقادات في السنوات الأخيرة بشأن قضايا تراوح من انتهاكات حقوق الإنسان وصولا إلى تحميلها مسؤولية وباء كوفيد، أطلقت بكين العنان لمجموعة جديدة من الدبلوماسيين باتوا يعرفون بـ”الذئاب المحاربة”، وهو مصطلح يدل على القومية العدوانية مستوحى من فيلم صيني اكتسب شهرة.
وتبنى ناطقون باسم وزارة الخارجية ومسؤولون في الخارج نبرة متشددة يغلب عليها الغضب للدفاع بشكل صاخب عن البلد الذي يحكمه الحزب الشيوعي وحتى الترويج لنظريات مؤامرة وإهانة نظرائهم الأجانب علنا.
ولكن في تحوّل شبه تام، حض الرئيس الصيني شي جينبينغ كبار القادة السياسيين هذا الشهر على المساعدة في رسم صورة دولية “يمكن الوثوق بها وتحظى بالإعجاب والاحترام” في مسعى لتعزيز قوة الصين الناعمة.
وقال إن على المسؤولين ووسائل الإعلام الرسمية المساعدة على “سرد قصص الصين بشكل أفضل”.
بكين تريد أن تكون صورتها أفضل. لكن الحاجة للتأكيد على مصالحها تعني أنها ستواصل اتّخاذ خطوات في الاتجاه المعاكس
وبالنسبة إلى بعض المحللين، تعكس التصريحات الإدراك المتزايد أن سنوات من إثارة النزعات القومية لم تترك لبكين الكثير من المجال للقيام بمناورات دبلوماسية أكثر تعقيدا.
ويرى مدير مركز ليدن آسيا في هولندا فلوريان شنايدر أنه بينما يعكس التحوّل “إدراكا أوسع في صفوف قيادة الحزب بأن استراتيجية الصين الدبلوماسية مؤخرا. لم تحظ بترحيب في الخارج، بما في ذلك من حلفاء محتملين”، إلا أن النهج الجديد يتطلب توازنا دقيقا.
وقال شنايدر “أدخل قادة الصين أنفسهم في فخ نوعا ما. من جهة، وعدوا العالم بالصين كدولة معتدلة وطيبة، ومن جهة أخرى، وعدوا الجماهير المحلية بالصين كدولة قوية وحازمة.”
وواجه المسؤولون والمثقّفون الداعون إلى التواصل مع العالم بشكل أكثر هدوءا ودهاء مقاومة من القوميين، ما تركهم ممزقين بين جماهيرهم في الداخل والخارج.
وتدخلت بكين في نهاية المطاف، واصفة البرنامج بأنه وسيلة “لبناء الثقة وتعميق الصداقة”، في تناقض تام مع مستخدمي “ويبو” الذين اعتبروا أن أحد الكتّاب مجرّد “كلب لليابانيين لا يستحق التعاطف”.وانتقدت شخصيات “وطنية” مؤثرة عبر منصة “ويبو” في يونيو مثقّفين صينيين بارزين شاركوا في برنامج تبادل دراسي برعاية الحكومة اليابانية، واصفين إياهم بـ”الخونة” لقبولهم أموالا يابانية وكتابتهم بشكل إيجابي عن البلد.
وتزامنت الحملة على الإنترنت ضد برنامج التبادل مع زيارة أجراها أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي لجزيرة تايوان للتبرّع بلقاحات كوفيد، والتي قوبلت بتنديد خافت غير معهود من قبل وزارة الخارجية أثار حفيظة مستخدمي الإنترنت القوميين.
وقال أحد مستخدمي “ويبو” حينها “لماذا لا نسقط طائرتهم، إنهم يخرقون مجالنا الجوي”! وهو موقف أيّده عدد من المستخدمين الآخرين. وندد آخر بما وصفه بـ”الضعف وعدم الكفاءة”.
وشجّعت بكين مرارا على تبني النهج القومي عندما يكون الوضع مناسبا، بما في ذلك حملات عبر الإنترنت انتشرت العام الجاري لمقاطعة شركات ملابس أجنبية أدلت بتصريحات بشأن تجنّب القطن الذي مصدره إقليم شينغيانغ نظرا لاتهام بكين بفرض العمالة القسرية في الإقليم.
لكن حتى بعض أشد المدافعين عن الصين أقروا بأن التخفيف من حدة الخطاب سيتوافق بشكل أفضل مع مساعي الصين لتصوير نفسها كقوة كبرى.
وكتب رئيس تحرير صحيفة غلوبال تايمز القومية هو شيجين الشهر الماضي بأنه يتعيّن على الحسابات التابعة للحكومة في وسائل التواصل الاجتماعي “رفع لافتة الإنسانية عاليا” بعدما نشر حساب يديره الحزب الشيوعي على منصة “ويبو” مقارنة ساخرة بين إطلاق صاروخ صيني وحرق جثث ضحايا كوفيد في الهند.
ناطقون باسم وزارة الخارجية تبنوا نبرة متشددة يغلب عليها الغضب للدفاع بشكل صاخب عن البلد الذي يحكمه الحزب الشيوعي وحتى الترويج لنظريات مؤامرة وإهانة نظرائهم الأجانب علنا
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية آيوا جوناثان هاسيد “يمكن أحيانا أن تخرج مشاعر ‘الذئاب المحاربة’ هذه عن السيطرة”.
وتابع “إذا حاولت الصين تلطيف صورتها، فسيثير ذلك غضب الوطنيين في الداخل. إذا سايرت الوطنيين، فسيكون رد فعل الأسرة الدولية سلبيا”.
ولا يعني تبديل اللهجة أي تحوّل في النهج. فقد أقرّت بكين في منتصف يونيو قانونا يسمح بفرض عقوبات على الشركات التي تمتثل للعقوبات الأجنبية المفروضة على الصين بينما كثّفت عمليات التوغل في منطقة الدفاع الجوي التايوانية.
والأسبوع الجاري، سلّطت الأضواء على الصين بعدما استُخدم قانون الأمن القومي الذي فرضته بكين لوقف صحيفة رائجة في هونغ كونغ دعمت بشدة الحراك المدافع عن الديمقراطية في المدينة. وتم توقيف رؤساء الصحيفة التنفيذيين بمن فيهم مالكها جيمي لاي.
وقال المحلل في مركز سياسة الصين في كانبيرا آدم ني إن بكين تحاول تحقيق أهداف “يتعارض واحدها مع الآخر”.
وأفاد ني “تريد بكين أن تكون صورتها دوليا أفضل. لكن شخصيات الداخل المحرّكة لسياستها إضافة إلى الحاجة للتأكيد على مصالحها تعني أنها ستواصل اتّخاذ خطوات في الاتجاه المعاكس”.