مساعدات غذائية تستفز التونسيين: إلى أين نتجه

اتخذت المعارضة التونسية من المساعدات الغذائية التي أرسلتها حكومة الوحدة الوطنية الليبية إلى تونس، فرصة لمهاجمة الرئيس قيس سعيّد، والتشكيك في سياساته، في المقابل انبرى أنصار الرئيس للدفاع عنه محملين تلك المعارضة، التي كانت لوقت قريب في السلطة، المسؤولية عن الوضع الذي آلت إليه البلاد.
تونس - أثارت مساعدات غذائية ليبية جدلا سياسيا وشعبيا في تونس التي تواجه صعوبات اقتصادية ومالية كبيرة خلال العامين الأخيرين، أدت إلى شح في السلع، لاسيما في المواد الأساسية.
واستغلت قوى المعارضة في تونس تلك المساعدات المرسلة من حكومة الوحدة الوطنية لمهاجمة سياسات الرئيس قيس سعيّد، خاصة وأن تقديم مثل هذه المساعدات يرتبط في ذهنية التونسي بالدول التي تعاني من حروب أو هي على أبواب مجاعة.
وأعلنت السفارة الليبية في تونس أن طرابلس أرسلت الثلاثاء حوالي 100 شاحنة محملة بالسكر والزيت والدقيق والأرز إلى تونس المجاورة، التي تواجه نقصا متكررا في هذه المنتجات.
وقال الملحق الإعلامي بالسفارة نعيم العشيبي “تأتي هذه المؤن كمنحة مقدمة من قبل حكومة الوحدة الوطنية إلى الشقيقة تونس، في إطار الدعم والمساندة لما يمر به الشعب التونسي من نقص حاد في السلع الأساسية للمواد الغذائية المذكورة”.
وأوضح العشيبي أن هذه المساعدات أرسلت في 96 شاحنة وصلت صباح الثلاثاء إلى الأراضي التونسية عبر معبر رأس جدير الحدودي.
وأضاف العشيبي أن من المتوقع وصول إجمالي 170 شاحنة إلى تونس ناقلة كل المساعدات الليبية.
ويأتي إرسال هذه المساعدات بعد أقل من شهرين على زيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة إلى تونس.
وفتحت زيارة الدبيبة المجال أمام عودة الدفئ للعلاقات التونسية - الليبية التي شهدت تذبذبا خلال السنوات الماضية، بفعل غياب موقف تونسي واضح حيال ما يجري في البلد الجار في سياق رغبتها في النأي بنفسها عن إظهار أي دعم لأحد الفرقاء.
وقال الخبير في القانون والعلاقات الدولية منتصر الشريف إن “المساعدات الليبية لتونس تعكس وجود فشل سياسي واقتصادي، لأن هذه الإعانات تطلبها الدول المهددة بحالة مجاعة”.
واعتبر الشريف في تصريحات لـ”العرب” أن “هذه الخطوة سيبني عليها المعارضون لتوجهات سعيّد، وسيقولون إن الدولة التونسية لم تعد قادرة على توفير أبسط الأساسيات لمواطنيها”.
وتمر تونس بأزمة اقتصادية ومالية خطيرة أدت خصوصا إلى نقص مزمن في المنتجات الغذائية الأساسية.
وأكد الرئيس التونسي مرارا أن المواد الأساسية متوفرة في الأسواق المحلية، مشيرا إلى وجود “من يخفيها عن قصد لتأزيم الأوضاع”، في إشارة على ما يبدو إلى خصومه السياسيين الذين يحاول بعضهم توظيف الصعوبات الاجتماعية كورقة ضغط في صراعهم السياسي معه.
واستغل نشطاء سياسيون وإعلاميون وقوى معارضة وصول المساعدات الليبية إلى تونس، وشنوا هجوما على حكومة نجلاء بودن ومن ورائها الرئيس سعيّد.
وعلّق القيادي في حركة النهضة رفيق عبدالسلام قائلا “الحمد لله، تونس في العهد القيسي السعيد بدأت على بركة الله تشحذ من الأشقاء والجيران الزيت والسكر والأرز”.
وأضاف عبدالسلام، وهو صهر رئيس الحركة راشد الغنوشي، “الرئيس قيس سعيّد قال إن المشكلة كلها في المحتكرين، طيب لماذا لا يضرب على أيدي المحتكرين، ويكف عن التسول من الخارج؟”.
وكتب الباحث مصطفى عطية “مساعدات غذائية ليبية لتونس: وأخيرا أصبحنا شعبا منكوبا في أرضه!”.
وانتقد الإعلامي لطفي العماري في مداخلة على قناة التاسعة المحلية المساعدات الليبية، قائلا إن “الشعب التونسي تحول إلى شعب لاجئ في بلده”، مضيفا “المنطق يقول إن ليبيا هي التي تعرف توترا وحروبا، لكن نقص المواد الغذائية تعاني منه تونس”.
وتابع “ليبيا تشهد حربا وأمراء ميليشيات وحكومتين، وبالتالي فإن الحرب في ليبيا والمساعدات في تونس”، داعيا إلى “عدم إنكار الحقيقة وإدراج المساعدات في إطار التضامن بين الشعبين”.
في المقابل انبرى أنصار الرئيس سعيّد للدفاع عنه، محملين قوى المعارضة، التي كانت لوقت قريب تتولى السلطة، مسؤولية الوضع الذي آلت إليه البلاد، بفعل الإجراءات الارتجالية، والفساد الذي نخر مفاصل الدولة خلال السنوات العشر التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
ويرى البعض منهم أن الحملة المثارة بشأن المساعدات تبدو ممنهجة وهدفها توتير العلاقات مع الجارة ليبيا، بعد التحسن الذي شهدته خلال الأشهر الأخيرة.
وقال الناشط السياسي حاتم المليكي “هناك تعاون تقليدي ودائم بين الدول في الفضاء المغاربي يشمل المواد الغذائية والمحروقات، لكن في هذا الظرف الذي تعيشه تونس لم يتم توضيح ما إذا كانت المساعدة بطلب من السلطات التونسية أو بمبادرة من حكومة الدبيبة، وكان لا بد من إصدار بلاغ من رئاسة الجمهورية حول الموضوع”.
وأضاف المليكي في تصريحات لـ”العرب”، “بقي الخطاب متناقضا، فبينما يتحدث الرئيس سعيّد عن توفر المواد في الأسواق، تقبل السلطات مساعدات غذائية من ليبيا”، مؤكدا أن “رئيس الدولة عليه أن يوضّح ذلك”.
وتابع المليكي “لقد سبق وتلقت تونس مساعدات من موريتانيا والجزائر واليوم ليبيا، لكن ما يثير الجدل هو أن الخطاب الرسمي التونسي ينفي مشكلة التزود بالمواد، بينما لا يجدها المستهلك في الواقع”.
وكانت حكومة الوحدة الليبية قد أرسلت إلى تونس في نوفمبر الماضي شحنة من البنزين تقدر بثلاثين ألف طن، عبر معبر رأس جدير، وهو نقطة العبور الرئيسية بين غرب ليبيا وجنوب شرق تونس الذي يعيش سكانه إلى حد كبير من التجارة عبر الحدود، بما في ذلك التهريب.
وقد تعهد رئيس حكومة الوحدة الليبية خلال زيارته إلى تونس بسداد 250 مليون دولار ديونا مستحقة لتونس قبل نهاية العام الجاري، وهي متعلقة بديون علاجية لمرضى ليبيين ومستحقات الكهرباء.
وكانت مستشفيات تونسية هددت، في وقت سابق، بمنع المواطنين الليبيين من العلاج بعد سنوات من مماطلة السلطات الليبية في سداد الديون الضخمة المتراكمة عليها لدى المستشفيات التونسية، المقدرة بقرابة 100 مليون دولار عن العامين الماضيين فقط.