مسارات الاشتباك: الأبعاد الثقافية لحرب غزة

الجرح النازف في غزة يلزمنا باتّخاذ موقفٍ حازمٍ سواءً عبر المشاركة الميدانية أو الجهاد الثقافي والفكري فإذا لم يتمكن الفرد من اتّخاذ أيٍّ من هذين الموقفين فعليه على الأقل الالتزام بالصمت.
الخميس 2024/06/20
الصوت المعارض للحرب داخل إسرائيل

تُعدّ حرب غزة الحالية واحدة من أكثر الصفحات دموية في الزمن الراهن، حيث نشهد صراعًا مريرًا بين المستوطنين اليهود والسكان الأصليين، استعان الصهاينة بإسناد من أقوى جيوش العالم، بينما لم يقف مع الفلسطينيين سوى عدد محدود من حركات المقاومة.

وإلى جانب الأبعاد العسكرية والسياسية، اتّخذت هذه الحرب منحى ثقافيًا لافتا، فقد سعى المستوطنون إلى تبرير جرائمهم ضد الإنسانية والظهور بصورة الضحية، كما سعوا إلى تشويه صورة المقاومة، ومحاولة إثارة الخلافات بين فصائلها.

اعتقد المستوطنون اليهود بحقهم “الطبيعي” في السيطرة على أراضي فلسطين مما أدى إلى سعيهم الحثيث لطرد السكان الأصليين عبر مراحل زمنية متتالية، مستخدمين مختلف الأساليب الإجرامية، وصولاً إلى حرب الإبادة الجارية حاليا.

لم تقتصر حرب غزة على المواجهات العسكرية المباشرة، والتدمير الممنهج للبنية التحتية، وقتل الأطفال والنساء، بل اتّخذت أيضًا أشكالًا ثقافية ونفسية مُمنهجة، سعى المستوطنون خلالها إلى إضعاف روح المقاومة.

◄ هناك من يتهم جبهة المقاومة أو بعض أطرافها بالمسؤولية عن الأحداث الجارية في غرة، ويوجهون لها أصابع الاتهام عن كل المآسي التي تجري هناك

ويُعدّ صراع الإعلام والثقافة ساحةً حاسمةً في خضمّ الصراعات الراهنة، حيث سخرت إسرائيل إمكانياتها في سبيل حسم هذه الحرب، مستعينةً بجيش من الإعلاميين والمثقفين، ناهيك عن العملاء الذين يستهدفون إضعاف روح المقاومة من الداخل.

وإن كانت الترسانة الإعلامية العربية الداعمة للكيان الصهيوني أصبحت مكشوفة أمام الجميع، فإن الأقلام والأصوات غير المحسومة إعلاميا حتى الآن تشكل خطرا كبيرا على المقاومة، فهي تتحرك باسم الدين أو باسم الضحايا في غزة لتوهين المقاومة.

ومن المعلوم أن المقاومة في غزة لم تعد مقتصرة على الفلسطينيين فقط، وإنما أصبحت محورا يجذب إليه كل أطراف ما يسمى محور المقاومة، بل وتشمل أطرافا أخرى تساند الحق الفلسطيني من خلف منبر الجمعة وعلى صفحات الجرائد وفي ساحات الاعتصام.

وبغض النظر عن التصنيف المذهبي أو الموقف السياسي من بعض أطراف هذا المحور، فمن الواضح أن الآراء حيال ما يجري في غزة تتنازعه أربعة مسارات:

• مسار صانع اللعبة: هناك من يرى أنّ خطوات جبهة المقاومة مدروسة وتهدف إلى تهيئة مسرح العمليات لمعركة حاسمة قادمة، لا مفرّ منها، يدركها كل من يتابع عن كثب تطورات الأحداث في ساحة المعركة.

◄ حرب غزة لم تقتصر على المواجهات العسكرية المباشرة، والتدمير الممنهج للبنية التحتية، وقتل الأطفال والنساء، بل اتّخذت أيضًا أشكالًا ثقافية ونفسية مُمنهجة

• مسار المواجهة: ويرى آخرون أن غارات المقاومة اللبنانية في الشمال، وإغلاق مضيق باب المندب من قبل أنصارالله هو جزء لا يتجزأ من المواجهة المباشرة التي تقودها حماس، وذلك ضمن إمكانياتهم المتاحة ووفقا للقوانين الدولية.

• مسار النأي بالنفس: يرى البعض أن الصمت والتجاهل هو الموقف الشرعي من مذابح غزة، لذا لم يصدر عنهم أي تصريح أو بيان يدعو للتضامن مع المقاومة. وبينما يؤيدهم البعض، إلا أن البعض الآخر يصفهم بالشيطان الأخرس.

• مسار محامي الشيطان: ويتهم آخرون جبهة المقاومة أو بعض أطرافها بالمسؤولية عن الأحداث الجارية في غرة، ويوجهون لها أصابع الاتهام عن كل المآسي التي تجري هناك، ومن هذا الفريق تبرز الأصوات المناهضة للمقاومة.

يُلزمنا الجرح النازف في غزة اتّخاذ موقفٍ حازمٍ، سواءً عبر المشاركة الميدانية أو الجهاد الثقافي والفكري، فإذا لم يتمكن الفرد من اتّخاذ أيٍّ من هذين الموقفين، فعليه على الأقل الالتزام بالصمت المبدئي المُناهض للإبادة الجماعية، حتى لا يتحوّل إلى خنجر في خاصرة غزة.

8