مسارات الإصلاح السياسي في الكويت

فكرة الإصلاح السياسي من الأفكار المتقدمة التي تطرحها الشعوب الناهضة لكن إن لم ترفد بخطوات حقيقية يشعر بها الناس فإن الإصلاح لن يكون سوى نقل عش الفساد من زاوية إلى أخرى.
الخميس 2022/07/14
بانتظار الإصلاحات

الرغبة في الإصلاح السياسي التي بدت واضحة في الخطاب الأميري الأخير تتطلب كما أشار ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح إلى تضافر الجهود لإنجاحها على أرض الواقع.

من المؤكد أن الإصلاح السياسي له أضلاع منها ما يرتبط بالثقافة السياسية وطبيعتها وعمقها ومدى تغلغلها في الثقافة العامة للمجتمع، ومنها ما يرتبط بوعي الناس وتفاعلهم مع ما يجري حولهم بصورة إيجابية، ومنها ما يرتبط بالنظام السياسي القائم.

نتحدث مثلا عن وعي الناس وحثهم على رفع مستوى الاختيار لمن يمثلهم، وتجنب الانتخاب على أسس قبلية أو مذهبية، والبحث عن نائب يشارك في عملية التشريع والرقابة بفهم ودراية، ومدى متابعة الناخب لعمل النواب ومحاسبتهم بشكل دوري حتى لا يحيدوا عن الطريق، أو ينقلبوا على الشعارات التي رفعوها أثناء حملاتهم الانتخابية.

هذا الوعي الاجتماعي والانتخابي جزء من حركة الإصلاح، وشعور النواب بأنهم يخضعون لسلطة الرأي العام كفيل بالتزامهم بالمبادئ الأساسية التي تم الاتفاق عليها مسبقا مع القاعدة الانتخابية، وبالأطروحات والأفكار التي رفعوا شعاراتها أثناء الحملة الانتخابية.

الثقافة السياسية السائدة تساهم بصورة كبيرة في رفد العملية السياسية، فمعرفة الناس بمهمة النائب في مجلس الأمة، وفي القضايا المطروحة للنقاش، وللتحديات التي تعيشها الدولة، تمكّن الأفراد من تحديد مستوى أداء كل نائب وإذا ما كان هذا النائب بمستوى الحدث، أو أنه يجلس على كرسي لا يليق بأمثاله، كما تؤدي الثقافة السياسية إلى رفع استيعاب الأفراد للمرحلة ومتطلباتها.

نتحدث كذلك عن دور الحكومة في الإصلاح، بوصفها ركنا أساسيا في العملية السياسية، فمن جهة أولى تقع على عاتق الحكومة مهمة تقديم برنامج عمل جديد وواضح عند تسلمها مهام الإدارة السياسية، وعليها بطبيعة الحال تنفيذ هذا البرنامج من خلال سلطتها وإدارتها للأجهزة الحكومية ومؤسسات الدولة.

إلزام أجهزة الدولة ومؤسساتها باحترام القانون وحقوق الإنسان والالتزامات الدولية.. من شأنه الدفع نحو دخول الجميع في دائرة الإصلاح والتنمية

من جهة أخرى فإن صلاح الحكومة يحافظ على صلاح البرلمان، فعلى سبيل المثال، يلعب المال السياسي دورا سلبيا وخطيرا في تدمير ذمم السياسيين ومن بينهم النواب، وهو ما أشار إليه ولي العهد الكويتي في خطابه الأخير، وحديثه الصريح والمباشر عن إيقاف صندوق الديوان بوصفه الأداة الرئيسية للتلاعب في نتائج الانتخابات والتأثير على المشهد السياسي.

إذ يعمل المال السياسي، سواء كانت عينية أو نقدية، أراض ومزارع وشاليهات أو كاش نقدي وشيكات، على تشويه إرادة الناس من خلال تأثير الحكومة على نتائج الانتخابات أو التأثير على مواقف ممثليهم بعد وصولهم إلى البرلمان، ودخول النواب في أحلام الثراء بدلا من أحلام الإصلاح.

وتلعب ظاهرة “الخدمات” التي تفتح الحكومة حنفيتها لأعضاء البرلمان وبعض السياسيين دورا في تعزيز نفوذهم وسلطتهم على الناخبين، ونلاحظ مثلا بارزا في تودد المرشح إلى الناخبين لمدة عدة أيام وهي فترة الترشح للانتخابات، وبعد إغلاق صندوق الاقتراع يبدأ الناخب بملاحقة النائب والتودد إليه لتخليص معاملاته وتسهيل إنجازها لمدة أربع سنوات، في حال أن مهمة الوزارات والمؤسسات هو تسهيل معاملات الناس لا تعطيلها، وربط تخليص المعاملات بوساطة النواب والشخصيات السياسية هو جزء من الفساد السياسي.

إن تعطيل إجراء معاملات المواطنين بشكل سلس وروتيني يلعب دورا رئيسا في تعزيز العلاقات المصلحية بين النائب والناخب، ويصعّب من عملية حسن الاختيار، كما أن الفساد الإداري أساسا هو جزء من ماكينة الفساد السياسية، بل يعتبر من أحد أهم أذرع الفساد السياسي، ولذا فإن إصلاحات شاملة وجذرية تشمل إصلاح عمل الوزارات الحساسة وأدائها هو وحده الكفيل بترشيد العمل السياسي بصورة تلقائية.

إن إلزام جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها باحترام القانون وحقوق الإنسان والالتزامات الدولية الصادرة بهذا الشأن، من شأنه أن يعزز من قيمة المواطنة، ويدفع نحو دخول جميع المواطنين في دائرة الإصلاح والتنمية بوصفهم شركاء في الأرض.

نتفق جميعا على أن فكرة الإصلاح السياسي من الأفكار المتقدمة التي تطرحها الشعوب الناهضة، لكن إن لم ترفد بخطوات حقيقية، يشعر بها الناس، فإن الإصلاح لن يكون سوى نقل عش الفساد من زاوية إلى أخرى، فتغيير الأسماء لا يدل دائما على تغيير المناهج وأدوات العمل.

8