مساحة الحرية تمنح الإنتاج الأدبي التونسي تجديدا في لغته وطرحه

تونس – يشهد الإنتاج الأدبي التونسي بفضل مساع ومبادرات الناشرين المحليين وإقبال القرّاء على الكتاب باللهجة العامية والفرنسية، موجة تجديد مع تواصل ارتفاع تكلفة الكتاب المستورد.
ويقام حاليا في العاصمة تونس، معرض تونس الدولي، الذي يعود بعد غياب سنتين بسبب تفشي وباء كورونا، ويقدّم الناشرون خلاله تخفيضات على الكتب تصل إلى عشرين في المئة، كما كانت العادة طوال أسبوع التظاهرة في السنوات الماضية.
وتشارك في الدورة السادسة والثلاثين للمعرض نحو عشرين دولة، وضيفة الشرف فيه هي موريتانيا. ويعرض ما لا يقل عن مئة وخمسين عارضا وثلاثمئة ناشر عربي ودولي كتبا وروايات وغيرها من الإنتاجات الأدبية.
ويعتبر الروائي التونسي يامن المناعي الذي أصدر روايته الخامسة الناطقة بالفرنسية “بِل أبيم” (الهاوية الجميلة) في سبتمبر الماضي أن “ثمة تجديدا في المشهد الأدبي التونسي، والعديد من المدوّنين والمؤثّرين وثمة انجذاب لبعض الإصدارات الجديدة والكتب ولمجموعة من الكتّاب الذين يتابعهم الجمهور ويشجعهم”.
ويرى أن ذلك ناتج عن “تداعيات الاضطرابات التي عرفتها البلاد خلال ثورة الرابع عشر من يناير 2011، حيث باتت هناك رغبة في الحياة من جديد إثر سنوات من الجمود”.
ويلفت إلى أنه وخلال حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي والذي أطاحت انتفاضة شعبية بنظامه في العام 2011، لم يكن أي كتاب يصدر من دون أن يمرّ قبل ذلك بقسم الرقابة.
ويلاحظ الروائي أن الأدب التونسي اليوم “يستطيع التطرّق إلى تابوهات ومواضيع كانت محرمة تتعلق أحيانا بالحميمية”.
وتقدّم الفلسطينية التونسية إليزابيت دلدول وهي ناشرة لكتب المناعي وأنشأت دار “إليزاد” (2005) وتساعد كتّابا وروائيين آخرين على غرار علي البشير، قراءة مشابهة للمناعي.
وتقول إن “ثمة مواضيع لا يخوض فيها الكتّاب من الأجيال السابقة، إلاّ أن شباب اليوم أقلّ تعرضا لهذا النوع من الضغطّ”.
وتقدّم دار إليزاد روايات بأسعار منخفضة (عشرة دنانير، أي نحو ثلاثة يوروهات) ليتمكن القرّاء من الشراء.
ويبيّن مدير مكتبة “الكتاب” في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس جمال الشريف أن ثمة طفرة في الأدب التونسي، وخصوصا في الإنتاجات بالدارجة التونسية (اللهجة المحلية).
ويستدلّ الشريف برواية “هستيريا” للكاتبة فاتن الفازع، والتي تطرّقت فيها إلى مواضيع تتعلق بالحياة الجنسية والبغاء والمثلية. ويقول “بعنا في أقل من شهر ثمانمئة نسخة، أي بمعدل ثمان وثلاثين نسخة في اليوم”.
ويعزو الشريف هذا النجاح إلى الاختيار في أسلوب الكتابة “حتى من لم يضع كتابا بين يديه من قبل باستطاعته قراءة الرواية”، وكتب الفازع تتحدّث عن اليومي وعن قصص أحيانا حميمية.
ومن بين قصص النجاح الأخرى كتب حسنين بن عمو والتي يخلط فيها بين اللغة العربية الأدبية والعامية التونسية في سرد تاريخ تونس عبر قصص شخصيات على غرار رواية “رحمانة”.
ويرى الشريف أن “القرّاء ما عادوا يرغبون بقصص معقدة في ظل الوضع الحالي في تونس والأزمة السياسية والاقتصادية والصحية، بل يبحثون دوما عن كتب تُعالج حياتهم اليومية وتسرد أوضاع مجتمعهم وتقاليده ونمط عيشه”.
ومن دون شك فإن “عامل السعر يفسّر كثرة الإقبال على الكتب التونسية، لأنها أقل بكثير من بقية الكتب العربية والأجنبية”.
وترى الناشرة دلدول ضرورة تشجيع التونسيين على الإقبال على الكتب، وتضيف “منذ العام 2011 انتشرت نوادي المطالعة في كل أنحاء البلاد” على غرار محافظتي القيروان (وسط) ونابل (شرق).
وتضيف دلدول في بلد “رائد منذ زمن” توجد فيه أربعمئة مكتبة عمومية للمطالعة، “يجب أن تتوافر إرادة سياسية لدعم الكتاب المدرسي وتدريب مسؤولين عن المكتبات”، وهي تدعو إلى جمع الناشرين بنوادي القراءة لكي تصبح المكتبات “فضاءات للتبادل” ومكانا متاحا لكل التونسيين ويقبلون عليها.
ويشمل برنامج معرض تونس الدولي للكتاب في دورته السادسة والثلاثين الممتدة حتى الحادي والعشرين من نوفمبر الجاري ندوات فكرية وعشرين لقاء حواريا مع ثلة من الأدباء والمفكرين والشعراء من داخل تونس وخارجها، وكذلك قراءات أدبية ومنتديات للشباب وأنشطة خاصة للطفل.
وحافظ المعرض على البرنامج الموجه للطفل، إذ يقام بالشراكة مع وزارة التربية وإدارة المطالعة بوزارة الشؤون الثقافية، ويتمّ خلاله تنظيم ورشات ومسابقات وعروض تنشيطية ترفيهية لفائدة الأطفال المرافقين لأوليائهم، أو بالنسبة إلى التلاميذ القادمين في رحلات خاصة تنظمها وزارة التربية لفائدتهم من مختلف جهات البلاد.
تواكب الدورة الحالية ذكرى مرور ستين عاما على تأسيس وزارة الثقافة التونسية، وبهذه المناسبة كرّم المعرض الشاذلي القليبي (1925 – 2020) أول من تولى الوزارة والبشير بن سلامة الذي تولى الوزارة من 1981 إلى 1986.
كما احتفى المعرض بالإعلامي فرج شوشان الذي كرّس مسيرته للاهتمام بالإنتاج الأدبي والتعريف بالكتاب التونسي وكتابه وناشريه، والإعلامية سيدة الدو القايد التي وثّقت عبر مشوارها الصحافي سيرة الأديبات والكاتبات التونسيات.
واحتفاء بموريتانيا ضيف شرف المهرجان خصّص لها المنظمون جناحا يتضمّن معرضا للمخطوطات وعرض مجموعة من الإصدارات، كما احتفت الدورة بالمخطوط من خلال تنظيم محاضرات لأساتذة من البلد المغاربي حول “كنوز المخطوطات في موريتانيا” و”طريق الحبر من القيروان إلى شنقيط”، وهي مدينة موريتانية تأسست في القرن الثاني للهجرة.
