مساجد "آل البيت" تدخل حلبة الصراع السياسي في مصر

القاهرة – تملك مصر ذخيرة كبيرة من مساجد آل البيت، وظلت على الدوام محل جدل وأخذ ورد، وحاول البعض الاستقواء بالسيطرة عليها، لمكانتها في الوجدان الشعبي المصري.
لكن أخطر محاولات السيطرة الناعمة كانت تأتي من جانب إيران، كمدخل لإيجاد نفوذ قوي لها في مصر، وهو ما تنبهت إليه الحكومات المصرية المتعاقبة، حيث رفضت جميع جهود التقرب منها عبر هذا الباب، وربما تكون هذه المساجد أحد معوقات تطوير العلاقات بين القاهرة وطهران على مدار الثلاثين عاما الماضية، خوفا من استغلالها من قبل شيعة إيران لجذب المصريين نحو التعاطف معهم.
ومن هذه الزاوية تبدو مساجد آل البيت، ليست كغيرها من الآلاف من المساجد التاريخية في مصر، والقاهرة وحدها معروف عنها أنها عاصمة الألف مئذنة، لكثافة مساجدها على مر التاريخ.
بدأ يتفجر في الأيام الماضية ملف هذه المساجد التي يتعلق بها المصريون، لكن من زاوية محلية صرفة، وضمن صراع قوي يدور في مصر بين بعض المؤسسات الدينية لتأكيد النفوذ.
وبعد خسارة مختار جمعة وزير الأوقاف المصري معركته الأخيرة مع الأزهر، التي حاول خلالها فرض سيطرته علي المساجد بـ “الخطبة المكتوبة” في صلاة الجمعة، لكسر شوكة الإسلاميين المتشددين، وكسب رضا القيادة السياسية، ألقى مؤخرا بآخر أوراقه لاستعادة نفوذه في الحكومة.
وأصدر، الأربعاء الماضي، قرارا بتشكيل مجالس إدارات بعض المساجد الكبرى كمسجد الإمام الحسين (وسط القاهرة) وأصبح يرأس مجلس إدارته إبراهيم محلب، مساعد رئيس الجمهورية للمشاريع القومية، ومسجد السيدة زينب (وسط القاهرة)، ورأس مجلس إدارته أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر الأسبق ورئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب. وبرر الوزير قراره في بيان نشر على موقع الوزارة الإلكتروني بأنه يأتي في إطار الحرص على تطوير العمل بالمساجد الكبرى دعويا، وصيانتها ونظافتها، بما يليق بالمكانة الدينية والتاريخية والمجتمعية لها.
تعيين محلب والعبد، أثار تساؤلات كثيرة في الشارع المصري، حول مدى أهمية أن يترأس محلب مجلس إدارة مسجد، كذلك العبد، ولماذا تم تعيينهما خلال الوقت الراهن؟
يرى مراقبون أن قرار وزير الأوقاف، يحمل معاني سياسية، وليست إدارية أو دعوية، كما يروج له، لضمان استمراره في منصبه، ودللوا على ذلك بأن هذين الشخصين (محلب والعبد) بالذات، لديهما مسؤوليات تنفيذية كثيرة، ولا يملكان الوقت الكافي لإدارة شؤون مساجد كبيرة، كما يدعي بيان الوزارة.
يعمل محلب مساعدا لرئيس الجمهورية للمشاريع القومية، ويقضي طوال وقته في متابعتها والإشراف عليها، ويشرف على مهمة استرداد أراضي الدولة التي تم الاستيلاء عليها من قبل رجال أعمال دون وجه حق.
ويتولى العبد مسؤولية رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، وعلى مكتبه أطنان من القضايا الدينية التي تحتاج إلى قوانين وتشريعات جديدة.
إدخال مساجد آل البيت في اللعبة السياسية يعد مؤشرا خطيرا، بما سيكون له تأثير مباشر على الدور الدعوي لوزارة الأوقاف
كشفت مصادر لـ“العرب” أن وزير الأوقاف بدا من خلال هذا القرار كمن يريد الاستقواء بالمهندس إبراهيم محلب الذي تربطه علاقة قوية برئيس الجمهورية، منذ أن كان وزيرا للإسكان ثم رئيسا للوزراء، وقد يكون داعما رئيسيا للوزير مختار جمعة، خاصة بعد الهجوم الذي تعرض له في الفترة الأخيرة، وجرى التلميح إلى اتهامه في قضايا فساد داخل وزارة الأوقاف.
ومن أهم قضايا الفساد التي تلاحق وزير الأوقاف، المستندات التي نشرت في البعض من وسائل الإعلام وقام بتسريبها مدير التسويق العقاري بشركة “المحمودية للعقارات” التي تملكها الوزارة، حيث تتهم المستندات الوزير بتشطيب شقة خاصة بمبلغ 722 ألف جنيه (نحو 73 ألف دولار) من أموال الوزارة.
ووفقا للقرار الوزاري رقم 52 لسنة 1998، الذي خصص لجميع القائمين على المسجد حصة في حصيلة أموال صندوق المسجد، يصبح من حق مستشار الرئيس الحصول على نسبة حصيلة صناديق النذور بمسجد الحسين، الذي يعد أكبر مساجد الجمهورية، من حيث الأموال التي يتم جمعها من صناديق النذور، الأمر الذي يبرهن على أن تعيينه لم يكن بعيدا عن التنسيق أو استطلاع موافقة القيادة السياسية.
وقال متابعون لـ“العرب” إن قرار تعيين أسامة العبد يرمي إلى وأد الهجوم المحتمل على وزير الأوقاف من أعضاء اللجنة الدينية بمجلس النواب، المنوط بها محاسبته واستجوابه وإحاطته بالمشكلات التي تدور داخل وزارته، ومعرفة خططه المستقبلية لحلها.
وأبدى محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، تعجبه من تجاهل الوزير مختار جمعة المئات من أبناء وزارة الأوقاف من خريجي الأزهر المشهود لهم بالكفاءة في إدارة شؤون المساجد، وتعيين شخصيات عامة ليس لديها الوقت ولا الخبرة الكافية للتعامل مع أكبر مسجدين في مصر.
وأشار لـ“العرب”، إلى أن إدخال مساجد آل البيت في اللعبة السياسية يعد مؤشرا خطيرا للغاية، وقد تكون المرة الأولى التي يستخدم فيها وزير الأوقاف المساجد من أجل الدفاع عن مصالحه السياسية، ما سيكون له تأثير مباشر على الدور الدعوي الذي طغى عليه الدور السياسي للوزارة في الفترة الأخيرة.
كما أن هذا الاختيار يتعارض مع الدور الذي تقوم به وزارة الأوقاف الخاص بتجديد الخطاب الديني.
يذكر أن لفظ مساجد “آل البيت” في مصر يطلق على كل مسجد يحمل اسم إحدى الشخصيات التي تنحدر من نسل الحسن والحسين سبطي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتعرض البعض من آل البيت لمضايقات وأحيانا للاضطهاد في فترات متعددة، في زمن الخلافة الأموية والعباسية، فلجأوا إلى مصر وعاشوا فيها.
ومن أهم المساجد وأكبرها في مصر مسجد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، ومسجد السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب وأخت الحسين بن علي، بالإضافة إلى مسجد السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ومسجد السيدة عائشة بنت الإمام جعفر بن محمد باقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وغيرها.
النتيجة التي وصل إليها الكثير من المراقبين أن المعركة بين الأزهر والأوقاف لن تخمد بسهولة، وأن هناك فصولا جديدة منها لم يكشف عنها، لذلك فالحديث عن إمكانية تجديد الخطاب الديني ومواجهة المتطرفين، سيضيع وسط المهاترات والتراشقات المتبادلة.