مزارع الذهب الأخضر والصيد الجائر يهددان فيلة أفريقيا

كليمنجارو (كينيا) - تهدد ظاهرة جديدة غير متوقعة الفيلة في كينيا، فرغم أن بعضها ينجو من الصيد الجائر والرماح والجفاف، فإن الطلب المتزايد على الأفوكادو صار يتهددها.
ويطل بعيد بزوغ الفجر الفيل “تولستوي” بهيكله العملاق ونابيه اللذين يكادان يلامسان الأرض داخل متنزه أمبوسيلي الكيني على سفح جبل كليمنجارو، حيث يعيش وسط الطبيعة البرية منذ ما يقرب من نصف قرن.
وقاوم “تولستوي” لسنوات رماح الصيادين غير القانونيين وموجات الجفاف، غير أن التهديد الأكبر عليه يتمثل في الطلب المتنامي على الأفوكادو.
وتشكل مزرعة بمساحة 73 هكتارا قرب متنزه أمبوسيلي الشهير الزاخر بأجناس كثيرة من الحيوانات البرية، محور معركة قضائية.
ويؤكد مناهضو المزرعة، وهم مالكو عقارات ومجموعات بيئية، أن المزرعة تعيق تنقل الفيلة وتتعارض مع الاستخدام التاريخي لهذه الأراضي.
غير أن ممولي المزرعة ينفون ذلك مؤكدين أنها لا تهدد الحيوانات البرية في المكان وتوفر في المقابل وظائف ضرورية في أراض غير مستغلة.
ويعد تدمير مواطن العيش الطبيعية والأراضي الزراعية مع الصيد غير القانوني من الأسباب الرئيسية للتراجع الكبير في أعداد الفيلة الأفريقية وفق تحذيرات وجهها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وهو منظمة غير حكومية بارزة ناشطة للحفاظ على التنوع الحيوي، في تقرير أصدرته الخميس.
وباتت الفيلة الأفريقية على “القائمة الحمراء” الصادرة عن المنظمة للأجناس التي تواجه خطر الانقراض.
وصُنفت فيلة الأدغال، وهي من الجنس الموجود قرب أمبوسيلي، ضمن قائمة الأجناس “المهددة” بالانقراض بعدما تراجعت أعدادها بنسبة لا تقل عن 60 في المئة خلال السنوات الخمسين الأخيرة.
كما باتت فيلة الغابات الموجودة خصوصا في وسط القارة الأفريقية وغربها مصنفة ضمن قائمة الأجناس التي تواجه “خطر انقراض أقصى”.
وتحتل كينيا موقعا متقدما بين قائمة الدول المصدّرة للأفوكادو، وقد ازدادت صادراتها بدرجة كبيرة مع الشغف المتنامي بهذا النوع من “الأطعمة الخارقة” الذي بات من المكونات الهامة على قوائم الطعام حول العالم.
وتحتل كينيا المركز السادس على قائمة الدول الأكثر تصديرا للأفوكادو إلى أوروبا، وقد ارتفعت هذه الصادرات بنسبة 33 في المئة لتصل إلى 127 مليون دولار في أكتوبر الماضي، وفق اتحاد مصدّري المنتجات الطازجة في البلاد.
وحصلت شركة “كيلي آفو فريش ليمتد” خلال هذه السنة الاستثنائية على إذن من الهيئة الوطنية لإدارة البيئة (نيما) لإقامة مزارع لها على أراض باعها أشخاص من إثنية ماساي.
وجرى نزع المزروعات من الأرض من ثم تسييجها، وبعدها جُهزت بألواح شمسية وبمشتل مع حفريات لاستغلال المياه الجوفية.

ويذكّر أصحاب الأراضي في المناطق المجاورة ومجموعات بيئية بأن الزراعة على نطاق واسع ممنوعة في هذا المكان بموجب خطط استغلال الأراضي في المنطقة.
وفي سبتمبر أمرت هيئة “نيما” نزولا عند حملة ضغوط، شركة “كيلي آفو” بتعليق أنشطتها ريثما يتم الانتهاء من درس الملف. وطعنت الشركة بالقرار أمام المحكمة البيئية في كينيا التي تنظر حاليا في القضية.
وتستمر الزراعات في المكان. وفي صباح أحد أيام مارس لوحظ وجود جرارات زراعية تحرث الأرض، فيما كان عمّال زراعيون يسقون أشجار الأفوكادو الصغيرة.
ورغم ازدهار أنشطتها يبقى حجم زراعة الأفوكادو محدودا في كينيا مقارنة مع السياحة التي درّت 1.6 مليار دولار على البلد الأفريقي سنة 2019.
غير أن مدير المزرعة جيريميا شواكا سالاش، وهو مساهم أيضا في “كيلي آفو”، يؤكد أن هذا المشروع الزراعي “أنقذ” موظفين كثيرين في القطاع السياحي بعدما فقدوا وظائفهم بسبب تدابير الإغلاق خلال جائحة فايروس كورونا.
وأوضح سالاش وهو من المنطقة وينتمي إلى إثنية ماساي “أدافع عن فكرة إمكان التعايش مع الحيوانات البرية والاستحصال على مصدر إيرادات آخر”، مشيرا إلى وجود مزرعة أكبر للفواكه والخضر في الجوار.
أما أصحاب الأراضي المجاورة والخبراء في الحياة البرية فلهم موقف حاسم: لا إمكان للتعايش بين الأمرين.
ويحذر هؤلاء من أن زراعة الأفوكادو تستهلك كميات كبيرة من مياه الريّ وتهدد تاليا هذا النظام البيئي المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي والذي يواجه أصلا موجات جفاف متكررة.
واصطدمت الفيلة كذلك بالسياج الكهربائي الذي وضعته “كيلي آفو”، في دليل برأي هؤلاء على وجوده على الطرق التي تسلكها الفيلة لدى مغادرتها أمبوسيلي للتكاثر أو للبحث عن الماء أو المراعي.
وقالت بولا كاهومبو التي تدير منظمة “وايلدلايف دايركت” غير الحكومية “يمكنكم تصور موت الفيلة في أمبوسيلي لكي يأكل الأوروبيون الأفوكادو؟”.
ويشير معارضو المشروع إلى أن السماح لشركة “كيلي آفو” بمواصلة أنشطتها سيؤدي إلى سابقة خطيرة في ظل سعي جهات أخرى إلى استغلال هذه الأراضي.
ويواجه “تولستوي” ورفاقه من الفيلة البالغ عددها ألفان في هذا النظام البيئي أصلا المركبات التي تعبر ملجأ كيمانا، وهو ممر إلزامي بين متنزهات مختلفة.
ولفت دانيال أولي سامبو من منظمة “بيغ لايف فاونديشن” غير الحكومية المحلية “إذا ما استمر الوضع على حاله سيكون مصير متنزه أمبوسيلي الوطني الزوال”.
وأضاف “هذه الفيلة (…) سترحل، وستكون تلك نهاية المتنزه وانهيار السياحة في المنطقة”.
وجعلت أكثرية السكان من إثنية ماساي في محيط مزرعة “كيلي آفو” من أراضيها محميات خاصة مفتوحة يمكن للحيوانات البرية ورؤوس الماشية التنقل فيا بحرية.
وأفاد المسؤول عن جمعية تضم 342 من أصحاب الأراضي في محيط “كيلي آفو” سامويل كانكي “إذا ما ربحت (‘كيلي آفو’ الدعوى القضائية)، سنفقد محمياتنا وستضيع محاصيل الماساي الزراعية”.
وترى كاهومبو أن الزراعة التجارية في كينيا باتت “أخطر بكثير على الحيوانات من الصيد غير القانوني”.
كما تدعو الموزعين الأجانب إلى الاستعلام عن منشأ الأطعمة التي يشترونها، على غرار مجموعة “تيسكو” البريطانية العملاقة التي قطعت صلاتها مع مزرعة كينية كبيرة للأفوكادو في أكتوبر بسبب اتهامات بإساءة معاملة الموظفين.
وتؤكد أنه “من غير الممكن إقامة مزرعة للأفوكادو في منطقة برية كهذه”.